مع إقرار مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية من برلمان الانقلاب العسكري ، ليتيح مراقبة الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، يسيطر الخوف على عموم المصريين، الذين عليهم أن يفرضوا مزيدا من القيود والحجب على معاملاتهم وأحاديثهم، في وطن مسكون بالقيود.
نصوص القانون تتعارض تماما مع، الدستور والحريات الساسية بالمجتمع المصري.
ففي 13 يناير الجاري، وافق مجلس النواب الانقلابي على التعديلات المطروحة على المادة رقم 79 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه: “يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمرًا بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.”.
وينتهك التعديل بشكل فج الخصوصية ويتيح للسلطات الملاحقة القضائية نتيجة مراسلات خاصة لا تتعلق باتهامات جنائية،
وتنص المادتان 79 و 116 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية على منح النيابة العامة صلاحية مراقبة وتسجيل المراسلات والهواتف، والتنصت على الاجتماعات الخاصة، بشرط الحصول على إذن قضائي مسبب لمدة 30 يومًا، مع إمكانية تجديده لفترة أو فترات مماثلة.
وتحدد التعديلات المقترحة الحالات التي يجوز فيها اللجوء إلى هذا الإجراء، إذ تنص المادة 79 على تطبيقه “في أي جناية أو جنحة تزيد عقوبتها على الحبس لمدة ثلاثة أشهر”. كما تنص المادة 116 على إمكانية استخدام هذه الصلاحيات إذا كان من شأنها المساهمة في كشف الحقيقة في تحقيقات تتعلق بـ جنايات محددة وفق أبواب قانون العقوبات، مثل الجرائم الماسة بأمن الدولة من الخارج أو الداخل، وجرائم المفرقعات، والرشوة، واختلاس المال العام، والعدوان عليه، والغدر، إضافة إلى الاختصاصات الأخرى المقررة للنيابة العامة بموجب القانون.
وكان نواب قد عارضوا خلال المناقشات التي جرت مطلع يناير الجاري، تمديد المراقبة لفترات غير محددة، وطالب بعضهم بقصرها على فترتين فقط لمدة 30 يومًا لكل فترة، لكن البرلمان رفض تلك المقترحات، وبحسب عضو البرلمان المصري ونائب رئيس حزب المصري الديمقراطي، فريدي البياضي – الذي تقدم بمقترح لتقليص مدة المراقبة لفترة واحدة خلال الجلسة العامة- إن القانون الحالي يعد مخالفًا للدستور المصري تحديدًا المادة 57 التي تضمن حرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات والاتصالات، ولا تجيز المراقبة إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، مشيرًا إلى أن “القانون الحالي على أن تكون مدة المراقبة أو الاطلاع أو التسجيل لا تزيد على 30 يوماً، مع إمكانية التجديد بقرار مسبب من القاضي.”.
ويوضح “البياضي” أنه تقدم بمقترح إلى مجلس النواب بغرض تحديد مدة المراقبة بحد أقصى ثلاث فترات (تسعة أشهر)، لأن النص الحالي يفتح المجال لتمديد غير محدود، ما يجعل المواطن في موضع اتهام دائم، لكن المقترح تم رفضه من نواب الأغلبية والحكومة، مشيرًا إلى أنه “من غير المعقول مراقبة شخص لفترة غير محددة، يمكن وضع مراقبة وفق قرار قضائي مسبق لمدة محددة تنتهي إذا لم يثبت تورط الشخص في أي جريمة.”.
دستور بلح
فيما تنص المادة 57 من الدستور على أن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.
ويأتي ذلك، على الرغم من أن الدستور والقانون يكفلان سرية المراسلات الخاصة وخصوصيتها، في الوقت ذاته أصبحت أن وسائل التواصل الاجتماعي قضية عامة تؤثر على الجميع، حيث تُعتبر المنصات الاجتماعية مكانًا عامًا يتطلب تطبيق القانون العادي عند ارتكاب الجرائم من خلالها، مثل الابتزاز أو التشهير وغيرهما من الجرائم، ومع ذلك، تبرز المخاوف بشأن المراقبة والتجسس على المراسلات الخاصة، التي يفترض أن تكون مشروطة بتحريات جدية وتطبيق عادل للقانون، وفق حقوقيين.
الجميع متهم حتى تثبت براءته
ووفق التعديلات المقرة برلمانيا، فإن جميع المصريون “متهمين حتى تثبت براءتهم” كما يرى محامون، إن ما يحدث الآن هو انتهاك لقرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور، إذ يشعر المصريون أنهم جميعًا في موضع اتهام، لأن القانون يجيز للنيابة العامة أو المحكمة مراقبة وتسجيل المكالمات الهاتفية للمتهمين فقط، ولكن تجاوز هذه الحدود يضعنا أمام مشكلة قانونية وأخلاقية كبرى.
كما ان مواد القانون بثوبها الجديد، نمنح الجهات الأمنية سلطات واسعة لتجاوز هذه الضوابط، وهو ما يعيد الجتمع الصري للوراء، عشرات السنين، إلى حقبة شهدت انتهاكات واسعة لحقوق المصريين، وهو أمر يتعارض مع ما تم تحقيقه من إصلاحات قانونية عقب فترات النضال الطويلة.
ويثير قانون الإجراءات الجنائية حالة واسعة من الجدل منذ شهور، وكانت مجموعة حقوقية خلصت، منتصف نوفمبر الماضي 2024، إلى ضرورة إدخال تعديلات جوهرية على مشروع القانون المقترح من اللجنة التشريعية للبرلمان. وراعت المجموعة احتمالية موافقة مجلس النواب على مناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ، ما دفعهم إلى وضع نصوص ومقترحات بديلة للمشروع الحالي شملت 184 مادة من أصل ما لا يقل عن 540 مادة تضمنها مشروع القانون، قدمتها المجموعة في ملف كامل يحتوي على 50 ورقة تضمن جدولًا ضم نص المشروع المقترح من اللجنة التشريعية، ونص قانون الإجراءات الجنائية الحالي رقم 150 لسنة 1950، والتعديلات المقترحة من جانب المجموعة بالحذف والإضافة.
وقد أرسلت مجموعة العمل نسخة من ملف التعديلات المقترحة إلى عبد الفتاح السيسي، ورئيس البرلمان المستشار حنفي الجبالي، ووزير الشؤون النيابة والاتصال السياسي المستشار محمود فوزي، ولكن دون جدوى، وسط إصرار على الاستمرار في نهج القمع الأمني الذي قاده قبل جمال عبد الناصر إلى هزيمة نكراء لمصر والمصريين.