في وقت تتفاقم فيه معاناة المصريين من الغلاء وتدهور مستوى الخدمات الطبية، يواصل المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي التفريط في ما تبقى من القطاع الصحي الحكومي، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام مستثمري الخليج للاستحواذ على المستشفيات العامة وشركات الأدوية المملوكة للدولة، في خطوة يقول معارضون: إنها "تهدد الأمن الصحي للمواطن وتؤسس لنظام علاج استثماري لا يراعي العدالة الاجتماعية". قوانين على المقاس.. وخصخصة بـ"الالتزام" بدأت موجة الخصخصة الجديدة منذ صدور قانون "تنظيم منح التزام المرافق العامة لتطوير وتشغيل المنشآت الصحية" في يونيو/حزيران 2024، والذي منح الحكومة صلاحية تأجير المستشفيات العامة لمدة 15 عاماً لمستثمرين محليين وأجانب، بدعوى تحسين مستوى الخدمة، إلا أن تطبيق القانون شهد تسارعاً مثيراً للجدل، مع إعلان طرح 21 منشأة صحية للاستثمار قبل حتى صدور اللائحة التنفيذية. الإمارات في صدارة المشترين وتشير الوثائق والمفاوضات الجارية إلى أن صناديق استثمار إماراتية وقطرية تقود مساعي الاستحواذ على حصص استراتيجية في كبرى شركات الأدوية الحكومية، وعلى رأسها شركتا "سيد" و"مصر للمستحضرات الطبية"، كما تم بالفعل تأجير 5 مستشفيات عامة لشركات خاصة، من بينها مستشفى زايد آل نهيان، في مشهد يعكس حجم التغلغل الخليجي في قطاع حساس. الطعن القضائي.. وتأجيل البت وفي 24 مايو الماضي، نظرت محكمة القضاء الإداري دعوى مرفوعة من المحامي الحقوقي خالد علي، تطالب بوقف خصخصة المستشفيات العامة، وعلى رأسها مستشفى هرمل للأورام، الذي تم منحه لإدارة شركة فرنسية، ما أدى إلى شكاوى متزايدة من المرضى، بسبب التدهور الحاد في الخدمات، وفقاً لشهادات أطباء وناشطين. منى مينا: "ليس ترفيهاً بل حياة بشر" الطبيبة منى مينا، المنسقة السابقة لحركة "أطباء بلا حقوق"، علّقت بمرارة على تحول مستشفى هرمل إلى كيان استثماري، قائلة: "طوابير الانتظار تحوّلت إلى مأساة يومية، ما يحدث جريمة ضد الحق في الحياة"، وأكدت نقابة الأطباء أن القانون الجديد لا يتضمن أي ضمانات للفقراء، بل يفتح الباب للأطباء الأجانب على حساب الكفاءات المحلية. تحرير العلاج.. وغلاء الدواء لا تقف موجة الخصخصة عند المستشفيات، بل تمتد إلى سوق الدواء، الذي شهد زيادات تجاوزت 50% في أسعار أكثر من 2200 صنف خلال 2024، مع توقعات بزيادة مماثلة خلال العام الجاري، وتدرس الحكومة ربط أسعار الأدوية بالدولار، وسط قفزات متواصلة في أسعار الصرف، ما يحوّل العلاج إلى عبء مستحيل لقطاعات واسعة من الشعب. تراجع الإنفاق الحكومي.. وتصاعد الأرباح الخاصة خصصت موازنة 2024/2025 نحو 200.1 مليار جنيه فقط لقطاع الصحة، أي 1.17% من الناتج المحلي، وهو أقل بكثير من النسبة التي يُوصي بها الدستور (3%)، وفي المقابل، قفزت أرباح شركات الدواء الخاصة بنسبة تجاوزت 60%، وسط توقعات بأن تبلغ قيمة السوق 353 مليار جنيه هذا العام. رأي برلماني: الدولة انسحبت من دورها النائب ضياء الدين داوود حذّر من أن "الدولة تخلت عن دورها بالكامل"، مضيفاً أن القانون الجديد لا يهدف لتحسين الخدمة بل لتحرير أسعار العلاج، في وقت باتت فيه الأغلبية غير قادرة على شراء الدواء أو إجراء الفحوصات. خطر احتكار القطاع الصحي ويتزايد القلق من تكوّن تكتلات احتكارية خليجية في قطاع الصحة، الذي أصبح من أكثر القطاعات جذباً للاستثمار بسبب أرباحه الضخمة، ويقول مراقبون: إن "الإمارات، التي باتت تتحكم في معظم سلاسل المستشفيات الخاصة الكبرى، تسعى الآن لبسط نفوذها على ما تبقى من القطاع العام، مما يُنذر بتحول الرعاية الصحية في مصر إلى امتياز استثماري، بدلاً من حق دستوري". نحو "صحة بالنظام النقدي" في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وموجات الغلاء المتواصلة، تبدو خيارات المواطنين محدودة، فإما اللجوء إلى مستشفيات حكومية مُؤجّرة بأسعار خاصة، أو مؤسسات خاصة بأسعار فلكية، أو انتظار الموت في الطابور، وفي الحالتين، يبدو أن الحق في العلاج المجاني الذي طالما تغنّى به الخطاب الرسمي قد أصبح من الماضي. البيع فقط يرى مراقبون أن بيع السيسي للقطاع الصحي لم يعد مجرد سياسة تقشفية، بل هو جزء من استراتيجية أشمل لتحويل الخدمات العامة إلى أصول تُباع للخليجيين لسد عجز الموازنة، حتى لو كان الثمن حياة ملايين المصريين الذين لم يعودوا يملكون ثمن العلاج أو الدواء.