مصر أسيرة تعليمات الصندوق: كيف قاد الاقتراض غير المنضبط وسياسات السيسي الاقتصاد إلى طريق مسدود؟

- ‎فيتقارير

رغم محاولات نظام المنقلب السيسى بث أجواء من التفاؤل عقب انتهاء زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة، تكشف تفاصيل المفاوضات عن واقع أكثر قتامة: اقتصاد مُنهك بالديون، وإصلاحات هيكلية مؤجلة، ودولة باتت أسيرة لاشتراطات الصندوق نتيجة مسار طويل من الاقتراض غير المنضبط وإهدار الموارد العامة على مشروعات عديمة الجدوى، لا تعود بالنفع سوى على شبكة ضيقة من كبار المستفيدين المرتبطين بالمؤسسة العسكرية.

 

فالمباحثات التي جرت في إطار المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج التمويل الممدد، وانتهت دون حسم صرف شريحة قرض بقيمة 2.7 مليار دولار، أعادت إلى السطح جوهر الأزمة: تراكم الدينين المحلي والخارجي، وفشل الحكومة في تنفيذ تعهداتها المتعلقة بطرح الشركات العامة وتقليص هيمنة الدولة – وتحديداً الجيش – على مفاصل الاقتصاد.

 

أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس، يمن الحماقي، وصفت أجواء الزيارة بأنها “إيجابية شكلياً”، لكنها أكدت أن الملفات الخلافية الجوهرية لا تزال عالقة، ما يجعل أي تفاؤل مشروطاً بتنفيذ إصلاحات طال تأجيلها. فالصندوق، بحسب الحماقي، قدّم إشارات مبدئية لصرف الشريحة المعلقة بعد تلقيه تطمينات من وزراء المالية والاستثمار بشأن تغييرات في نظم الجمارك والضرائب وتقديم تسهيلات للمستثمرين. غير أن هذه الوعود، كما جرت العادة، تظل حبراً على ورق في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لتفكيك الاقتصاد الريعي القائم.

 

ورغم حديث مصادر حكومية عن تحسن مؤشرات كلية مثل تراجع التضخم وارتفاع الاحتياطي النقدي وتحسن النمو، فإن الصندوق لم يُخفِ انزعاجه من “بطء الإصلاح الهيكلي”، لا سيما في ما يتعلق بتقليص دور الدولة وتعزيز المنافسة. فالتحسن المحاسبي في بعض المؤشرات لا يخفي حقيقة أن هذا الاستقرار هش، وممول بالديون والأموال الساخنة، ومعرّض للاهتزاز مع أي صدمة خارجية.

 

يبقى برنامج الطروحات الحكومية العقدة الأكبر في العلاقة بين القاهرة والصندوق. فالحكومة تواصل المماطلة، متذرعة بظروف السوق، بينما يضغط الصندوق لتسريع بيع الأصول وتوسيع مشاركة القطاع الخاص. الأكثر حساسية كان ملف الشركات التابعة للجهات السيادية، وعلى رأسها الشركات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، حيث طالب الصندوق بإخضاعها لقواعد المنافسة والحوكمة والضرائب نفسها، في تحدٍ مباشر لاقتصاد الامتيازات الذي بناه السيسي خلال العقد الأخير.

 

خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس يرى أن الصندوق لم يقتنع بمراهنة الحكومة على صفقات استثنائية، مثل الاستثمار العقاري أو مبادلة الديون بأصول، معتبراً إياها حلولاً مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة. فالدين العام، بحسب النحاس، بات عبئاً خانقاً، في ظل اعتماد الموازنة على الاقتراض لسداد ديون سابقة، ما يحوّل الدولة إلى حلقة مفرغة من الاستدانة بلا إنتاج.

 

في المحصلة، تكشف هذه المفاوضات أن مصر لم تعد تفاوض من موقع الندّية، بل من موقع الدولة المثقلة بالديون، المقيّدة بشروط الممولين، بعد أن أُهدرت مليارات الدولارات على مشروعات استعراضية لا مردود اقتصادياً لها. وبينما يدفع المواطن ثمن الغلاء والضرائب وتقليص الدعم، تستمر عصبة العسكر في جني العمولات والمكاسب، تاركة الاقتصاد الوطني رهينة لتعليمات صندوق النقد، ومستقبله معلقاً على قروض جديدة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.