كتب: أسامة حمدان
الصحافة المصرية في عهد الانقلاب الدموي أضحت "صحافة تعبوية" تخدم البيادة أكثر مما تخدم القارئ، وتخاطب الانفعالات بأكثر مما تخاطب العقول، حتى باتت تحث على التهليل بأكثر مما تحث على النقد والتفكير.
"المصري اليوم" و"الوطن" صحيفتان في سروال واحد، لا تختلف المانشيتات الرئيسية إلا في التفاصيل، حيث تقف أصابع الرقيب وراء ما ينشر في كلتيهما، من خلال تزويدهما بنوعية معينة من الأخبار والتقارير المعلبة في أجهزة المخابرات والأمن الوطني.
ويحرص الانقلاب على توصيل ما يريد إلى الرأي العام عبر الصحافة، التي تخدم سياساته وليس ما يريد أن يعرفه القارئ، ولذلك فإن مجال حركة الصحفيين بدا محكوما بحدود البث الذي ترغب فيه سلطات الانقلاب.
وأضحت كفاءة الصحفي لا تقاس في "الوطن" أو المصري اليوم"، بمقدار حصوله على الأخبار التي تهم القارئ أو تثير فضوله، لكنها أصبحت تقاس بمدى خدمته للانقلاب، وفجوره المستميت ضد الثورة ومؤيدي الشرعية.
حتى باتت «الانفرادات» التي تتباهى بها "الوطن" و"المصري اليوم" لا تعبر في حقيقة الأمر عن أي جهد يبذله الصحفيون، ولكنه يعكس مدى قوة ارتباطهم بالرقيب الذي يسرب لهم رسائل محددة، تصل مباشرة عبر صفحات الجريدتين إلى عقل القارئ، ويظل يلوكها ويشترها مثل أعواد البرسيم.
إذا أردت العمل في "الوطن" أو "المصري اليوم" لا تقلق من الموهبة الصحفية، ففي هذه الحالة لم تعد مطلوبة، وأصبحت الملكة المرغوبة تتمثل في درجة الولاء الشخصي للانقلاب، وكفاءة نسج العلاقات العامة مع حيتان الفساد القديمة والجديدة.
ما يؤكد ذلك هو ما أعلنته صحيفة "الوطن"،اليوم الخميس، عن تسلم الصحفي محمود مسلم مسئولية رئاسة التحرير، بعد ثمانية أيام فقط من إعلانه التخلي عن رئاسة تحرير صحيفة "المصري اليوم"، التي تنافسها في دعم الانقلاب، والتي تولى رئاسة تحريرها في 31 يناير الماضي.
وكان مسلم أحد مؤسسي صحيفة "الوطن" في 2012، بعد مغادرته صحيفة المصري اليوم التي كان يعمل مديرا للتحرير فيها، مع رئيس تحريرها مجدي الجلاد، الذي غادر "الوطن" أيضا مطلع أغسطس الماضي.
ومحمود مسلم بالأساس صحفي برلماني في صحيفة "الأهرام" الحكومية، لكن اسمه بدأ يلمع بعد عمله في "المصري اليوم"، وعضويته في الحزب الوطني الحاكم وقتها، المنحل حاليا، حيث اشتهر بعلاقاته برجال النظام الكبار، وخاصة فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب الأخير في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي أجرى معه حوارا شهيرا بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنحي مبارك عن الحكم، وقت أن كان سرور متهما بقضايا فساد وتحريض ضد المتظاهرين.
في يوم الثالث من إبريل 2011 رفع متظاهرون بميدان التحرير في تظاهرات جمعة كان اسمها "إنقاذ الثورة" لافتات انتقاد لاذعة لصحيفة "المصري اليوم"، ردا على حوار أجراه محمود مسلم مع فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق، متهمين الصحيفة والصحفي بتجميل صورة النظام السابق ورموزه ومنحهم مساحات للدفاع عن جرائمهم.
وعاد اسم محمود مسلم للظهور مجددا في أعقاب الانقلاب العسكري في 2013، "كلم محمود مسلم"، هكذا قال اللواء عباس كامل مدير مكتب عبد الفتاح السيسي للمتحدث الإعلامي السابق للجيش المصري، العقيد أحمد علي، وفقا للتسريب الذي أذاعته قناة "مكملين" الفضائية، ضمن تسريبات أخرى تذيعها قنوات معارضة للنظام المصري الحاكم، تكشف عن الأذرع الإعلامية للجيش المصري التي ساعدته في الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.
ظهر اسم محمود مسلم في التسريب ضمن آخرين، ومسلم في وقت تسجيل التسريب يعمل كمدير تحرير لصحيفة "الوطن" الخاصة، التي تعد أحد أبرز داعمي النظام الحاكم ورئيسه عبد الفتاح السيسي، كما أن له برنامجا على قناة "الحياة" الفضائية الخاصة.