السيسي تقاضى 9 مليارات دولار عن دوره في “صفاقة القرن”.. لماذا؟

- ‎فيتقارير

جاء التأييد المخزي الذي يعبّر عن أسوأ عصور الانحطاط من الخارجية المصرية، بإعلان دعمها صفقة أو “صفاقة” القرن المعلنة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبيت الأبيض، ليعبّر عن أقل الأدوار التي قامت بها سلطة السيسي دعمًا لنهب الصهاينة ما تبقى من فلسطين.

فقد استغرب كثيرون بيان مصر الذي “يقدر جهود الإدارة الأمريكية” ويدعو “الطرفين المعنيين” لدراسة الخطة والتفاوض بشأنها “برعاية أمريكية”، ولكنهم لم يطَّلعوا على الشق الاقتصادي أو “الرشاوى” التي ستُدفع للأنظمة العربية لدعم ابتلاع الصهاينة لفلسطين.

والحقيقة أنَّ مصر باعت القضية، وقالت للطرفين إن عليهما أن ينظرا للموضوع ويبحثاه وفضَّت يدها من القضية، وكأن إسرائيل فوجئت بالعرض الترامبي وقالت “رعاية أمريكية”!.

فقد أكدت وثائق الصفقة أن مصر ستحصل بموجب الصفقة على 9 مليارات دولار، وهذا هو ما دعا السيسي مبكرا للموافقة عليها مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء بعدما رفضتهم خطة ترامب.

وبمتابعة نص صفقة القرن، سنجد أن الدور المصري الذي ستتقاضى عليه 9 مليارات دولار هو الإشراف غير الرسمي على قطاع غزة، والتنسيق الأمني لوقف نشاط المقاومة الفلسطينية في القطاع ضد الاحتلال، والمساهمة في تشغيل المنطقة الصناعية والزراعية المرسومة مع حدود رفح المصرية لتوفير عمل لأهالي غزة، فضلا عن دور غامض في توطين الفلسطينيين اللاجئين في سيناء.

فقد أظهرت وثائق الشق الاقتصادي من صفقة القرن، أن القاهرة ستلعب دورا عبر سيناء في الخطة، مقابل 9 مليارات دولار ستدفعها دول الخليج من المبلغ الإجمالي للخطة الذي يقدر بـ50 مليار دولار.

وكشفت الوثائق بذلك ما كانت تخفيه سلطة السيسي عن أن صفقة القرن “إعلامية” وليست حقيقية، رغم أن السيسي كان أول من أكد لترامب عام 2018 التزمه بها.

بموجب الخطة المعلنة من البيت الابيض، سينفق على الإنعاش الاقتصادي للأراضي الفلسطينية، وكذلك للبنان والأردن ومصر 50 مليار دولار.

وبحسب الوثائق ستحصل مصر على نحو 9 مليارات دولار، نصفها على هيئة قروض ميسرة، تستثمر في 12 بندًا من خلال ثلاث مراحل على مدار 10 سنوات، وذلك كما يلي:

  1. خمسة مليارات دولار تستثمر في تحديث البنية التحتية للنقل واللوجستيات في مصر.
  2. 1.5 مليار دولار تستثمر لدعم جهود مصر في التحول إلى مركز إقليمي للغاز الطبيعي.
  3. مليار دولار تخصص لمشروع تنمية سيناء (بواقع 500 مليون دولار لكل من مشروعات توليد الكهرباء، والبنية التحتية للمياه، والبنية التحتية للنقل، ومشروعات السياحة).
  4. 125 مليون دولار إضافية توجه لمؤسسة الاستثمار الخاص لما وراء البحار (أوبيك)، والتي ستوجه هذا الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر.
  5. 42 مليون دولار لإصلاح وتحديث خطوط نقل الكهرباء من مصر إلى قطاع غزة.

إلى جانب الالتزام ببحث سبل تعزيز التجارة بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية من خلال المناطق الصناعية المؤهلة في مصر ضمن اتفاقية الكويز.

ماذا ستدفع مصر لترامب في المقابل؟

أعلن البيت الأبيض رسميًّا عن أن سيناء جزء من صفقة القرن، وسنجري فيها العديد من المشاريع، وأن صفقة القرن تشمل دعم توسعة موانئ ومناطق تجارية قرب قناة السويس، فضلا عن تطوير منشآت سياحية في سيناء.

ويعني هذا صدق التسريبات التي تحدثت عن تفريط السيسي بسيناء لصالح الصهاينة، خاصة أن السيسي هو أول من استعمل مصطلح صفقة القرن، وأعلن عن دعمه وتأييده الشديد لها بحضور ترامب، ثم نفى علمه بها لاحقًا، وزعم أنها حديث إعلامي.

وكان مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، جايسون جرينبلات، قد نفى مرارًا ما أُثير حول طلب الولايات المتحدة من مصر التنازل عن أراض في سيناء لإنشاء كيان فلسطيني له سيادة يمتد حتى أجزاء من رفح والعريش، ولكن الأمر هنا لا يتعلق بتنازل عن أرض وإنما تشغيل سيناء في مشاريع لخدمة غزة كأنها تابعة لغزة.

ماذا تعني الاتفاقية؟

لذلك قال الرئيس الفلسطيني عباس: إن الفلسطيني قبل بـ22% من فلسطين التاريخية والآن يأتي ترامب ليأخذ 40% من الـ22%)، أي أن الدولة الفلسطينية الوهمية على 11% من أرض فلسطين التاريخية.

فصفاقة القرن معناها إعلان سيادة إسرائيل على مناطق واسعة في الضفة الغربية تحتلها المستوطنات، في مؤتمر صهيوني عالمي تحول إلى اجتماع انتخابي لنتنياهو وتسميته صفقة القرن.

والأثر العملي لإعلانها هو إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر لضم فوري لغور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، ومنح بعض الأنظمة العربية الفرصة لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، لا أكثر ولا أقل.

وترامب لا يكتفي بأن يعرض على الفلسطينيين “دولة” على 50% فقط من الضفة، بدون سيادة وبدون سيطرة أمنية على إقليمها، بل هو يشترط ذلك باستجابتهم لـ8 شروط تعجيزية منها الاعتراف بيهودية إسرائيل، وتفكيك سلاح حركة حماس.

ميناء ومطار غزة

بحسب صفقة القرن، فبعد توقيع الاتفاقية بخمس سنوات وبعد موافقة إسرائيل والأخذ باشتراطاتها الأمنية والبيئية؛ للدولة الفلسطينية الحق في إنشاء جزيرة صناعية تكون ميناءً لقطاع غزة ومطارًا يستقبل الطائرات الصغيرة فقط.

الصفقة ورغم أنها ستنتهي إلى المزبلة، إلا أنها تهيئ للقضاء كليًا على القضية الفلسطينية، في لحظة موت عربي تام، هُيأ له عبر الثورات المضادة في السنوات الماضية.

فقبل 100 سنة قدم إعلان بلفور 40% من فلسطين للإسرائيليين، واليوم قدم إعلان ترامب ما تبقى من فلسطين للعدو الإسرائيلي. أمريكا لم تكن في أي لحظة من اللحظات مع الحق الفلسطيني. لقد كانت خلال الـ70 سنة الماضية منحازة للعدو الإسرائيلي، وهي اليوم أكثر انحيازا من أي وقت.

ولا شك أن مشهد فرض التسوية المذلة على العرب والفلسطينيين بإجبارهم وباعتراف أمريكي ودولي على التنازل عن القدس والأرض والمقدسات والمياه وحق العودة والسيادة ليس صفقة القرن، بل سرقة القرن في حضور مجموعة من اللصوص، ومباركة من سفراء الإمارات والبحرين وعمان، وهذا سيفتح باب مقاومة القرن.