بعد الإمارات.. نرصد محطات التطبيع السري بين السعودية والكيان الصهيوني

- ‎فيتقارير

إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس 13 أغسطس 2020م، عن التوصل لاتفاق تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات، يمثل خطوة على طريق الهرولة الخليجية نحو التطبيع المجاني، ويبدو أن الدور بات على المملكة العربية السعودية، خصوصا بعدما هيمن ولي العهد محمد بن سلمان على جميع مفاصل السلطة وأطاح بكل خصومه داخل الأسرة المالكة وبات هو الرقم الأهم في معادلة الحكم السعودية.

وجزم جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" الإنجليزية، بـ"حتمية" إعلان تطبيع العلاقات بشكل كامل بين الكيان الصهيوني والسعودية، مقلّلاً من مسألة عدم تعليق المملكة، حتى اللحظة، على الاتفاق الصهيوني الإماراتي بالقول: "لا يمكنك قلب السفينة بين ليلة وضحاها".

ومنذ تصعيده وليا للعهد سنة 2017م، أجرى محمد بن سلمان تحولات ضخمة، وخطا خطوات واسعة وغير مسبوقة تجاه تدشين مرحلة جديدة من الهرولة والانصياع الكامل للتوجهات والسياسات الأمريكية الصهيونية في المملكة أو المنطقة كلها.
أولا، في نوفمبر 2017م، كشف وزير صهيوني عن اتصال سري مع الرياض، وهو اعتراف نادر بالتعاملات السرية التي تناولتها شائعات كثيرة ظهرت في الفترة الأخيرة، والتي نفاها الجانب السعودي مرارا. وعندما أعلن ترامب في ديسمبر 2017م، اعترافه بالسيادة الصهيونية على القدس عاصمة موحدة للصهاينة وقرر نقل سفارة بلاده من "تل بيب" المحتلة إلى "القدس المحتلة"، دان النظام السعودي القرار ظاهرا؛ لكن مسئولين عربا صرحوا لوكالة أنباء رويترز بأن السعودية تتفق مع الولايات المتحدة على صعيد الاستراتيجية الأوسع نطاقا لخطة سلام فلسطينية صهيونية تبدو في مراحلها الأولى. وتؤكد شبكة "إن تي في" الالمانية أن بن سلمان التقى سرا نتنياهو في خريف 2017م قبل إعلان ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة ونقل السفارة إلى القدس.

ثانيا، في مارس 2018م، قررت المملكة فتح المجال الجوي للطيران التجاري الصهيوني للمرة الأولى لتبدأ رحلات من الكيان الصهيوني إلى الهند والعكس عبر المجال السعودي. وهي الخطوة التي وصفها الجانب الصهيوني بأنها تمثل ثمار عامين من الجهود على صعيد التعاون بين البلدين.

مواقف صادمة
ثالثا، أبدى ولي العهد السعودي مواقف صادمة للعرب والمسلمين جميعا حول القضية الفلسطينية؛ وذلك في حواره مع مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية في إبريل 2018م، حيث اعتبر "فلسطين المحتلة" وطنا للصهاينة لهم الحق في العيش فيه بسلام على أرضهم!. الصدمة في هذه التصريحات أنها وضعت الصهاينة المحتلين على قدم المساواة مع الفلسطينيين أصحاب الحق والوطن في المطالبة بالأرض واعتبارها وطنا لهم؛ وهو أمر غير مسبوق لم تتضمنه تصريحات أي من كبار المسؤولين السعوديين من قبل.

رابعا، في يونيو 2018م، كشفت صحيفة "إنتليجانس أون لاين" الفرنسية عن اجتماع سري عقد في مدينة العقبة الأردنية في 17 يونيو 2018م، وضم كلا من رئيس الاستخبارات السعودي خالد بن علي الحميدان، ورئيس الاستخبارات المصري عباس كامل، ورئيس الاستخبارات الأردني عدنان عصام الجندي إضافة إلى ممثل عن السلطة الفلسطينية. وأضافت أن فريقاً أمريكياً يضم جيسون غرينبلات وجاريد كوشنر كان حاضراً في الاجتماع، إضافة إلى رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين. وذلك لبحث سبل دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والصهاينة، لافتة إلى أن الاجتماع تزامن مع الجهود الأمريكية الجارية حالياً في المنطقة من أجل إتمام "صفقة القرن". منوهة إلى العلاقات السرية الممتدة بين الرياض وتل أبيب منذ سنوات طويلة.

خامسا، كشفت صحيفة "الأخبار اللبنانية" في تقرير نشرته في غرة مايو 2019م، أن ولي العهد السعودي عرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن 10 مليارات دولار للسلطة للقبول بصفقة القرن الأمريكية. وتقدم ابن سلمان بهذا العرض خلال زيارة قام بها عباس إلى السعودية في نوفمبري 2017م، أي قبل إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الصهيوني بشهر واحد. هذه الضغوط تكررت بعد ذلك، بعد إعلان صفقة القرن مباشرة؛ حيث كشف المعلق الصهيوني المختص بالشئون العربية، عوديد غرانوت، في تحليل نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، في 30 يناير2020م، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حاول إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الصفقة، مضيفاً أن بن سلمان قال لعباس: "لن تحدث كارثة في حال تم تدشين عاصمة الدولة الفلسطينية في بلدة أبوديس، المحيطة بالقدس". وأضاف أن محاولات بن سلمان لإقناع عباس تدل على أنه كان على علم مسبق بما تتضمنه الخطة.

علاقات دافئة مع الصهاينة
سادسا، في نوفمبر 2018م، استقبل ولي العهد السعودي وفد الإنجيليين الأمريكيين في الرياض وهو اللقاء الذي استمر ساعتين، وبحسب رئيس الوفد جويل روزنبرغ للقناة العاشرة العبرية، فإن بن سلمان هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإيران. وبحسب "روزنبرغ" الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والصهيونية وعمل من قبل في مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فقد تحدث محمد بن سلمان عن الصراع الفلسطيني – الصهيوني، والعلاقات "الدافئة" بين الرياض وتل أبيب لنحو ساعة ونصف من اللقاء الذي استمر قرابة الساعتين. غير أن الأمير السعودي طلب من أعضاء الوفد ألا يتم الكشف عن فحوى ما دار بينهم حول هذين الموضوعين. وقال "روزنبيرغ":"طرحنا قضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وربما كانت القضية الأكثر حساسية، تحدث محمد بن سلمان إلينا مطولا ولكنه طلب منا ألا نكشف علنا عن هذا الجزء من اللقاء"، حسبما نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي.
سابعا، في مايو 2019م، ثار جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن كشفت خارجية الاحتلال الإسرائيلي عن زيارة وفد يهودي في وقت لاحق للمملكة العربية السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي التي يوجد مقرها بمكة المكرمة.

ثامنا، في غرة فبراير 2020م، أثنى الجنرال جوزيف ووتال، الذي عمل قائداً للقوات الأميركية في الشرق الأوسط والخليج، بالعلاقات السرية والتعاون الوثيق بين دول عربية والكيان الصهيوني في مجالات الاستخبارات و"السايبر" والتقنيات والاقتصاد. واعتبر هذه العلاقات وذلك التعاون مفتاح الطريق نحو التطبيع الكامل وتكريس العلاقات الدبلوماسية، وفي حوار مع صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية أوضح أن النظم العربية التي ترتبط بعلاقات وثيقة علنية أو سرية مع الكيان الصهيوني لا تعتبر تل أبيب عدوا بقدر ما تتخوف من زعزعة بقائها في السلطة والمس بأوضاعها الداخلية وداعش وإيران.