حفتر.. قصة جنرال انقلابي مهووس بالسلطة

- ‎فيعربي ودولي

في يوم 14 فبراير 2014 في عهد حكومة علي زيدان، قام الأمريكي من أصل ليبي اللواء متقاعد خليفة حفتر بأول محاولة انقلاب ضد الحكومة الشرعية في بنغازي، ودائما ما يرتبط ذلك بسعيه إلى الإطاحة بالسلطات الحاكمة في بلاده، وشارك حفتر العقيد المخلوع معمر القذافي في الانقلاب الذي أوصل الأخير لسدة الحكم عام 1969، قبل أن يحاول حفتر الانقلاب عليه عام 1993، وكررها قبل أن يعيد المحاولة في 16 مايو من العام ذاته، بسيناريو آخر. لكن العجب من كثرة محاولات حفتر الانقلابية يتلاشى سريعا بعدما يتبين أن الكتاب الوحيد الذي ألفه كان بعنوان: "رؤية سياسية لمسار التغيير بالقوة".
ومنذ استيلاء الجنرال عبدالفتاح السيسي على السلطة في مصر، بانقلاب عسكري في يوليو 2013، ضد الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، لم تترك الإمارات والسعودية فرصة إلا ودعمته سياسيا وماديا، حتى أصبح أحد أدواتهم في المنطقة. وبدأت الإمارات والسعودية باستخدام السفاح السيسي في تنفيذ مصالحهما حول الحرب بليبيا، وتقديمه لرفض أي شراكة عسكرية، أو سياسية، أو اقتصادية، بين حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، والمدعومة تركيا.

حفتر أسيرا
"حفتر" ضابط سابق في الجيش الليبي ولد عام 1943، وحصل على العديد من الدورات العسكرية، منها "قيادة الفرق" في روسيا بامتياز، وكان من القادة العسكريين الذين أسهموا مع معمر القذافي في الانقلاب العسكري الذي أوصل القذافي إلى سدة الحكم عام 1969. وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة الذي انبثق عن هذا الانقلاب.
وعُرف حفتر بميوله الناصرية العلمانية مثل أغلب مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار التي شكلها القذافي عام 1964، والتي وضعت حدا للحكم السنوسي في ليبيا في الأول من سبتمبر 1969م. قاد حفتر الحرب التي دارت في ثمانينيات القرن العشرين بين ليبيا وتشاد بسبب الصراع على إقليم أوزو الحدودي بين البلدين، وكان ضمن مئات الضباط الليبيين الذين أسروا خلال إحدى المعارك العسكرية نهاية مارس 1987م.
بدأ حفتر يأخذ مسافة من نظام القذافي، وقاد بعض المساعي مع مئات من رفقائه العسكريين داخل سجون تشاد، توجت عام 1987 بالانخراط في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة للنظام الليبي، ثم تأسيس وقيادة «الجيش الوطني الليبي» الذي مثل جناحها العسكري، والمدعوم من الحكومة التشادية، وهو مجموعة مليشيات من عسكريين سابقيين وهو الجيش الذي شارك في محاولة انقلابية ضد القذافي عام 1993 وحكم على حفتر وقتها غيابيًا بالإعدام. لم يعمر «الجيش الوطني الليبي» بقيادة حفتر طويلا، فبعد وصول إدريس ديبي للسلطة في تشاد، تم تفكيك هذا الجيش، وتمكنت قوات أمريكية من تحريره في عملية لا تزال لغزا إلى اليوم، ولم تكتف بذلك بل منحته واشنطن الجنسية وحق اللجوء السياسي.

في ثوب الثورة
بعد اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 عاد إلى ليبيا، وتحديدا إلى بنغازي لينضم إلى جيش التحرير الوطني للمشاركة في الجهود العسكرية والسياسية الهادفة إلى إسقاط النظام.
وتولى لوقت وجيز قيادة جيش التحرير الذي أسسه الثوار، وبعد انتقادات لأداء هذا الجيش الذي تشكل في أغلبه من متطوعين ومن شباب لا خبرة لهم في الأعمال العسكرية، تم إسناد قيادة الجيش لوزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس العبيدي.
تردد أن حفتر ارتبط بعلاقات قوية مع بعض الدوائر السياسية والاستخباراتية الغربية، خاصة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إي) التي دعمته، وفق ما نقلت رويترز عن مركز أبحاث أمريكي.

الشغف بالانقلابات
ولعل شبكة العلاقات تلك هي التي أثارت نوعا من الخلاف بين الثوار بين مؤيد ومعارض لمنحه مكانة قيادية بارزة، وفي 14 فبراير 2014 أعلن اللواء المتمرد خليفة حفتر عن سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد، وأعلن في بيان "تجميد عمل المؤتمر الوطني والحكومة، متبنيا ما أسماه "خارطة طريق" لمستقبل ليبيا السياسي في تماهٍ مكشوف مع ما قاله السفاح عبد الفتاح السيسي.
وأكد حفتر حينها "ما قمنا به ليس انقلاباً ولا نسعى لحكم عسكري، وإنما انسجاماً مع مطالب الشارع التي خرجت تطالب برحيل المؤتمر العام"، وسريعا ظهر رئيس الحكومة الليبية في حينها علي زيدان في كلمة متلفزة، ونفى حدوث أي انقلاب عسكري على الأرض، وقال "لا يوجد انقلاب ولا عودة إلى عصر الانقلابات، ولن تعود ليبيا إلى القيود".
وأضاف "هناك تواصل بين الحكومة والمؤتمر الوطني العام، والسيطرة الكاملة على الأرض لوزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية في الدولة"، مشيرا إلى أنه أصدر أوامره لوزارة الدفاع لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد حفتر، كما طالب الجيش الليبي اللواء المتمرد، الذي لم يعلن عن مكان وجوده، بتسليم نفسه للقضاء العسكري "من دون إراقة الدماء".
وفي صباح الجمعة 16 مايو شنّت القوات التي تأتمر بأوامر حفتر عملية عسكرية أطلق عليها اسم "كرامة ليبيا" ضد مجموعات وصفتها بـ"الإرهابية" في بنغازي، وانتقلت العملية لاحقا إلى العاصمة طرابلس، وأسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات.
زرع الفوضى

ويقدم اللواء المتمرد حفتر نفسه باعتباره قائد "الجيش الوطني" و"منقذ" ليبيا من الجماعات الإسلامية التي يتهما بـ"الإرهاب" وزرع الفوضى، مؤكدا أنه لا يسعى لتولي السلطة وأنه يستجيب فقط "لنداء الشعب".
وفي إبريل 2019م شنت مليشيات حفتر عدوانا سافرا على العاصمة طرابلس، لكن الجيش الليبي الذي تقوده حكومة الوفاق تمكن بدعم واسع من تركيا من إلحاق هزائم مدوية بمليشيات حفتر وتمكنت من طردها تماما من الغرب الليبي. وفي أعقاب هذه الهزائم تراجعت مكانة حفتر وفقد مركزه في عيون كفلائه بالخليج ومصر. ومؤخرا اجتمع الفرقاء الليبيون وقرروا انتخاب حكومة انتقالية لتتولى إعداد البلاد لانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية وسط ترقب من الجميع. لكن المؤكد أن أطماع حفتر في السيطرة على ليبيا وإقامة نظام عسكري على غرار تجربة الطاغية عبدالفتاح السيسي في مصر لا تزال تستحوذ على رأس حفتر ولن تفارقه إلا بالموت.