زعم تقرير نشرته صحيفة "التليجراف" البريطانية في ديسمبر 2021 أن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط كارثي، ويهدد بالإخلال بتواجدهم في التركيبة السكانية للمنطقة.
واتهم ضمنا حكام المنطقة بالمسئولية عن المعاناة التي يعيشها بعض المسيحيين، وكيف أنهم يواجهون اضطهادا وعنفا مثل المسلمين في ظل أنظمة قمعية مثل سوريا ومصر.
التقرير الذي كتبته مراسلة مختصة في حقوق الإنسان، تحدث عن تضاؤل أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط ، بشكل يهدد أكبر ديانة في العالم بالانقراض من المنطقة التي كانت ذات يوم مهدا لها.
وقالت جانين دي جيوفاني إنها "قامت بعمل ميداني حول المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط، بعدما أمضت ثلاثة عقود كمراسلة لحقوق الإنسان في المنطقة، وخلصت المراسلة إلى أن أعداد المسيحيين في العراق وسوريا ومصر والمجموعة القليلة من المسيحيين في قطاع غزة تتضاءل بسرعة".
قالت الكاتبة عن مصر إنها "تحدثت إلى مسيحيين يشعرون بأنه لم يعد لهم مكان في عهد عبد الفتاح السيسي"، حسبما نقلت عنهم.
وعلى استحياء تعبر بعض الأصوات القبطية عن معارضتها للسيسي، خصوصا بين شباب الأقباط المسيسين الذين يحتجون على موقف الكنيسة تجاه النظام.
وبحسب الكاتبة، يقول علماء الاجتماع إن "المسيحيين في المنطقة معرضون لخطر الانقراض، حيث انخفض عدد مسيحيي العراق من حوالي 1.5 مليون إلى حوالي 100 ألف في 40 عاما".
وفي سوريا، عطلت الحرب حياة سكانها الكاثوليك البالغ عددهم نحو 10 في المئة من مجموع السكان، لكن الكاتبة تقول إن "المسيحيين الأرمن والأرثوذكس عاشوا جنبا إلى جنب مع جيرانهم المسلمين لعدة قرون، وتغلبوا على حملة القصف التي شنتها قوات النظام بدعم روسي".
الغرب لا يهتم بالمسيحيين
وتسعى بعض التقارير الغربية للعب بورقة المسيحيين العرب منذ سنوات، بغرض التدخل في شئون العالم العربي بدعاوى حماية الأقليات، ويفطن كثير من المسيحيين العرب لذلك وينتقدونهم.
وفي كتابه "من يحمي المسيحيين العرب؟" تحدث الدكتور فكتور موسى سحّاب، لبناني مولود في يافا، يثبت أن "المسلمين لم يضطهدوا المسيحيين، وأن ما يُقال عن العنف الإسلامي ضد المسيحيين كذب، وأن المسيحيين العرب اضطهدوا ثلاث مرات في التاريخ، ولم يكن المسلمون طرفا في أي منها، بل كان وجودهم رحمة وسلاما وخلاصا لهم".
الاضطهاد الأول (البيزنطي)
فالاضطهاد الأول كان (الاضطهاد البيزنطي) وكان في فترة سابقة للإسلام، وامتدت قرنين من الزمن على الأقل، حيث تبنت الدولة البيزنطية الدين المسيحي دينا رسميا، وأخذت تسعى إلى محاربة جميع الأديان الأخرى، وكان وراء تبني الدولة البيزنطية المسيحية.
وكانت بيزنطة ترغب في إخفاء كل المذاهب النصرانية التي تخالف المذهب الرسمي، وكان من يتبع مذهبا مخالفا لمذهب الدولة يعتبر خارجا عن الوحدة السياسية للدولة حسبما يقول الكتاب.
ولم يتوقف اضطهاد المسيحيين العرب إلا عند ظهور الإسلام على البلاد، وقيام معاوية على الحكم في ولاية الشام، قبيل إنشاء الخلافة الأموية.
ويشير المؤلف عن الاضطهاد البيزنطي للمسيحيين العرب أن معاوية بن أبي سفيان أنصف الخلقدونيين من الجور الذي لحق بهم من اليعاقبة، ورد لهم أديرتهم وبيعهم التي استولى عليها اليعاقبة بالقوة، ومنع استيلاء أي طائفة على ممتلكات الطائفة الأخرى، وبذلك ساد السلام بين الطائفتين المسيحيتين، وبهذا يكون الإسلام قد قدم خدمة غير مباشرة للمسيحيين العرب، حيث حماهم من سطوة وتسلط الدولة البيزنطية من جهة، ونشر العدل بينهم، ومنع بعضهم من أن يعتدي على بعض وبذلك عم السلام والأمن بين الجميع.
الاضطهاد الثاني (الصليبي)
أما الاضطهاد الثاني فقد سماه المؤلف (اضطهاد الدولة الصليبية) وقصد به اضطهاد مسيحيو أوروبا للمسيحيين العرب مع قدوم الحملات الصليبية للشرق.
قال إن "الغزو الصليبي الأوروبي، أوقع المسيحيين العرب في حرج شديد، ألطف ما يقال فيه إنه خيَّرهم بين الوقوف مع بني دينهم والوقوف مع بني قومهم، وأن المسيحيين العرب في معظمهم اختاروا الحل الثاني".
ويؤكد المؤلف أن الخونة خلال الحرب الصليبية لم يكونوا من المسيحيين فقط، بل كان هناك خونة بين المسلمين، ولكن الوبال كما يرى كان على المسيحية العربية وحدها.
الاضطهاد الثالث (الاستعمار الغربي)
أما تجربة الاضطهاد الثالثة للمسيحيين العرب كما يراها مؤلف كتاب (من يحمي المسيحيين العرب؟) فكتور سحاب فتتمثل في التجربة المعاصرة مع الاستعمار الغربي، ففكرة إيجاد وطن لليهود في فلسطين كانت في البدء اقتراحا من نابليون بونابرت ضمن مساعيه الإستراتيجية للسيطرة على المشرق العربي قبل بريطانيا وليست لأسباب دينية".
ويخلص إلى نتيجة مفادها أن القوى الغربية هي التي تستفيد، وأن المسيحيين العرب هم الذين يدفعون الثمن عن طريق تنصيبهم وكلاء لحفظ مصالح الغرب، وأدوات لتحقيق أهدافه، ويقارن من ناحية أخرى بين هذا الوضع الذي تعرضوا فيه للاضطهاد وبين وضعهم في ظل الدولة الإسلامية.
ويعلق المؤلف على حماية الدولة الإسلامية لعقائد المسيحيين العرب بقوله "لا شك في أن المسيحيين المخضرمين، الذين عاصروا الفتح الإسلامي، هم أكثر من لمس الأمر بوضوح، إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطدهم اضطهادا وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لا يُشبَّه حتى بأعمال البهائم، إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديرتهم وبِيَعَهُم".
ويُذكر أن عمرو بن العاص عندما فتح الإسكندرية للمرة الثانية بعد أن تمكن البيزنطيون من استردادها لبعض الوقت، خالف السنن الإسلامية فوزع من بيت المال على الأقباط أموالا طائلة، لتعويضهم عن العقوبات التي أنزلتها بهم الحكومة البيزنطية لمعاونتهم العرب في فتح مصر.
ويؤكد أن إشعال الفتن بين الطوائف والدول وتجزئة المنطقة وتفتيتها هي هدف وسياسة غربية قديمة، وقد أثبت ذلك المستشرق اليهودي المتصهين برنارد لويس في كتابه (الشرق الأوسط والغرب) عندما قال إن "التغريب في المنطقة العربية، أدى إلى تفكيكها وتجزئتها، وأن هذا التفكيك السياسي واكبه تفكيك اجتماعي وثقافي، والواقع أن إلحاق المنطقة العربية بالغرب لم يكن ممكنا إلا من طريق تفكيكها وتجزئتها".
ويحرص المؤلف علي تأكيد أن الغرب لا يهمه المسيحيون العرب وأن موجات الهجوم الثلاثة (البيزنطية – الصليبية – الاستعمار الغربي) علي العالم العربي كانت وبالا على مسيحي الشرق، وأدت لإضعافهم وتقليل حجمهم ونفوذهم.
وتشير دراسات عربية لأن زيادة هجرة المسيحيين العرب من بلدانهم كان السبب الأول فيها هو الاحتلال، خصوصا في فلسطين التي أدى احتلالها والممارسات القمعية والتهجير الصهيونية فيها للمسلمين والمسيحيين معا، لانخفاض عدد المسيحيين فيها بنسبة كبيرة.
فالمسيحيون لم يعانوا في فلسطين من أي ضغوط أو اضطهاد ديني في ظل الحكم الإسلامي منذ آن فتحها عمر بن الخطاب، وعاشوا مع المسلمين إخوة متحابين متضامنين في السراء والضراء ، ولا يزال هذا هو واقعهم حتى إن حركة حماس توفر للمسيحيين في قطاع غزة وعددهم زهاء خمسة آلاف حماية من المتطرفين والتيارات السلفية باعتراف المطران ميشال الصباح مطران الروم الكاثوليك والمطران حنا عطا الله مطران سبسطية للروم الأرثوذكس والباحث الفلسطيني الدكتور برنار سابيلا الذين تحدثوا في برنامج تلفزيوني عن المخاطر التي تهدد المسيحيين في فلسطين بصورة خاصة والدول العربية الأخرى بصورة عامة .
كما أن التاريخ لم يسجل أي صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين في المدن المختلطة التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون كالناصرة والقدس وبيت لحم، ولم يهاجر المسيحيون من فلسطين على مر العصور إلا في عهد الاحتلال الإسرائيلي.
وأكبر طائفة مسيحية عددا في الوطن العربي هي طائفة الأقباط الأرثوذكس ويتركزون في مصر ثم أتباع كنيسة الروم الأرثوذكس وأكثر أتباعها في سورية، مع تواجد بعضهم في الأردن وفلسطين وإسرائيل ولبنان وأقلية صغيرة في العراق.
ثم أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وأغلبهم يقطنون العراق وسوريا وأتباع الكنيسة المارونية والذين يقطن أغلبهم في لبنان.
ثم الروم الكاثوليك أكثر من نصفهم في لبنان وسورية والطائفة السريانية الأرثوذكسية والمنتشرة في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن، وطائفة الأقباط الكاثوليك ومعظمهم في مصر.
وهناك البروتستانت الإنجيليون العرب من لوثريين وأسقفيين، وطائفة اللاتين العرب وهم موجودون في فلسطين وإسرائيل وسورية والأردن والعراق ولبنان.