“حق الكدّ والسعاية” اجتهاد فقهي يفضح صعاليك السيسي

- ‎فيتقارير

في ظل هجوم الأذرع الإعلامية للانقلاب على الأزهر وشيخه، وعلى وقع الفيديو القديم الذي بثه الإعلامي المقرب من المخابرات عمرو أديب، ويغالط فيه وضيوفه حول رؤية شيخ الأزهر فيما يخص ضرب الزوجة وتشويه رأي  الشيخ الطيب، وهو ما رد عليه الطيب نفسه، وأيضا مجلة صوت الأزهر، لتكذيب افتراءات عمرو أديب ومن استعان بهم في التعدي على شخص شيخ الأزهر ومكانته، سواء أكان إسلام بحيري المتهم بازدراء الإسلام والذي سجن ثلاثة سنوات بسبب ذلك، وإبراهيم عيسى المتهم، أيضا، بازدراء قواعد الدين والسنة الإسلامية والحديث النبوي.

وسط تلك الجدلية، جاء إخراج شيخ الأزهر للفتوى القديمة والاجتهاد الفقهي عما يعرف بفتوى الكد والسعاية للزوجة، تكريما للمرأة من قبل مؤسسة الأزهر، في وقت مهم يتهم فيه الأزهر وشيوخه ومؤسسته بأنه سبب الإساءة للمرأة ونشر التطرف وغيره من التهم التي دأب إعلام السيسي إلصاقها بمؤسسة الأزهر خلال السنوات الأخيرة، والتي بدأها السيسي نفسه بقوله لشيخ الأزهر نفسه "لقد أتعبتنا يا إمام".

وفي تصريح قوبل بإشادة واسعة، دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى إحياء فتوى حق الكد والسعاية من التراث الإسلامي ، لـحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها".

وقال "الطيب" خلال لقائه وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ إن "الفتوى ضرورية خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ، ومشاركة زوجها أعباء الحياة".

وقال شيخ الأزهر إن "الحياة الزوجية لا تُبنى على الحقوق والواجبات، ولكن على الود والمحبة والمواقف التي يساند الزوج فيها زوجته ، وتكون الزوجة فيها سندا لزوجها، لبناء أسرة صالحة وقادرة على البناء والإسهام في رقي وتقدم مجتمعها، وتربية أجيال قادرة على البذل والعطاء".

فيما اعترض آخرون على الفتوى ، وقالوا إنها "جاءت في حالة مخصصة".

وتمنح فتوى الكد والسعاية الإسلامية الزوجة نصيبا يصل إلى النصف من ميراث زوجها، في حال كانت مشاركة بالكسب خلال حياتهما الزوجية، وتحكم لها بنصيب الإرث الإسلامي العادي في النصف الباقي.

من جانبه، أوضح المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية "أسامة الحديدي" أن حق الكد والسعاية للمرأة يعني مساهمة المرأة في زيادة ثروة أسرتها، سواء كان براتب عملها أو ببنائها منزلا لأسرتها ، أو من خلال امتلاكها لشركة أو محلات خاصة بها.

وأكد "الحديدي"، في تصريحات تليفزيونية، أن الكد والسعاية للمرأة سواء كان من عملها أو ميراثها، أو ذمة مالية قديمة قبل زواجها، قد منحتها لزوجها أو فتحت له حسابا في البنك، يقدر هذا المال كذمة مالية مستقلة للزوجة، بعيدا عن الميراث، بمعنى أنه لا يحق للورثة مشاركة الزوجة في هذا المال.

وتابع "إذا رحل الزوج ولم يكن هناك ما يثبت حق المرأة في الكد والسعاية يقدر بتقدير الزوجة، مضيفا أن هذا كان أحد مخرجات مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامي في عام 2019".

ودعا "الحديدي" إلى وجوب إعادة العمل بفتوى الكد والسعاية، كما أكد دور التشريع والمجالس العرفية في الترضية بين الزوجة والورثة، مضيفا أن الجهات التشريعية والمنوط بها مجلس النواب هي المعنية بإعادة العمل بالكد والسعاية، مؤكدا وجوده في التراث واهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم به ومن بعده الصحابة.

وشرحت د. فتحية الحفني أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، معنى “حق الكدّ والسعاية ” قائلة إن "الكثير من السيدات أصبحن يخرجن للعمل ويساهمن في مصروفات المنزل مع أزواجهن، وحق الكد والسعاية يقضي بتحرير عقود يُكتب فيها للزوجة ما تنفقه في الحياة الزوجية، حفظا لحقوقها، ولفتت أستاذة الفقه المقارن، إلى أن حق الكد والسعاية لا ينص على كتابة نسبة معينة للزوجة في العقود التي يتم تحريرها، وإنما توضع النسبة التي ساهمت بها مع زوجها، ضمانا لحقوقها، مشيرة إلى أن الرجل من الممكن أن يتزوج على زوجته التي ساهمت معه في كل شيء، والكد والسعاية يضمن لها كافة حقوقها، حال حدوث ذلك".

وشددت على أنه إذا تُوفي الزوج، وكانت الزوجة مشاركة معه في كل شيء، وتم تحرير عقود بموجب حق الكد والسعاية ، فإنها تحصل على نصيبها أولا، وبعد ذلك يتم إنفاق مصروفات الجنازة وسداد الديون وتوزع التركة.

وهذه الفتوى ليست جديدة ، فلقد سبقت الإشارة إليها في البيان الختامي لمؤتمر الأزهر لتجديد الفكر والعلوم الإسلامية الذي أقيم في يناير 2020، ورغم ذلك لم تتم مناقشة الأمر في مجلس النواب المصري، على اعتبار أنه الجهة المنوط بها التشريع وتحويل الفتوى إلى قانون بإجراءات تفصيلية قابلة للتنفيذ.

الجدير بالذكر أن أول بند من بنود البيان الختامي لمؤتمر الأزهر السابق ذكره كان “التجديد لازم من لوازم الشريعة الإسلامية، لا ينفك عنها لمواكبة مستجدات العصور وتحقيق مصالح الناس” ورغم ذلك ما زال معظمنا يشعر بأن هناك رهبة من رجال الدين وأصحاب العلم في التجديد والاجتهاد وإمعان النظر في مشكلات عصرنا وإيجاد إجابات لها تتماشى مع جوهر الدين الإسلامي وفلسفة شريعته السمحة، فكثير من العادات الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية يجعلنا سجناء في الماضي، عازفين عن التكيف مع الحاضر والمشاركة في صنع المستقبل، وهو ما يتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الذي أمرنا بالتعلم والتفكر والتأمل والسعي في الأرض.

وعلى أية حال، فإن الترحيب الذي لقيته فتوى الكد والسعاية لإنصاف المرأة ، قد ينتهي عند هذا الحد، كون من جاء بها هو شيخ الأزهر، الذي لا يستريح له السيسي كثيرا ويراه المنصب الوحيد الذي ما زال محصنا في عهد السيسي، ولا يريد بقاءه ولا يقدر على انهاء خدمته كما فعل مع وزراء الدفاع وغيره من الشخصيات المحصنة دستوريا، ولذا فإن الفتوى لن تتحول لتشريع قانوني مفصل يُعمل به ضمن الدستور المصري، ليظل شيخ الأزهر هو من يحارب حرية المرأة ويرى إمكانية ضربها وتقويمها، بينما السيسي الحنون اللطيف نصير المرأة.