علاء عبد الفتاح والعواودة: نضال الأمعاء الخاوية

- ‎فيمقالات

اللحظة التي بدأ فيها المدوّن والناشط المصري، علاء عبد الفتاح، المرحلة الثانية من معركة الأمعاء الخاوية، بالتوقف عن شرب المياه، بعد أن بدأ إضرابًا عن الطعام، هي ذاتها اللحظة المقرّرة لكي تنظر محكمة تابعة لسلطات الاحتلال الصهيوني في قضية الأسير الفلسطيني خليل العواودة بطل معركة الأمعاء الخاوية الممتدة منذ شهور.
بحسب المعلن، فإن السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني هو اليوم الأخير في قرار تمديد الاعتقال الإداري للعواودة داخل سجون الاحتلال، وهو اليوم نفسه المحدّد لامتناع علاء عبد الفتاح عن شرب المياه، بحسب ما أعلنت الحملة الموسّعة التي تطالب بالإفراج عنه عن طريق العفو الرئاسي، لمناسبة الحضور الدولي رفيع المستوى في قمة المناخ التي تبدأ في مدينة شرم الشيخ المصرية.
ثمّة مفارقة مضحكة مبكية في موقف السلطة المصرية من المعركتين، العواودة وعبد الفتاح، ففي الأولى تلقّت الدبلوماسية صفعة قاسية من صديقتها وشريكتها في تصنيع السلام وتسييل الغاز، الحكومة الصهيونية، إذ كانت السلطات المصرية قد أعلنت عن الإفراج بشكل عاجل عن الأسيرين خليل العواودة وبسام السعدي، بموجب ما عرف بإعلان القاهرة للتهدئة، والذي اشتمل على التزام القاهرة بالعمل على الإفراج عن الأسيرين، بسام السعدي وخليلالعواودة، ووقف العمليات العسكرية، بناء على طلب من الاحتلال الصهيوني، بعد أن أوجعته صواريخ المقاومة المنطلقة من غزة، والتي وصلت إلى العمق في مناطق الداخل الفلسطيني المحتلة عام 1948.
كان ذلك في نهاية الأسبوع الأول من أغسطس/ آب 2022، وكانت التقديرات تذهب إلى أن القاهرة تعهدت بتحرير الأسيرين في غضون أيام، وهو ما لم يحدُث، إذ أعلن الاحتلال الصهيوني نقضه الاتفاق الذي تحوّل إلى مجرّد قصاصة ورق بالية لا قيمة لها.
لم يستشعر أحد داخل النظام المصري الحرج من هذه الإهانة الصهيونية الوقحة، ولم يتألم أحد من المسّ بالكرامة الوطنية، ولم تنتفض أسراب الضباع الإلكترونية التي يطلقها النظام على معارضيه غضبًا من أجل السيادة التي ديست بالحذاء الصهيوني.
أما في حالة الأسير علاء عبد الفتاح الذي قضى سنوات شبابه داخل السجون المصرية، فإن المطالبات الدولية والمحلية بإصدار عفو رئاسي عنه صارت، برأيهم، اعتداءً على السيادة الوطنية، وإهانةً لكرامة الوطن والمواطن، حيث تتعالى الصيحات والشعارات المعلبة عن مصر التي لن تركع ولن يلوي أحد ذراعها، وأن حصول علاء على حريته اعتداء على شرف الوطن الرفيع الذي لا يسلم من الأذى حتى تُراق على جوانبه دماء كثيرة.
الشاهد أن العواودة وعلاء عبد الفتاح يخوضان المعركة ذاتها، معركة الطرق على الضمير الإنساني المتبلد والغافل عن جريمة بحق الشعوب، غير أن الحالتين ليستا متطابقتين تمامًا إذ تجد فروقًا كبيرة في المواقف والمقاربات من الجماعة الوطنية، إن على مستوى النخب أو الجماهير في فلسطين ومصر.
في فلسطين، تجد إجماعًا وطنيًا على معركة الحياة و الحرية للأسير، ليس بوصفها معركة شخص أو أسرة أو تيار، بل هي معركة حرية فلسطين، الوطن والأرض والشعب، معركة المبدأ الوطني والإنساني العام، والقيمة الأخلاقية المطلقة، وليست محصورًة في أن شخصًا، أو خمسة يعانون من ظلم السجن وقسوته، وأنهم دونًا عن غيرهم من عشرات الآلاف يستحقون الحرية الآن، بوصفهم طبقة مختلفة من السجناء، يحظون برتبة "سجناء الرأي" التي منحهم إياها مجموعة من"نشطاء الرقص على الحبلين" ممن يريدون الفوز بمائدة معاوية والصلاة خلف علي، والذين بلغ السّفه بأحدهم أن يقول إن هذه النخبة البليدة لم يعد لها سجناء للرأي داخل الزنازين سوى شخصين أو ثلاثة.
في فلسطين، لا تجد أم أسير أو زوجة سجين عند الاحتلال نفسها إذ تفتح عينيها في جوف الليل انتظارًا لطلوع الفجر، فتطالع أول ما تطالع كلامًا عنصريًا مقرفًا يحصر قضية الحرية في وطنها بخمسة أسماء أو عشرة من الأصدقاء والمقرّبين، تشتعل حملة المطالبة بالعفو من السلطة عنهم لتجميل صورتها في أعين المجتمع الدولي.
باختصار، يخوض علاء عبد الفتاح معركة نضال نبيلة وجديرة بالاحترام، لكن هناك من لا يجد غضاضةً في ابتذالها وتصغيرها وتضييقها إلى الحد الذي لا تتسع معه إلا لمجموعة أسماء بعينها .. نعم حياة علاء عبد الفتاح مهمة، وحياة آلاف المصريين المظلومين في السجون أيضًا مهمة، وخصوصًا الذين لا يتمتعون بثقل دولي، ولا تدشّن بشأنهم الحملات في العالم كله.
فأي منطق ذلك الذي يصنف الأصدقاء المقربين سجناء رأي مستحقين للعفو والحرية، بينما عشرات الآلاف غيرهم لا يتذكّر حريتهم أحد من أولئك العارفين أكثر من غيرهم بالعوار الذي شاب قرارات اعتقالهم ومحاكمتهم في بيئةٍ تفتقر للحد الأدنى من العدالة؟ وأي ضمير الذي يستبعد مثقفين وسياسيين ومحامين ووزراء سابقين من جنة سجناء الرأي، لا لسببٍ سوى أنهم ليسوا من التيار أو اللون السياسي نفسه؟
مرة عاشرة: اطلبوا العدل ولو للخصوم، وانشدوا الحرية للجميع، لا للأصحاب والأصدقاء فقط، وراجعوا تجربة المائة شهر الماضية، لتكتشفوا أنكم أكلتم يوم أكل الثور الأبيض وأنتم تتفرّجون صامتين.

…………

نقلا عن "العربي الجديد"