جدار “تكنولوجي” إسرائيلي على حدود مصر مع غزة.. انتهاك للسيادة المصرية وسط صمت رسمي

- ‎فيعربي ودولي

لا يخفى على أي مراقب حجم التنسيق السياسي بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي والعدو الإسرائيلي والذي تجلى عقب الانتصارات المتلاحقة التي تحققها المقاومة الفلسطينية على الأرض في مقابل التدمير غير المسبوق الذي ينفذه جيش الاحتلال في غزة.

وبدلا من أن تمارس مصر دورها السياسي والعسكري المفروض باعتبارات الأمن القومي والتزامات الجيرة، عبر تقديم الدعم للفلسطينيين وإدخال مساعدات والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها المتجاوز للسيادة المصرية، تواصل قيادة الانقلاب التنسيق مع إسرائيل لوأد مشروع المقاومة في فلسطين، سواء عبر طروحات ومبادرات تحقق الرؤية الإسرائيلية للمستقبل الفلسطيني، أو عبر السماح لإسرائيل بطرح شروط فيما يخص منطقة رفح والمعبر ومحور فيلادليفيا.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، الخميس، أن وزير الدفاع الإسرائيلي جالانت اقترح على وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الذي زار إسرائيل في الأيام الأخيرة، إقامة جدار تحت أرضي في منطقة رفح، في الأراضي المصرية يفصلها عن قطاع غزة، بتمويل أمريكي.

وكشفت الصحيفة العبرية أن الجدار سيكون مزودا بتكنولوجيا وتقنيات متطورة وكاميرات ومجسات بطول 13 كيلومترا، لتوفير معلومات مشتركة للجانبين المصري والإسرائيلي، ومن المنتظر أن يناقش المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) الموضوع قريبا، لاتخاذ قرار فيه، مع أخذ موقف القاهرة بعين الاعتبار.

وكان وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف جالانت، أعلن، الثلاثاء الماضي، أن تل أبيب تجري محادثات مع القاهرة لبحث إمكانية إقامة عائق حدودي متطور يشمل وسائل تكنولوجية يفصل قطاع غزة عن الأراضي المصرية، في محاولة لإحباط عمليات تهريب أسلحة، وفق ادعائه، وشدد على أن إسرائيل لا تعتزم حاليا احتلال مدينة رفح ومحور فيلادلفيا.

وجاء ذلك في تصريحات جالانت، خلال مشاركته في جلسة خاصة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية والأمنية في الكنيست، الثلاثاء الماضي، أجاب خلالها على استفسارات أعضاء اللجنة حول سير العمليات العسكرية في إطار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بما في ذلك التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على جبهات أخرى.

وأيضا، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية “كان 11” أن جالانت أخطر أعضاء اللجنة البرلمانية، أن إسرائيل تجري اتصالات مع الجانب المصري لبناء عائق متطور على طول محور فيلادلفيا بين غزة وسيناء يتضمن وسائل تكنولوجية، وذلك في معرض رده على الانتقادات الموجهة إلى عمليات التهريب المتكررة للأسلحة من مصر إلى قطاع غزة.

 

إهانة لمصر

 ووفق تقديرات استراتيجية، فإن المقترح الإسرائيلي، يحمل إهانة بالغة للجانب المصري، واتهاما مبطنا بالمشاركة في تهريب الأسلحة لقطاع غزة، على الرغم من الإجراءات العديدة التي اتخذها السيسي، منذ انقلابه العسكري، بهدم الأنفاق بإغراقها بالمياه وإقامة الحواجز والسواتر الترابية، ووصل الأمر بهدم مدينة رفح المصرية التاريخية، وتجريف الزراعات ونقل السكان إلى مناطق العريش والشيخ زويد. كما أن قطاع غزة منفصل تماما عن سيناء ورفح المصرية.

 فيما اعتبر مراقبون مصريون، أن الأفكار الإسرائيلية، تأتي لمخاطبة الشارع الإسرائيلي، لأهداف سياسية وانتخابية، في إطار المزايدات بين المتنافسين السياسيين في إسرائيل، في ظل حالة التخبط التي يعانون منها، ضمن تداعيات بعد السابع من أكتوبر الماضي، ومحاولة بعض الأطراف القفز إلى الأمام لإنقاذ أنفسهم من المحاسبة.

 ولكن الخطر أن تلك الأفكار تمس تماما بالسيادة المصرية، خصوصا أن مصر قادرة على حماية وتأمين حدودها.

 ومنذ الحرب الإسرائيلية على غزة، عززت قوات الجيش المصري وجودها في مدينة رفح المصرية على طول الحدود مع قطاع غزة، بالتزامن مع طلعات جوية لطائرات مروحية تحمل قادة عسكريين فوق مناطق رفح وشمال سيناء عموما خلال الأسبوع الأخير.

كما أن الآليات العسكرية المصرية بدأت في أعمال تطوير لمنطقة الحدود بإقامة سواتر متنوعة خرسانية ورملية وأسلاك شائكة، بالإضافة إلى نشر قوات خاصة على امتداد الحدود، بما فيها منطقة البحر، التي يوجد فيها عشرات الآلاف من النازحين.

 بينما يعتبر خبراء فلسطينيون أن الأحاديث عن اختلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا الفاصل بين مصر وغزة، والحد العائق الذكي بين مصر والحدود الفلسطينية، يستهدف التضييق أكثر على قطاع غزة وعزله تماما عن مصر، بهدف تمكين إسرائيل من السيطرة على الأراضي الفلسطينية القريبة من الحدود المصرية، في ظل صمت رسمي مصري، مشيرين إلى أن مصر لن تعارض ذلك لأنها كانت سباقة ببناء جدران يحاكي هذا الجدار المقترح، ولو كانت أقل كفاءة تكنولوجية منه، وسبق وأن حدث تنسيق وتبادل خدمات أمنية بين الجانبين المصري والإسرائيلي.

 

مقترح قديم

ويعتبر المخطط الإسرائيلي لإقامة جدار ذكي، على الحدود مع مصر، مقترح قديم، سبقته مشاريع مشابهة متعددة منذ عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، فقد حاول الإسرائيليون سابقا إنشاء جدار حديدي، بالإضافة إلى إغراق الأنفاق بمياه البحر أو نسفها، وأنه لو نُفّذ المشروع فعلا، فسيكون حلقة جديدة في سلسلة قديمة، قد لا ينجح في الحد من قدرات المقاومة الفلسطينية في الحصول على السلاح والمؤن اللازمة. 

وسياسيا، يعبر المقترح الإسرائيلي عن رغبة أطراف سياسية خاسرة في إسرائيل، تحقيق إنجاز ولو على حساب مصر، ضمن ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب، على أساس استبعاد حركة حماس من المشهد، ولهذا تحاول إيجاد ترتيبات جديدة مع المصريين، بما في ذلك آلية دخول البضائع إلى غزة، ولهذا فهي تسعى لإقامة منطقة تفتيش ورقابة إلكترونية داخل الأراضي المصرية قبل معبر رفح، وهذا ما يتجاوز السيادة المصرية.

وجاء الاقتراح الإسرائيلي، بعد رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادلفيا أو احتلال رفح الفلسطينية.

وتبقى الأيام المقبلة حبلى بالتنازلات من قبل نظام السيسي، الراضخ للأجندة الصهيو أمريكية، طلبا للإنقاذ الاقتصادي من المؤسسات المالية الدولية التي تتحكم فيها أمريكا، في وقت تثبت فيه المقاومة الفلسطينية وطنيتها ودفاعها عن الأمة كلها، وتلقين إسرائيل دروسا غير مسبوقة، لم تستطعها الجيوش العربية مجتمعة.