لماذا لا يقتدي السيسي بنتنياهو في الديمقراطية؟.. سؤال يفضح أنظمة العسكر

- ‎فيتقارير

أعلنت النتائج الأولية، في الانتخابات الإسرائيلية، عن تقدم معسكر اليمين بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، على اليسار بنسبة 65 -55 بعد فرز 97% من الأصوات في الانتخابات التشريعية، ليتبين أن حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو يتقدم على حزب “كاحول لفان” برئاسة “بيني غانتس” بفارق مقعد واحد، وجاءت النتائج حتى الآن على عدد المقاعد كالتالي:

الليكود: 37 مقعدًا، كاحول لافان: 36 مقعدًا، حزب العمل: 6 مقاعد، إيحود ميفلاغوت هايامين: 5 مقاعد، يهادوت هتوراة: 8 مقاعد، شاس: 8 مقاعد، ميرتس: 4 مقاعد، الجبهة العربية للتغيير: 6 مقاعد، التجمع والقائمة العربية الموحدة 4 مقاعد، كولانو: 4 مقاعد. وبلغت نسبة التصويت 67.9%.

وبحسب هذه النتائج، فان معسكر اليمين قد حصل على 66 مقعدًا، ومعسكر اليسار 54 مقعدًا، ليعلن رئيس الوزراء رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو عن انتصاره في الانتخابات.

وبحسب النتائج، فإن نتنياهو يكون قد فاز بنسبة ضئيلة جدًا، وهو ما يحدث في الديمقراطيات التي تلتزم الديمقراطية، وتحترم شعوبها، حيث دائمًا ما تُظهر النتائج النزيهة فارقًا بسيطًا في المنافسة، في الوقت الذي تأتي فيه النتائج بالدول الانقلابية من طرف واحد، حيث يتفوق المرشح الواحد على منافسه “الديكور”، كما حدث في انتخابات عبد الفتاح السيسي في مصر أمام موسى مصطفى موسى، حيث نجح السيسي بنسبة 97%.

في حين أنه عندما شهدت مصر أول انتخابات ديمقراطية وحقيقية شهد بنزاهتها العالم كله، وترشح فيها نجوم العمل السياسي في مصر، حتى من العسكريين، فاز الرئيس محمد مرسي بنسبة 52%، على أقرب منافسيه أحمد شفيق في جولة الإعادة، وكان مرشحًا في الجولة الأولى ستة من مشاهير السياسة في مصر، أبرزهم عمرو موسى وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وخالد علي والمستشار هشام بسطاويسي، ومن العسكر أحمد شفيق وغيره.

ويعد منصب الرئاسة قمة الهرم التنفيذي في كثير من ديمقراطيات العالم، وبناءً عليه فإن انتخابات اختيار الرئيس هي من أكثر الأحداث إثارةً للحوار السياسي وتبادل الآراء والأفكار على أساس البرامج المطروحة من قبل المرشحين.

في الولايات المتحدة الأمريكية، ولأربع دورات انتخابية متلاحقة، 2000-2012، لم تتجاوز نسبة المصوتين للمرشح الفائز 53%، بل إن الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن قد خسر أمام المرشح آل جور في انتخابات 2000 بواقع 47,9% مقابل 48,4%، إلا أن النظام الأمريكي الذي يعطي الأفضلية لنسبة تصويت “المجمع الانتخابي” على تصويت عامة الشعب، قد منح بوش الابن الفوز في تلك الانتخابات، وبالرغم من ذلك، فإن المجمع الانتخابي لم يصوت بأغلبية ساحقة لجورج بوش، بل فاز بفارق خمسة أصوات فقط عن آل جور وبواقع 50,37% إلى 49,44%.

بل فاز الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بنسبة ضئيلة، خلفًا لباراك أوباما، وحصل ترامب على 289 صوتًا مقابل 218 لمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

وبعيدًا عن الولايات المتحدة وخصوصيتها، فإن نسب الفوز في دول كالبرازيل التي ينتخب رئيسها كل أربع سنوات، وفرنسا وكوريا الجنوبية، والتي ينتخب رئيسها كل خمس سنوات، وفنلندا التي ينتخب رئيسها كل ست سنوات، لم تتعد الـ63% إلا في حالة واحدة فقط على مدار ثلاث دورات انتخابية لتلك الدول الأربع، أي أن احتمالية حدوث فوز كبير لمرشحٍ ما في انتخاباتٍ رئاسية ديمقراطية هي 12:1، بل إن أغلب النتائج بالكاد تصل إلى نسبة الـ53%.

وفي فرنسا فاز جاك شيراك في الانتخابات الفرنسية عام 2002 بأغلبية ساحقة تجاوزت 82% بعد حكم دام سبع سنوات، نال خلالها ثقة الناخب الفرنسي، والجدير بالذكر أن شيراك لم يحصل على أكثر من 52,64% في الانتخابات التي قادته إلى كرسي الرئاسة أول مرة عام 1995.

وفي عام 2007 فاز نيكولاي ساركوزي بنسبة 53% أمام سبغولين رويال، وفي 2012 فاز فرانسو أولاند بنسبة 51% أمام ساركوزي.

وفي كوريا الجنوبية فاز في 2012 باك كون هيه بنسبة 51% أمام منافسه جون جاء إن، وقبله فاز في 2007 لي ميونغ باك بنسبة 48% أمام منافسه تشانغ يونغ دونغ.

وهكذا حدث في فنلندا مع الرئيس ساولي نينيستو عام 2013 ومع تاريا هالونن عام 2002 و2007، وفي البرازيل مع ديلما روسيف 2012، ولولا دا سيلفا 2002 و2007.

ومن الملاحظ كذلك أن أغلب المرشحين الذين فازوا في انتخابات الدول الديمقراطية التي تقر أنظمتها الانتخابية نظام الجولتين، لم تؤهلهم نتائج الجولة الأولى للفوز واضطروا إلى خوض جولةٍ ثانية. ففي كل من فرنسا وفنلندا لم يفز من الجولة الأولى في آخر ثلاث دورات انتخابية سوى جاك شيراك عام 2002.

وفي استقراءٍ للجدول السابق، فإن معدل نسب الفوز حسب هذه العينة لا يتجاوز 57,25%، بل إن ذلك المعدل بالكاد يصل إلى 54% إذا قمنا باستبعاد تلك الحالة الشاذة التي تعدت فيها نسبة فوز شيراك في فرنسا نسبة الثلثين عام 2002، بل إن دولةً ديمقراطيةً متقدمةً ككوريا الجنوبية، قد يفوز برئاستها مرشحٌ لم يحصل على نصف أصوات الناخبين، ولا يحتاج إلى جولة إعادةٍ إن كان قد حصل على أكثر من غيره من المرشحين، ولا يبدو أن ذلك قد أثر على مستوى كوريا السياسي والاقتصادي وأمن مكونات مجتمعها وتجانسها.

وفي دول كبريطانيا وتركيا استطاع حزبٌ واحدٌ الفوز لثلاث دورات متتالية بقيادة شخصيةٍ واحدة، حيث تولى توني بلير رئاسة الوزراء في بريطانيا بين الأعوام 1997-2010 وذلك بحصول حزبه “العمال” في انتخابات 1997 على 43,2% من مقاعد البرلمان، وتراجعت تلك النسبة تدريجيا في الدورتين اللاحقتين حتى وصلت إلى 35,2% في انتخابات 2005.

أما في تركيا فقد حافظ حزب “العدالة والتنمية” بقيادة أردوغان على نَفَسه المتصاعد وقبوله المتزايد بين الناخبين الأتراك، منذ أن حصل على أغلبية 34,28% في انتخابات 2002، وصولاً إلى 49,83% في انتخابات 2011، والذي يعدّ إنجازًا كبيرًا باقتراب تلك النسبة من نصف العدد الكلي للمصوتين.

وفي الحالات التي يكون فيها الفارق بين الأحزاب ضئيلاً، يكون رئيس الوزراء هو رئيس الحزب الأقدر على تكوين أكبر تحالف بين الأحزاب في البرلمان، ففي انتخابات عام 2009 في إسرائيل، استطاع حزب كاديما بقيادة تسيبي ليفني الحصول على أكبر نسبة أصوات بين الأحزاب المتنافسة، إلا أن فارق المقاعد بين حزب كاديما وحزب الليكود، إضافة إلى قيادة بنيامين نتنياهو لحزب الليكود بميوله اليمينية، كان الأقدر على تشكيل ذلك التكتل البرلماني الذي منحه رئاسة الوزراء.

في ضوء تلك البيانات، يتضح جليا أن الديمقراطية إنما هي ممارسة أكثر من كونها أرقاما ونسبا، بل إن نسب المشاركة من قبل الناخبين في كثير من الدول الديمقراطية قد لا تتعدى 50% دون أن تتهم نتائجها بأنها لا تمثل الشعب أو أنها تمثل جزءا من الشعب فقط، ففي سويسرا على سبيل المثال لم تتعد نسبة التصويت من قبل المسجلين في انتخابات عام 2003 الـ45,22%، بل إن تلك النسبة بالكاد حققت 37,27% من مجموع من يحق لهم التصويت، وتكرر المشهد ذاته عدة مرات في الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا في الانتخابات البرلمانية في الأعوام 2002 و2006 و2010، فبالكاد حققت أعلى النسب في تلك الأعوام 47,5%، وكان ذلك عام 2006، كما سجلت حالات مشابهة في دولٍ ديمقراطية عديدة كالبرتغال وإيرلاندا وكوريا الجنوبية.

دول ديكتاتورية

في حين ما زالت الدول التي تعيش شعوبها في ظل أنظمة ديكتاتورية، من وجود نظام عسكري واحد يسيطر على الحكم بقوة الدبابة ويرسم المشهد دائما بنسبة كبيرة في الإعلان عن نجاحه في مسرحية الانتخابات، كما يحدث في مصر والجزائر والسودان وتونس وليبيا، وباقي دول الموز في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، فضلا عن الملكيات الفاشية والإمارات المستبدة في المملكة السعودية والإمارات والبحرين وغيرها.