سك عملات بصور مشروعات السيسي الفنكوشية.. هل تغير مرارة معيشة الغلابة؟!

- ‎فيتقارير

مع حالة الهلع التي يعيشها نظام الانقلاب وتنامي الشعور بالغضب في الشارع المصري، فشل الإعلام الذي يشرف عليه جهاز مخابرات عبد الفتاح السيسي من إقناع الشعب المصري بمشروعات الانقلاب الوهمية من تفريعة قناة السويس الجديدة، ومدينة العلمين وحقل ظهر للغاز الطبيعي، والعاصمة الإدارية، فبدأ النظام في استنساخ تجربة الرئيس الراحل عبد الناصر مرة أخرى، بالترويج لمشروعاته عن طريق العملات المعدنية والورقية.

وطرحت مصلحة سك العملات المعدنية ثمانية أشكال جديدة للعملة المصرية “فئة الجنيه والنصف جينه”، بقيمة عشرين مليون جنيه، تتضمن توثيقا لثمانية مشروعات وصفتها بالمشروعات القومية الكبرى.

هذه المشروعات هي حقل ظهر للغاز، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومزارع الطاقة الشمسية بأسوان، وشبكة الطرق القومية، وقناطر أسيوط الجديدة، ومحطات توليد الطاقة، ومدينة العلمين الجديدة، والريف المصري الجديد.

لكن مع هذه المحاولات التي يحاول من خلالها نظام السيسي الترويج لمشروعاته، يطرح هذا السؤال نفسه: “ما هو شعور المواطن حينما يرى العملة التي عليها هذه المشروعات لم تعد تكفي لركوب محطة أتوبيس فيضطر أن يضع عليها قطعتين أخريين من أجل المرور على كمسري الأتوبيس والسماح بالبقاء حتى وجهته المستهدفة؟ وماهو شعوره وهو يخرج هذه العملة ليشتري ساندوتش فول في الصباح فيضطر أيضا أن يضع عليها ثلاث قطع إضافية للحصول على ساندوتش واحد يسد به رمقه، في الوقت الذي كان يشتري بنفس القطعة أربعة ساندوتشات؟”.

ثم تكون الإجابة المعروفة لهذا التساؤل بأن هذه المشروعات الوهمية المنقوشة على ظهر القطعة المعدنية لم يكن لها أي أثر على معيشة المواطن الغلبان بقدر ما دمرت حياته وقضت على معيشته.

في الوقت الذي يزعم رئيس مصلحة سك العملة عبد الرؤوف الأحمدي، إن هذه الخطوة هدفها توثيق ما سماه إنجازات الدولة المصرية الحديثة للأجيال القادمة.

رغم أن السيسي نفسه اعترف بعدم جدوى تفريعة قناة السويس وقال إنه استهدف بها رفع الروح المعنوية للمصريين .

واعتبرت حكومة الانقلاب في كتاب “مصر.. مسيرة الإنجازات” الذي أعدته لتوثيق المشروعات القومية في عهد عبد الفتاح السيسي، أن تفريعة قناة السويس أبرز ما حققته الدولة المصرية خلال الفترة من يونيو 2014 وحتى ديسمبر 2018.

وروجت الحكومة لتفريعة قناة السويس الجديدة – بطول 34 كيلو مترا- باعتبارها قناة موازية للقناة الرئيسة التي يبلغ طولها 192 كيلو مترا، وتم تغطية تكلفة المشروع من خلال طرح شهادات للاكتتاب العام وتم جمع 64 مليار جنيه من المصريين.

وفقا للأرقام الرسمية فإن الإيرادات المحققة من قناة السويس في السنوات المالية السابقة كانت حوالي 5.25 مليارات دولار في العام المالي 2013/2014، فيما بلغت 5.37 مليارات دولار في العام المالي 2014/2015.

وبعد افتتاح التفريعة كانت المفاجأة أن الإيرادات لم ترتفع، بل إنها انخفضت إلى 5.13 مليارات دولار في العام المالي 2015/ 2016، ثم تراجعت مرة أخرى إلى 5.01 مليارات دولار في العام المالي 2016/ 2017 قبل أن ترتفع إلى 5.585 مليارات دولار للعام المالي 2017/ 2018.

والارتفاع الأخير في إيرادات قناة السويس لا يوازي بأي حال الوعود التي قدمتها السلطة، حيث قال رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش إن إيرادات القناة سترتفع إلى 100 مليار دولار سنويا.

ومنذ تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016 ليصل إلى الدولار إلى نحو 18 جنيها، تتعمد الحكومة الإعلان عن إيرادات القناة بالجنيه المصري وليس بالدولار كالعادة، وهو ما يساعدها في إعلان زيادة الإيرادات اعتمادا على الفرق الكبير بين سعر الجنيه قبل التعويم وبعده.

وقالت شبكة “الجزيرة نت” إن على الخط نفسه سار حقل ظهر للغاز الطبيعي الذي صورته الحكومة، قبل نحو عامين، باعتباره نقلة هائلة للاقتصاد المصري على غرار اكتشاف دول الخليج للبترول قبل عقود، فيما تتجه الحكومة الآن إلى رفع الدعم نهائيا عن الوقود.

وأضافت “الجزيرة” أنه يمكن فهم حقيقة ما جنته مصر من كل المشروعات القومية التي شرع فيها السيسي منذ توليه الحكم في 2014 من خلال متابعة مؤشرات ارتفاع حجم التضخم والدَّين الداخلي والخارجي.

وأعلن البنك المركزي المصري ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى نحو 88.1 مليار دولار في مارس 2018 مقارنة بـ43 مليار دولار في مارس 2013، أي أن الدولة المصرية استدانت من الخارج خلال خمس سنوات المبلغ نفسه الذي استدانته على مدار عقود.

وفي مراجعته الأخيرة للاقتصاد المصري قبل أيام توقع صندوق النقد الدولي ارتفاع الديون إلى نحو 104 مليارات دولار في نهاية يونيو/ المقبل.

ونقلت “الجزيرة” عن أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين أن المشاريع الناجحة تُحسن الاقتصاد وهو ما ينعكس بالتبعية على زيادة فرص العمل وثبات الأسعار وارتفاع معدل نمو الإنتاج، مضيفا “وهذا كله غير متحقق في مصر”.

وأضاف شاهين: “حقل ظهر للغاز كان المأمول منه تقليل حجم الاقتراض من الخارج، وهذا لم يحدث، وكذلك خفض سعر الدولار نتيجة لتصدير الغاز وتوفير فائض دولاري، لكن هذا أيضا لم يحدث”.

ووصف شاهين العاصمة الإدارية الجديدة بأنها مثال آخر لـ”الإنجازات الوهمية”، موضحا أنها لا تمثل أي جدوى اقتصادية من وجهة نظره، لكنها ذات نفع سياسي كبير للسلطة.

ولفت إلى أن السلطة تبني عاصمة جديدة في الصحراء تجمع فيها رجال الأعمال والصفوة، وأنها تحاول تأمين نفسها حال ثورة المصريين عليها، متابعا “إذا اندلعت ثورة فهذه العاصمة ستكون بمثابة قلعة حصينة للنظام”.

أما مدينة العلمين الجديدة فوصفها شاهين بالمشروع السكني الذي يستهدف طبقة معينة، موضحا أن سعر المتر فيها وصل إلى 35 ألف جنيه.

فيما قال البرلماني السابق عز الدين الكومي: إن النظام الحالي يعاني من “عقدتي افتقاد الشرعية والفشل”.

وأضاف أن عقدة افتقاد الشرعية تدفع النظام إلى شراء أسلحة لا حاجة لها بمليارات الدولارات من دول كبرى مقابل اعتراف هذه البلدان بشرعيته وغض الطرف عن “ممارساته الإجرامية بحق الشعب”.

وتابع الكومي: “أما عقدة الفشل فهي نتاج تردي الأوضاع الاقتصادية، وهو ما دفع النظام لطرح مشروعات فنكوش (وصف مصري لأشياء وهمية) مثل تفريعة قناة السويس”.

وأكد أن “سلسلة الفشل” أدت إلى زيادة الدين العام، لافتا إلى تصريح وزير المالية الذي أكد أن الدخل القومي للبلاد يقدم بنحو 900 مليار جنيه، منها أكثر من 800 مليار جنيه فوائد وخدمة الديون.

لكن الكومي يطرح رؤية ساخرة لإنجازات النظام الحالي وهي بناء 17 سجنا جديدة والخروج من التصنيف العالمي للتعليم وزيادة معدلات الفقر والبطالة وارتفاع معدلات الجريمة والحصول على مراكز متقدمة بين الدول المستهلكة للمخدرات.

ورغم انتقادات المعارضة ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لهذه المشروعات، فإن الحكومة تٌصر على أنها ضرورية لتحريك عجلة الاقتصاد وخفض نسبة البطالة عبر مشروعات كثيفة العمالة، وأن ثمار نتائجها سيحصدها المصريون قريبا، وإن كانت الترجمة الزمنية لوصف قريبا تتزايد حينا بعد حين.