“مضيعتكوش قبل كده”.. هكذا أكل المصريون الحلاوة وضاع نهر النيل على يد السيسي!

- ‎فيتقارير

لا يمكن ذكر مصر دون نيلها، لكن بعد الانقلاب العسكري في 30 يونيو بات ذلك ممكنًا، لا سيما بعد وصول جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي للسلطة، وتعد علاقة المصريين بالنهر كما الجسد والرّوح، غير قابلة للنّقاش عبر مرّ العصور.

فما الذي حدث حتّى تُثار حولها الشّكوك ويعتريها البرود والفتور؟ وهل هي مؤامرة ومحاولة اغتيال لمصر؟ أم هو سوء تصرّف وتقصير من عصابة صبيان تل أبيب التي انشغلت عن شأن مصيري وخطير بقمع الشّعب وتشييد القصور؟

مخطط السيسي

ودخلت مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، إثر اجتماع فني بالخرطوم، إلى “طريق مسدود” وفق رؤية عصابة العسكر، التي باتت تستغيث وتطالب بتدخل وسيط دولي، في مقابل نفي إثيوبي ورفض للوساطة، وتفاؤل سوداني بقدرة اللجنة الفنية على مواصلة العمل لحلحلة التعقيدات والاختلافات بين الدول الثلاث.

وشهدت الخرطوم، يومي الجمعة والسبت الماضيين، الاجتماع الثلاثي لوزراء الموارد المائية والري في مصر والسودان وإثيوبيا، لبحث ملف السد، ويتخوف المصريون من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتهم السنوية من مياه نهر النيل، والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان على 18.5 مليار.

بينما تقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، والهدف من بناء السد توليد الكهرباء في الأساس، وتؤكد اتفاقية مبادئ سد النهضة، الموقعة بين مصر وإثيوبيا والسودان في مارس 2015، اتخاذ “الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي”.

من جهته طالب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي حكومة الانقلاب بالانسحاب الفوري من اتفاقية مبادئ سد النهضة الإثيوبي، حفاظًا على الأمن المائي لمصر، داعيًا إلى تدويل القضية في المحافل الدولية.

وقال، في بيان له: “تطورت إدارة ملف سد النهضة الإثيوبي حتى وصلنا إلى توقيع السيسي على اتفاقية الخرطوم عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا، التي أهدرت حقوق مصر التاريخية في مياه النيل وشريانها الأعظم للحياة”.

ورأى أن هذه الاتفاقية، التي وصفها بالمشئومة، “تجاوزت القانون الدولي الذي ينظم حقوق الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية، وتجاوزت الاتفاقيات الثنائية، ومن ثم فتحت مجال التمويل الدولي لإقامة السد، بل اشترطت الاتفاقية موافقة الدول الثلاث مجتمعة بما فيها إثيوبيا بالطبع للاستعانة بوسيط دولي أو أكثر في حالة وجود خلاف”.

دموع التماسيح

من جهته يرى الدكتور محمد حسين، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن مصر تمتلك عدة أوراق يمكن اللجوء إليها كبديل عن المفاوضات الفاشلة كي تقبل إثيوبيا بإطالة فترة ملء خزان سد النهضة من سبع إلى عشر سنوات، مع الحفاظ على مستوى المياه بسد أسوان عند 165 مترا فوق سطح الأرض.

وأشار إلى خيار تدويل القضية بنقل ملف السد إلى مجلس الأمن الدولي، لكن على مصر التنسيق أولا مع الاتحاد الإفريقي لتضمن دعم الدول الأعضاء، وكذلك التواصل مع الكويت العضو العربي الوحيد بمجلس الأمن الآن.

ولفت حسين إلى ضرورة أن تتواصل مصر مع كل الدول صاحبة العضويات الدائمة بالمجلس، تفاديًا لاستخدام حق النقض (الفيتو) على محاولة إحالة القضية لمحكمة العدل الدولية، حيث تستند القاهرة إلى نص القوانين الدولية التي تمنع بناء أي منشأة تؤدي لتأخير وصول المياه أو إنقاصها من دون موافقة دولة المصب.

وأكد أن نجاح هذه الخطوة يتطلب بذل مصر جهودا دبلوماسية كبيرة لشرح رؤيتها للأزمة، وإقناع الدول المختلفة خاصة أعضاء مجلس الأمن بعدالتها، وكذلك واقعية مطالبها في مياه النيل الذي يعد شريان الحياة، خاصة أن مبادئ القانون الدولي تتيح للدول الواقعة على ضفاف الأنهار الدولية الاستفادة من مواردها المائية دون الإضرار بمصالح وحقوق الأطراف الأخرى.

ويوفّر النّيل معظم احتياجات مصر من المياه العذبة بحدود 95 في المائة، 85 في المائة منها مرتبطة مباشرة بالنّيل الأزرق حيث تشيّد إثيوبيا سدّ النّهضة تحديدا بولاية بنيشنقول قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية السّودانية، ومن المنتظر أن يبدأ قريبا ملء خزّانه لتُذرف دموع التّماسيح وتتعالى الأصوات المندّدة، مع أنّهم يعلمون أنّ ما يجري مخطّط له منذ سنين!.

وتبلغ حصّة مصر من مياه النّيل حوالي 55.5 مليار متر مكعّب، وقد تمكّنت منذ معاهدة 1902 حتّى وقت قريب من المحافظة عليها، وجعل مناقشة الموضوع خطّا أحمرا، ليعلن في 2 أبريل 2011 عن وضع حجر الأساس لسدّ النّهضة، حينما كان المجلس العسكري في مصر ورئيس المخابرات الحربيّة السفيه عبد الفتّاح السّيسي منشغلين بإجهاض ثورة يناير، حينما تطلّع الشّعب للحرّية والكرامة والحياة، متجاهلين خطرًا داهمًا وضع له حجر الأساس وبإمكانه أن يسلب من الجميع الحياة.

موقف الرئيس الشهيد

كان موقف الرّئيس الشهيد محمّد مرسي قويّا حين صرّح بأنّه إذا نقصت مياه النّيل قطرة واحدة فدماؤنا هي البديل، ليحصل انقلاب 3 يوليو 2013 الّذي كان كارثيّا ومفصليّا في تعميق المأساة، فاستجداء اعتراف القوى الدّولية والاتّحاد الإفريقي، الّذي قام حينها بطرد مصر، كان ذا كُلفة عالية، إذ لم تحصل عودتها إليه إلا بعد أن غضّ السفيه السيسي الطّرف عمّا تنوي إثيوبيا فعله والمخطّط له منذ 1956.

ليقع المحظور في 2015، وليطلّ علينا السفيه السّيسي وهو يهلل ويرفع إشارات النّصر، وكأنّه أنجز أعظم فتح، وهو من منح الطّرف المقابل صكّا على بياض بإمضائه على اتّفاقية مبادئ ضمّنها الضّرر البالغ عوض اليسير، ممّا يفتح بابا للتّباين في تقدير الضّرر، إلى جانب استعمال عبارات فضفاضة قابلة للتأويل من قبيل “الاستخدام العادل والمنصف للمياه”، الّتي تمنح الطّرف الإثيوبي مساحة للمناورة، ليتمكّن بأسلوب التمويه والخداع والتلاعب من تحقيق ما يرنو إليه دون جهد وبلا مصاعب، إذ لا يمكن التّفاوض بعد إحراق جميع الأوراق وإغراق كلّ المراكب.

وتستمرّ ثرثرة العسكر في المسرحية الهزلية ليطلّ رأس من يمثّلها في يونيو 2018، وهو يطلب من رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” أن يقسم بعدم الإضرار بحقوق مصر في النّيل، في لقطة كوميدية لا تتكرّر كثيرا، ليطمئنّ البعض قليلا حتّى منتصف سبتمبر 2019، حينما أعلن الجانب المصري عن فشل المفاوضات، قبل أن يعلن ذلك السّيسي من على منبر الأمم المتّحدة طالبا الوساطة الدّولية.

لم يكن العسكر جادّين في مفاوضاتهم وفي الدّفاع عن حقوق المصريين، إذ كانوا مشغولين بقمع الشعب وسلبه حقوقه، وملاحقة المعارضين للانقلاب وتشييد السّجون وبعض القصور.

“ثرثرة فوق النّيل” هي رائعة الأديب الراحل نجيب محفوظ، وقد تكون من فيض النّهر الخالد، أمّا ثرثرة من يتصدّر حاليًّا بلدًا كتب صفحات مشرقة في التّاريخ، فهي قد تكون للنّهر ولمصر سمّ قاتل.