بسبب القمع والتدهور الاقتصادي.. 10 ملايين “حشاش” في دولة العسكر

- ‎فيتقارير

تزايدت أعداد المدمنين في مصر في عهد دولة العسكر؛ بسبب القمع والكبت الذي يعيشه المصريون في ظل هذا النظام الفاشستي، كما تدفع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة الكثير من الشباب المراهق لتعاطي المخدرات.

كما شهدت أعداد المدمنين تصاعدًا في الخمس سنوات الماضية بسبب انتشار المخدرات وإهمال وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب لدورها الأساسي واتجاهها لتصفية المعارضين السياسيين واعتقالهم، كما أن عددًا من جنرالات العسكر يتاجرون في المخدرات ويتخذون من مناصبهم ستارًا للحماية من الوقوع تحت طائلة القانون.

كان تقرير مؤشر الأعشاب weed index 2018، الصادر عن وكالة “إيه بي سي دي” الألمانية للخدمات الإعلامية، قد أكد أن القاهرة احتلت المركز الخامس ضمن قائمة مدن العالم الأكثر استهلاكا للحشيش.

وجاء في التقرير أن القاهرة احتلت المركز الخامس من بين عواصم العالم في نسبة تعاطي “الحشيش” بعد تقديرات باستهلاكها قرابة 32.59 طن حشيش في عام 2018.

هل تتحول مصر إلى دولة حشاشين في عهد العسكر؟ ومن يتحمل هذه المسئولية؟

10 ملايين حشاش

من جانبه قال الدكتور نبيل عبدالمقصود، مدير مركز علاج السموم بمستشفى قصر العيني: إن “أعداد متعاطي المخدرات والمدمنين تخطت الـ10 ملايين مصري.

وأضاف عبدالمقصود، في تصريحات صحفية، أن “الترامادول، والهيروين، والإستروكس، أكثر أنواع المخدرات تداولاً بين الشباب”، مؤكدًا أن “نسبة تعاطي المخدرات في مصر وصلت إلى 10% بما يزيد على 10 ملايين مصري، وبلغت نسبة الإدمان 3%، أي أكثر من 3 ملايين وفقا لإحصائيات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي”.

وشدّد رئيس مركز علاج السموم على أن “الأستروكس عبارة عن مواد تخليقية يتم خلطها بالأعشاب وبيعها للمدمنين بأرخص الأسعار”، موضحًا أن “خلط الأدوية بصورة عشوائية وتناولها عبر الاستنشاق يتسببان في تدمير الجهاز العصبي وفقدان المتعاطي السيطرة على نفسه.

وطالب عبدالمقصود وزارة الصحة بـ”إدراج 16 مكوّنا للمواد المستخدمة في تصنيع الإستروكس لجدول المخدرات المعاقب عليها جنائيًا، بالإضافة إلى ضرورة إجراء تحليل المخدرات لطلاب المدارس والجامعات لحماية النشء من الإدمان، منوهًا بأن إجراء هذا النوع من التحاليل للطلاب يعتبر سلاحًا رادعًا للطالب، حيث سيخشى الطالب تعاطي المخدرات خشية فضح أمره.

وحذّر مدير مركز السموم من طريقة ترويج تجار المخدرات لبضاعتهم، وإطلاق مسمى أقراص السعادة على بعض المواد المخدرة، مؤكدًا أن “المخّ يحتوي على غدة تفرز مادة مسئولة عن السعادة والنشوة، ولفت إلى أن “بعض المواد المخدرة تنشط الغدة، وتفرز مادة شبيهة فتُشعر متعاطيها بالنشوة”.

روح التواصل

وتعليقا على هذه الظاهرة قال الدكتور طه أبوحسين أستاذ علم الاجتماع بجامعة أسيوط: إن هذا العدد من المتعاطين الذي يزيد عن 10 ملايين شخص، يشير بوضوح إلى أن المجتمع المصري أصبح مجتمعا مهترئا، يقترب من الانتحار، ويأكل نفسه بنفسه.

وأضاف أبو حسين – في تصريحات صحفية – أن هذه النسبة الكبيرة من المتعاطين، تعني أن ملايين المواطنين أصبحوا يتجهون إلى إهلاك أنفسهم بأنفسهم عن طريق تعاطي هذه السموم، لافتًا إلى أن خطورة الوضع كانت تتطلب إلقاء الضوء في وسائل الإعلام المختلفة على هذه الظاهرة، لكن الواقع هو أن الإعلام يشجع على الإدمان، بطريقة غير مباشرة، عن طريق تقديم مشاهد التعاطي على أنها جلسات سعيدة ومبهجة.

وحول أسباب زيادة تعاطي المخدرات أوضح أبو حسين أن عدم وجود اتفاق على قضية عامة واحدة يعد أحد الأسباب أيضًا؛ حيث يفتقد المجتمع روح التواصل التي تنشأ بسبب الالتفاف حول قضية عامة مشتركة تجمع الناس، مثل: الحرب أو المشروع القومي أو حتى الكارثة.

وأشار إلى أن من أهم أسباب انتشار تعاطي المخدرات أيضًا فقدان الأمل بين المواطنين، خاصة بين المراهقين والشباب؛ بسبب تدهور النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالدولة؛ حيث أصبحت القيادة لا تقود الدولة لتحقيق مصلحة الجمع العام، ولكن لتحقيق مصالح فئوية أو شخصية، ولم يعد هناك نخبة أو صفوة يعملون لصالح الوطن والشعب ويحظون بثقة واحب واحترام الشعب.

وتابع: كذلك فقد المجتمع في السنوات الأخيرة أساسيات العلاقات الاجتماعية التي كانت موجودة فيه منذ عقود طويلة، وأصبح يحتاج إلى إعادة تربية وإعادة توجيه وإعادة تعريف النشء والشباب بمفاهيم بديهية، مثل الأخلاق والثوابت الدينية والوطنية.

وحول تشديد العقوبة على تجار ومتعاطي المخدرات لمواجهة ظاهرة انتشار المخدرات قال أبو حسين: إن تشديد العقوبات لن يكون هو الحل النهائي لهذه المشكلة الخطيرة، على الرغم من أن وجود رادع قوي يمثل جزءًا من الحل، وطالب بالتركيز على الرءوس الكبيرة من تجار المخدرات وليس صغار البائعين.

واختتم تصريحاته بالقول إن سد منافذ المرض أولى من معالجة آثاره، مؤكدا أن تعزيز الجانب الأخلاقي وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل القوانين الموجودة بالفعل، سيساهم كثيرا في تقليل انتشار المخدرات.

الوعي الديني

ويقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي والإدمان بالأكاديمية الطبية، إن القاهرة تحتل مركزا متقدما فى عالم الإدمان؛ لأنها أصبحت أكبر تجمع للعشوائيات في العالم، نتيجة الهجرة العشوائية من المحافظات؛ مما أدى إلى اختفاء القيم وحدوث كل ما هو مخالف للآداب وانتشار المخدرات، وزيادة معدل القتل في المجتمع، وأكد ان قلة الوعي الديني في المجتمع من أهم أسباب زيادة تعاطي الحشيش بين الشباب، لافتا إلى أن البعض يعتبر “الحشيش” حلالًا  ومعظم المتعاطين للحشيش يشربون بمبدأ: “لو حلال أدينا بنشربه، ولو حرام أدينا بنحرقه”، وهذا يعتبر أمرًا كارثيًا، لاختفاء الوعي الديني بين الشباب.

وعن أضرار تعاطي “الحشيش” يوضح ” فرويز” أن تعاطي الحشيش أدى إلى زيادة نسبة الأمراض العقلية بنسبة تصل إلى 8% عما كانت عليه سابقا، مؤكدا أن الحشيش يؤثر على الأشخاص الذين لديهم جينات مرضية واستعداد للمرض، وبمجرد استخدام الحشيش يظهر عليهم المرض مباشرة، ويصابون بأحد الأمراض العقلية مثل الفصام والاضطراب الوجداني.

وأشار إلى أن تعاطي الحشيش يؤدي إلى تأخير في مستقبلات المخ، مما يتسبب في زيادة حوادث السيارات، حيث إن 90% من الحوادث تكون بسبب العامل البشري، منها 80% بسبب تعاطي السائقين الحشيش، لأن التأخير في مستقبلات المخ يؤدي إلى عدم الاستيعاب بشكل سريع، وقلة التركيز، كما أنه يؤدي إلى عمل مشاكل في التنفس وحساسية في الصدر، مؤكدا ضرورة رفع الوعي الثقافي والديني في المجتمع؛ لأنه إذا تم رفع الوعي الثقافي سوف يتم اختفاء تناول الحشيش بشكل تدريجي.

الوضع الأسوأ

وأكد تامر العمروسي، المدير السابق لإدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية، واستشاري الطب النفسي، أن نسب الإدمان في مصر في تزايد مستمر، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة أجرت بحثًا قوميًا عن الإدمان استمر لمدة 6 سنوات وصدر في عام 2013، أكد أن المدمنين الذين يحتاجون إلى العلاج الفوري وصل عددهم إلى 3.4 مليون مدمن، وأن تلك النسبة في ازدياد.

وحذر من أن الوضع يتحول من الأسوأ إلى الأكثر سوءًا، مشيرًا إلى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة تدفع المواطنين إلى الإقبال على الإدمان.

وكشف العمروسي عن أن تقارير الأمانة العامة للصحة النفسية، المسئولة عن المراكز الحقوقية الحكومية المعالجة للإدمان، تُشير إلى أن عدد المقبلين على علاج الإدمان خلال السنوات الثلاثة الماضية زاد بنسبة 100% إلى 300%؛ أي أن بعض المراكز كانت تستقبل 500 حالة شهريًا، والآن تستقبل أكثر من 2500 شخص.

وأشار العمروسي إلى أن عدد المرضى المقبلين على علاج الإدمان كبير جدًّا “ولكن العلاج في مصر غير كافٍ وغير منظم”، موضحًا أنه لا يمكن إصدار إحصاءات دقيقة بشأن مراكز العلاج الخاصة؛ لأن هناك عددًا كبيرًا من المراكز غير المرخصة، ويشرف عليها ويُديرها المتعافون من الإدمان.

وتابع: رغم أهمية تلك المراكز وكثرة المقبلين عليها إلا أن إدارة المتعافين لتك المراكز من دون أطباء متخصصين أمر غير جيد، وتم إغلاق كثير منها مؤخرًا لافتا إلى أن هناك قيودًا كثيرة تفرضها الحكومة على إنشاء مراكز لعلاج الإدمان؛ ما دفع الأطباء إلى العزوف عن فتح تلك المراكز، وأكد العمروسي أن القطاع الحكومي لا يقوم بدور ملموس في تلك القضية، كما أن القطاع الخاص يداه مكبلتان ولا يستطيع القيام بالدور ذاته.

وأشار إلى أن القضاء على تلك الظاهرة يكمن في خفض العرض وخفض الطلب، موضحًا أن خفض العرض يجب أن تقوم به وزارة الداخلية والأجهزة الرقابية لخفض كمية المخدرات التي تدخل مصر.

وأضاف العمروسي: “أما حفض الطلب فهو دور وزارة التضامن الاجتماعي للقيام بحملات للتوعية بخطورة الإدمان، مع ضرورة وجود مراكز أكثر تجهيزًا وترتيبًا لإدارة الأزمة”.

وذكر أن هناك لجانًا كاملة تشكلت، وجهدًا حكوميًا وتعاونًا بين الوزارات للحد من تلك الظاهرة إلا أن نتائجه غير ظاهرة، لافتًا إلى أن مواجهة المشكلة تحتاج لجهود أكبر.

انحرافات أخلاقية

وقال إبراهيم عسكر، مدير برامج التوعية الوقائية بصندوق مكافحة وعلاج الإدمان: إن تعاطي المخدرات تسبب في وجود مشاكل اجتماعية وانحرافات أخلاقية كثيرة بجانب العديد من أشكال العنف، وأوضح أن 80% تقريبًا من الجرائم التي تم ارتكابها في البلاد كانت بسبب تعاطي المواد المخدرة.

وأشار عسكر – في تصريحات صحفية – إلى أن سن التعاطي انخفض إلى 9 سنوات، وأن نسبة تعاطي السائقين للمخدرات على الطرق السريعة 12%، موضحا أن أصدقاء السوء مسئولون عن 58% من حالات الإدمان.

وحذر من نوع جديد من العقارات المخدرة التي بدأت تنتشر في مصر، وهو الأستروكس الذي قد يؤدي إلى الموت المفاجئ، مشيرا إلى أن سعره الرخيص، نتيجة أن تركيبته من نباتات وأدوية، جعلته ينتشر بشدة، خاصة في أوساط الطبقة الفقيرة.

وأشار عسكر إلى من أسباب خطورة الأستروكس أن رحلة العلاج منه أطول من أي نوع آخر من المخدرات، وربما تصل إلى 3 سنوات، كما أن المدمن يظل دائما عرضة للانتكاسة في أي وقت في أثناء العلاج، وهو ما يستلزم رغبة وإرادة قوية من المتعاطي للتعافي منه.