في نوفمبر الماضي، صدر للروائي المصري ممدوح الشيخ، كتاب بعنوان “الممر إلى السماء (رواية نصف وثائقية)”، وذلك عن دار “لوسيل للنشر والتوزيع”، بدولة قطر. وبحسب “تنويه” يتصدر الرواية فإن الجانب الوثائقي منها اعتمد على كتاب:
A PEOPLE BETRAYD: The role of the West in Rwanda s genocide، Author: Linda Melvern، Publisher: Zed Books، (November 18, 2000)، London.
وصدر له مختصر مترجم بالعربية تحت عنوان: “شعب مضلل” عن “الهيئة العامة للاستعلامات” بمصر (عام 2002). هذا فضلاً عن مصادر أخرى ثانوية.
أول ما يصادف القارئ مقال مترجم اختار المؤلف نشره قبل نص الرواية تحت عنوان: ”أما قبل”. أما عنوان المقال نفسه فهو: “مسلمون ضد القتل في رواندا الإفريقية المسيحية، قيم قرآنية أنقذت روانديين من الإبادة الجماعية”، للدكتور ماركوس فاينغاردت مدير قسم السلام في مؤسَّسة الأخلاق العالمية (في توبِنْغِن، ألمانيا)، أحد مؤسِّسي رابطة أبحاث الدين والصراع الألمانية.
وبحسب فاينغاردت، عندما لقي الرئيس الرواندي هابيريمانا مصرعه (6 أبريل 1994)، بدأ القتل وانتشر عبر جميع أنحاء البلاد أفراد ميليشيات مسلحين بالبنادق والمناجل. كان الناس يقتلون جيرانهم، وكان أفراد الأسرة يخون بعضهم بعضًا، وأضرمت النار في كنائس مزدحمة باللاجئين. وخلال مائة يوم فقط، قتل ما بين 800 ألف شخص ومليون شخص بوحشية أمام أعين العالم.
المسلمون ضد العنف
ويضيف فاينجاردت أن قليلين فقط قاوموا دعاية النظام الحاكم. وكان المسلمون الروانديون المجموعة السكَّانية الوحيدة، التي رفضت بشكل شبه جماعي التحريض على الكراهية والعنف. أدرك علماء المسلمين حجم الخطر الذي يلوح في الأفق وبدءوا بتوعية المؤمنين. وبالاستناد للقرآن كانوا يعلمونهم أنَّ التمييز بين الأعراق لا يجوز، لأنَّ جميع الناس متساوون. وكان رجال الدين ينبِّهون أتباعهم إلى أنَّ من واجب كلِّ مسلم أن يساعد جميع الضحايا وألَّا يقع في الاستقطاب. وفي رسالة “دعوية” إسلامية تم نشرها في جميع مساجد رواندا، دعا الزعماء الدينيون أتباعهم لعدم اتِّباع أية أيديولوجيا لا تتَّفق مع القرآن. واستند رفضهم لدعاية الكراهية إلى قيم مستمدة مباشرة من القرآن.
وقام مسلمون بإنقاذ أشخاص من التوتسي أو كانوا يقومون بتنظيم “مذابح وهمية” و”جنازات مزيَّفة” بهدف خداع ميليشيات الهوتو.
ومما جاء في كلمة الناشر عن الرواية، هذه الرواية: “الـممر إلى السماء” محطة جديدة في مسار ممدوح الشيخ الروائي الذي دشنه براويته الأولى “القاهرة.. بيروت.. باريس” (الدار العربية للعلوم، بيروت، 1996). والرواية الجديدة نقدمها للقراء ونحن نرى فيها تجربة متفردة، بشخوصها وأجوائها وأحداثها التي تتلاقى فيها الخيالات الجامحة والحقائق الصادمة. وتدور الأحداث في عاصمة أفريقية فيما تمتد خيوطها في عدد من العواصم، عابرة للحدود والثقافات، وتمثل العلاقات بين أبطالها مشهداً شديد الثراء من مشاهد التلاقي – وأحيانــًــا التصارع الحاد – بين الثقافات والأمم، التي ينتمي إليها البشر الذين يظهرون ويختفون عبر صفحات الرواية الحافلة بالتوتر والاكتشاف، وأحياناً الإحساس العميق بالصدمة. والرواية، في النهاية، لحظة من لحظات “الكبرياء الأفريقية” أمسك بها ممدوح الشيخ وحفرها بقلمه كنقش محترق على شجرة أفريقية عجوز.
الفصل الأول من الرواية عنوانه: أفيش (أورلاندو، أمريكا، 2004)، وفيه يقف بطل الرواية المصري فاروق صالح أمام أفيش فيلم “فندق رواندا” الأمريكي الشهير. وأمام الأفيش يستعيد بعضًا من ذكريات تغريبته التي بدأت بفرنسا، التي سافر إليها حاملاً حلمًا ورديًا، سرعان ما تحطم عندما نقلته الشركة الفرنسية الكبيرة التي يعمل بها موظفًا في فرعها في العاصمة الرواندية كيجالي!!
اما الفصل الثاني عنوانه: الكبرياء الأسود (كيجالي، رواندا، 1994)، وتبدأ أحداثه في مطار كيجالي في إبريل 1994 ليجد البطل نفسه في قلب عنف أسطوري يبدو عبثيًا، وبعد قليل أصبح حبيس سيارة أرسلتها له الشركة لتنقله إلى فندق، فإذا به في يد سائق لم يره من قبل وفي مدينة مشتعلة بالحرب الأهلية … دون مقدمات!
الفصل الثالث عنوانه: اسـمــي جورج داماس، وفيه يبدأ اكتشاف حقيقة أنه في رواندا بمخطط وضعه صديقه الرواندي جين الذي يشغل منصبا تنظيميا كبيرا في الجبهة الثورية الرواندية المعارضة لنظام الرئيس الرواندي هابيريمانا، وأنه أراد استخدامه – دون أن يعلم – مصدر معلومات عن هذه الشركة التي تربطها بقصر الإليزيه وبنظام هابيريمانا علاقات وثيقة. ووجد البطل نفسه – وهو يكره القراءة – مضطراً لقراءة ملف زوده به السائق عن رواندا، بتوجيه من صديقه جين الذي أعد كل تفاصيل استدراج بطل الرواية إلى رواندا. وبعد حوار قصير، عاد صالـح ليدفن عينيه في صفحات الملف وبدأ يواصل القراءة: “كانت رواندا أحد أفراد العائلة الفرنكفونية التي تدور دولها في فلك “فرنسا الأم”، وكانت الطريقة المثلى للحفاظ على التأثير الفرنسي في Yفريقيا في عهد الرئيس فرانسوا ميتران تتم من خلال سياسة العلاقات الـمتقاربة بين الـمقر الرئاسي في باريس حيث قصر الإليزيه، ورؤساء الدول الأفارقة. فكان الرئيس هابيريـمانا مقربا من الرئيس ميتران وكان يعتبره صديقاً شخصيًا.
في البداية جلب هابيريـمانا السلام والاستقرار لرواندا لكن الثمن كان قمع الشعب، وكان النظام ديكتاتورياً”. وفي جـملة تبدو كما لو كانت هاربة من أسطورة يونانية، يصادف صالـح أول وصف لشخصية الرجل الذي أعطى مقتله إشارة الانـهيار الكبير:”كان هابيريـمانا ذكياً، مـخادعاً، منافقاً، وقاسياً. وهناك روايات متنوعة عن كيفية تـخلُّصه من الرئيس السابق جريـجوار كابندا، البعض يقول: إن الأخير رفض العناية الطبية. ويقول آخرون: إنه مات جوعا.
أما معارضو هابيريـمانا فقد ألقي القبض عليهم وتعرضوا لتعذيب بشع. وهناك من يقول إن كثيراً منهم انتهت حياته بـ “ضربة مطرقة”. لكن معظم الشعب الرواندي تعلموا أن يوقروه كـ “أب” لهذه الأمة. وفي المقابل حرص نظام هابيريـمانا دائماً على تصوير رواندا كدولة ديـموقراطية، وساهمت فرنسا بدور كبير في تسويق هذه الأكذوبة دوليا”.
حكم التنظيم السري
الفصل الرابع عنوانه: المنزل الصغير، وهو اسم التنظيم السري الذي حكم رواندا لسنوات يكتب ممدوح الشيخ، على لسان صديق البطل، الرواندي: “لقد اكتشفنا متأخرًا جدًّا أن الرئيس هابيريـمانا لا يـحكم هذا البلد، بل يـحكمه تنظيم سري تقوده زوجته السيدة أجاسي”، ورفع جين مـجموعة من الأوراق واستمر يشرح: “من هذه الوثائق، هذه الوثيقة العسكرية التي تثبت تشكيل لـجنة في ديسمبر 1991 من عشرة ضباط مهمتهم الرد على السؤال: “ما العمل من أجل هزيـمة العدو على الأصعدة العسكرية والإعلامية والسياسية”، وطبعًا العدو هم التوتسي، وخلاصة الوثيقة أن من الـحتمي استهداف التوتسي بالإبادة، والأخطر أن واضعي الـمقترح يـحذرون من أن الـهوتو الـمعتدلين “أعداء” بالضبط مثلهم مثل التوتسي”، ومدَّ جين يده ليمسك بـمجموعة أخرى من الأوراق دون أن ينتظر ردًّا.
وأضاف: “هذه الوثيقة تتناول شحنات السلاح الفرنسي لنظام هابيريـمانا”، “نقلت ستة شحنات أسلحة فرنسية في معمعان الإبادة الـجماعية. وسـمحت الـمساعدات الفرنسية بتحويل القوات المسلحة الرواندية إلى ميليشيات عنصرية من 5300 عنصر إلى 50 ألفًا، تكفلت فرنسا بتسليحهم وتدريبهم وتـمويل احتياجاتهم”. وعلى أمل أن يتوقف جين عن القراءة، لم يجد صالـح مفرًّا من التساؤل: “كيف تتفق هذه الأدوار الـمنحطة لفرنسا مع صورة عاصمة التنوير ومنارة الحرية؟ أليست مفارقة؟”.
ونـجح السؤال في إخراج جورج من صمته ليقول (متحدثاً عن أحد قيادت الجبهة الثورية الرواندية): “الدكتور باستور كان فرنكفونيًا متعصبًا، وحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي من السوربون، وقبل أن ينكشف الدور الفرنسي في بلادنا، كان الدكتور باستور يعتبر عمره موقوفاً للتبشير بقيم “الثورة الفرنسية”، وهو الآن يرفع شعار: أن “”الثورة الفرنسية” ماتت ودفنت في رواندا”!
الفصل الخامس عنوانه: مِــئــةُ يــومٍ مـِـن الـــقَــتــل!، والفصل السادس عنوانه: مــســيــو “لــَم يَـبـق أَحَــد”!، والفصلان يستعرضان الإبادة، عبر عدد من النماذج البشرية، من الرجال والنساء، وبعضهم تمثيل لواحدة من أكثر مآسي الهولوكوست الرواندي بشاعة، إذ فقد كل واحد من هذه الفئة عائلته كلها في مجزرة واحدة. وقد أطلق عليهم ممدوح الشيخ لقب: “مــســيــو: “لــَم يَـبـق أَحَــد”!”
دور حسني مبارك في “الهولوكوست الرواندي”
الفصل السابع عنوانه: سيـَّاف كــالــيه، (لندن، المملكة المتحدة، 1536)، وفيه يستحضر قصة “سياف كاليه” الذي استأجرته آن بولين زوجة الملك البريطاني الشهير هنري الثامن بمبلغ طائل لينفذ فيها حكم الإعدام الذي أصدره زوجها، لتشتري بذلك “موتًا رحيمًا”!
وأما مشهد ختام الرواية ففيه لقاء مفعم بالمرارة بين بطل الرواية وصديقه الرواندي الذي رجاه أن يترحم بعض الوثائق الرسمية قبل أن يترك رواندا، لأهميتها الشديدة، فإذا به يتعرض لصدمة نهاية الرحلة: “قضى صالـح ساعات عصيبة قبل أن يدق جرس الهاتف، كان جين بول مرة أخرى، لكن صوته هذه المرة كان على غير ما ألِفَه صالـح، وانتهت الـمكالـمة سريعًا.
ومرة أخرى قام إلى باب الغرفة ليفتحه ووجد أمامه جين وجورج، دخلا وجلسا مباشرة، فقرر هو أيضًا الدخول في الـموضوع مباشرة: “أحد هذه العقود عقد شراء أسلحة مصرية”، فقال جورج: “عندما بدأت عمليات الإبادة كانت تتم بوسيلتين: بدائية: بالسواطير، والـمناجل، والرماح، والسيوف. وكان مصدرها الصين، وحديثة: بالأسلحة النارية، وكان مصدرها مصر، وبيعت في وقت كان هناك حظر دولي على بيع الأسلحة لنظام هابيريـمانا. وهو قرار سياسي مـحض اتخذ للدفاع عن الـمصالـح الفرنسية، والرجل الذي سهّل هذه الصفقة هو نفسه الدكتور بطرس غالي أمين عام الأمم الـمتحدة”.
وهنا نكتشف قصة عنوان الرواية على لسان الرواندي جين بول: “بعد الموجة الأولى من أحداث الإبادة، وبعد أن يئس الضحايا من النجاة أدركوا أنهم حتمًا أمام الممر الـمفضي للعالم الآخر، ولـم يعد أمامهم سوى اختيار موت أقل بشاعة.
وبـمرور الوقت أصبح أمامهم خياران لـمغادرة العالـم: “الـممر الصيني” و”الـممر المصري”، والتسميتان أطلقهما على سبيل السخرية ضابط فرنسي وقح، وتسربت وشاعت، وسرعان ما أصبح الضحايا جميعًا يتمنون المرور من الـممر الـمصري، وفي بعض الحالات كان الضحايا يدفعون كل ما يـملكون، لا لكي يبقوا على قيد بل ليموتوا بالرصاص، وأصبح يشار لهذه الأمنية بالـمرور من “الـممر الـمصري”، أظن أنك تستطيع أن تتخيل قدر الرعب الذي يدفع أناسًا بسطاء لدفع كل ما يـملكون لشراء موت رحيم، بالضبط كما اشترت آن بولين موتًا رحيمًا، أتذكر؟”.
وكان ختامًا بائسًا لرحلة أكثر بؤسًا، وسكت الثلاثة، ونـهض جورج وجين واتـجها نـحو الباب، فقال صالـح:
– “أنا آسف، اقبلا اعتذاري، وأرجوك يا جين ساعدني في مغادرة رواندا بأسرع وقت”.
– “لست مطالبا باعتذار، لكن قل لي: وجهتك إلى باريس؟ أم إلى القاهرة؟”.
– “إلى واشنطن!!”.
السيسي على طريق مبارك
وعلى الرغم من وقاحة نظام مبارك في تسهيل قتل الروانديين، وسماحه لاحقًا لزوجة رئيس رواندا من الافلات من العقاب والمحاكمة، عبر هروبها لفرنسا عبر القاهرة، بالمخالفة للقواعد الدولية، وفق تصريحات إعلامية لكاتب الرواية ممدوح الشيخ، عبر التلفزيون العربي، أمس الأول، سار السيسي على نفس النهج، عبر تمرير الأسلحة للمقاتلين الليبيين من أتباع حفتر، في ليبيا لقتل الليبيين على حدود طرابلس.
وقد أدانت المنظمات العالمية ممارسات السيسي، حينما اكتشف أهالي طرابلس أحدث الأسلحة العالمية في غريان، حينما أفشلت حكومة الوفاق هجوم جفتر على طرابلس، قبل شهرين، ووجدوا أسلحة مصرية وأيضا أسلحة فرنسية وألمانية وأمريكية مرت لليبيا عبر مصر، وأسلحة مصنعة خصيصًا للإمارات من قبل أمريكا وألمانيا وجدت بليبيا.
وفي سوريا كشف ثوار سوريا عن أن الأسلحة التي يستخدمها بشار الأسد مصنعة بمصر، وأن الصواريخ التي تدك بيوت السوريين صنعت في الهيئة المصرية للإنتاج الحربي.
وهكذا يغذي السيسي القتل في الدول العربية في ليبيا وسوريا وأيضا بالسودان، وهو ما يوجب إزاحته دوليا من المشهد المصري، قبل أن تصل مصر لرواند أخرى؛ حيث يغذي السيسي القتل بأوساط المصريين عبر تصفيات جسدية لمعارضيه وقتل بالإهمال الطبي بالسجون للمعتقلين وغيرهم في رابعة والنهضة وفي الإسكندرية وفي شوارع مصر وميادينها.