“يوم تاريخي، إسرائيل تبدأ بضخ الغاز الطبيعي إلى مصر”، هكذا زف مسئولون وحسابات رسمية صهيونية خبر ضخ الغاز إلى مصر في صفقة تحيط بها علامات استفهام كثيرة، سواء من حيث السعر أو مدة التعاقد او استخدامات الغاز حال وصوله إلى مصر.
وبموجب اتفاقيات مبرمة، خلال العامين الماضيين، سيصدر الاحتلال 85 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر على مدى 15 عاما .
وقال وزير البترول المصري طارق الملا، في بيان، إن ضخ الغاز من الاحتلال إلى مصر، اليوم، يمثل تطورًا مهمًا يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث يمكّن هذا التطور الاحتلال من نقل كميات من الغاز الطبيعي المتوفر لديها إلى أوروبا عبر المصانع المصرية للغاز الطبيعي المسال، وذلك في إطار دور مصر المتنامي كمركز إقليمي للغاز.
فيما قال وزير الطاقة الصهيوني، يوبال شتاينتنس: إن هذا التعاون بين الاحتلال ومصر هو الأول من نوعه بهذا الحجم منذ توقيع اتفاقية السلام بين رئيس الوزراء الصهيوني، مناحم بيجين، والرئيس المصري الراحل أنور السادات.
وخلافًا لما جاء في البيان المشترك لوزيري الطاقة في البلدين، كرر حساب الاحتلال بالعربية تأكيدات تل أبيب بأن الغاز سيستخدم في السوق المحلية فقط، وجاء في التغريدة: “يوم تاريخي الاحتلال يبدأ بضخ الغاز الطبيعي إلى مصر، وزيرا الطاقة المصري والصهيوني أعلنا في بيان مشترك عن بدء تدفق الغاز الطبيعي من حقل ليفاثان من الاحتلال إلى مصر، حيث سيتم استخدام الغاز في السوق المحلية المصرية لإنتاج الكهرباء وفي الصناعة.
وطرح حساب “إسرائيل تتحدث العربية” على موقع فيس بوك، مقطعًا مصورًا لوزير الطاقة الصهيوني وهو يدير الأسطوانة، مدشنًا ضخ الغاز إلى مصر، وأعرب عن سعادته بتحول الاحتلال إلى قوة إقليمية في مجال الطاقة، على حد قوله.
صعوبة التصدير لأوروبا
وقال خالد فؤاد، الباحث في شئون الطاقة بالمعهد المصري للدراسات، إنه لا أحد ينكر أن مصر حققت اكتفاء ذاتيا من الغاز الطبيعي، ولديها فائض من الغاز الطبيعي يتم تصديره للأردن، وأغلب الدراسات تقول إنه خلال من 3 إلى 5 سنوات نتيجة زيادة الاستهلاك من الغاز ستتجه مصر إلى الاستيراد.
وأضاف أنه خلال فترة وجيزة سيصبح الغاز الصهيوني هو العصب وشريان الحياة الرئيسي الذي يمد مصر بالغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي، وتوليد الكهرباء والصناعات الثقيلة.
وأوضح أن محطات الإسالة المصرية الموجودة في إدكو ودمياط تعمل بنصف طاقتها؛ بسبب توقف محطة دمياط لوجود غرامة عليها من الشريك الأجنبي شركة يونيون فينوسا بقيمة ملياري دولار، وحتى الآن لم تسوِّ هذه الغرامة.
وأشار إلى أن تصدير الغاز للسوق الأوروبية يواجه مشكلتين: الأولى وجود منافس قوي وهو الغاز الروسي الرخيص الذي يسيطر على أكثر من ثلث واردات الغاز الطبيعي للسوق الأوروبية، وأيضا هناك منافسون آخرون، سواء الغاز الجزائري أو النرويجي، وأيضا أسعار غاز LNG في عام 2019 تراجعت بشكل كبير لدرجة أن مصر ألغت، في أغسطس وسبتمبر وأكتوبر عام 2019، أكثر من مزاد لشحنات غاز مسال كان يفترض بيعها بسبب تدني الأسعار، ومن المتوقع استمرار تدني الأسعار في 2020 ليصل إلى مستويات سيئة.
ولفت إلى أن الحقيقة تقول إن مصر تحقق اكتفاء ذاتيا من الغاز، لكن هناك صعوبة في تصدير الغاز الصهيوني إلى أوروبا، ومن المتوقع تخفيض مصر إنتاجها لفتح طريق للغاز الصهيوني للسوق المحلية.
تعاظم نفوذ الاحتلال
بدوره قال الدكتور تقادم الخطيب، أستاذ الدراسات التاريخية والسياسية بجامعة برلين، إن المستفيد الأول من صفقة الغاز هو الاقتصاد الصهيوني في المقام الأول، وبالاطلاع على بنود الصفقة نجد أنها تمكن الاحتلال من سد عجز الموازنة الموجود حاليا إلى جانب التغلب على الاضطرابات الجيوسياسية، وتغطية تكلفة الانتخابات الثلاثة الماضية داخل الاحتلال والتي بلغت تكلفتها 2.8 مليار دولار.
وأضاف الخطيب أن مصر لديها الآن اكتفاء ذاتي من الغاز الطبيعي، لكن بعد فترة سيتغير الحال بسبب استهلاك 65% من الغاز المصري في محطات توليد الكهرباء، وستعاني مصر من العجز في الغاز الطبيعي خلال فترة وجيزة، وستحتاج الغاز الصهيوني، مضيفا أن الأردن وقعت اتفاقا لاستيراد الغاز الصهيوني لمدة 15 عاما، وبالتالي تحول الاحتلال إلى دولة نفطية، وهذه القوة ستضاف إلى قوتها العسكرية في المنطقة، إلى جانب أنها القوة النووية الوحيدة في المنطقة.
وأشار إلى أن تغير العقيدة العسكرية تجاه الاحتلال بدا واضحا لدى سلطات الانقلاب، وباتت تتعامل معها كشريك اقتصادي وتسير في طريق التطبيع المعلن، لكن الشعب المصري يرى أن الاحتلال هو العدو الاستراتيجي لمصر.
التصدير لسوق أخرى
من جانبه رأى الدكتور ممدوح سلامة، خبير النفط الدولي، أن ما قاله وزير الطاقة الصهيوني لا ينطبق على الحقيقة، فالغاز الصهيوني الذي سيصدر إلى مصر لن يستخدم في داخل مصر للاستهلاك الداخلي، فمصر لديها احتياطي أكبر بكثير عدة مرات من الاحتلال، وستبدأ التصدير خلال الشهر الجاري.
وأضاف أن الصادرات الصهيونية من الغاز تذهب إلى مصر لتحويلها إلى غاز سائل؛ لأن مصر هي الدولة الوحيدة في شرق البحر المتوسط التي تملك محطتين لتحويل الغاز، ومن ثم تصديره إلى منطقة حوض المحيط الباسيفيكي مع الصادرات المصرية.
وأشار إلى أن اكتشافات قبرص من الغاز قليلة ولا تستطيع أن تملأ خطًّا من هذا النوع أو الخط المقترح، وبالتالي لن يرى خط “إيست ميد” النور في المستقبل، وسيستمر الاحتلال في التصدير إلى مصر، وهذا الغاز سيتم تصديره لأن مصر لديها قدرة كبيرة على الإنتاج، خصوصا بعد اكتشاف حقل ظهر أكبر حقل للغاز في شرق البحر المتوسط، وستبدأ بتصدير غازها الشهر المقبل.
وأكد أن مصر تستفيد من الرسوم حتى لو كانت محطة الإسالة مملوكة لشركات أخرى أو بالشراكة مع شركات أجنبية أخرى، كما تستفيد بنسبة من صادرات الغاز الصهيوني، كما تستفيد اقتصاديا من تشغيل المحطتين اللتين كانتا عاطلتين عن العمل.
ألغاز صفقة الغاز
وفيما يبدأ الاحتلال في ضخ الغاز إلى مصر، يطرح مختصون تساؤلات تكاد تكون أقرب إلى الألغاز بشأن تلك الصفقة، في وقت أعلنت فيه مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في سبتمبر من العام 2018، ويتصاعد الجدل بعد توقيع الاحتلال وقبرص واليونان اتفاقية ثلاثة استثنت مصر من مشروع خط أنابيب الغاز سيؤمن وصول الغاز الصهيوني والقبرصي إلى أوروبا، فماذا ستفعل مصر بـ85 مليار متر مكعب من الغاز لا تحتاجها سوقها الداخلية وتتضاءل فرص إعادة تصديرها؟.
“احنا جبنا جون يا مصريين في الموضوع دا.. مش كدا ولا إيه؟”، هكذا وصف السيسي خطوة توقيع اتفاق استيراد الغاز من الاحتلال مطلع عام 2018، وسرعان ما روج إعلام الانقلاب بأن مصر سوف تصبح مركز إقليميا للطاقة من خلال استيراد غاز الاحتلال وقبرص واليونان ثم إعادة تصديره إلى أوروبا، ولأجل ذلك تأسس في القاهرة منتدى غاز شرق المتوسط بعضوية مصر والاحتلال واليونان وقبرص.
وبالفعل تم إبرام اتفاق لمدة 10 سنوات لاستيراد الغاز من الاحتلال بقيمة 15 مليار دولار زادت لاحقا إلى 19 مليار دولار، وتم الترويج للصفقة على أنها مخصصة للتصدير إلى أوروبا، غير أنه ومع الأيام الأولى لعام 2020 تكشّف للجميع استبعاد مصر من كعكة تصدير غاز شرق المتوسط.
في الثاني من يناير الجاري، عُقدت في العاصمة اليونانية أثينا اتفاقية بين قبرص واليونان والاحتلال بعد إزاحة مصر لإنشاء خط أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، أسفل مياه البحر المتوسط وبعيدا عن الجغرافيا المصرية.
وعلق خبراء على الاتفاقية بالقول إن مصر أصبحت في ورطة مع الغاز الصهيوني الذي سيتم استيراده، وأن ما قيل عن تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة لا يعدو أن يكون دعاية سياسية فجة .
ويبقى السؤال: هل ستستمر مصر في التزامها بقرار استيراد الغاز الصهيوني بعد تحرك شركائها بدونها باتجاه أوروبا؟ أم أنها سترتضي من الغنيمة بالإياب وتبحث للغاز الصهيوني عن مشترين محليين؟