وافق مجلس نواب العسكر يوم 24 فبراير 2020 نهائيًا بأغلبية الثلثين، على تعديل قانوني: “قوائم الكيانات الإرهابية” و«مكافحة الإرهاب»، بدعوي توسيع تعريف الكيان الإرهابي ليشمل فئات جديدة فضفاضة مثل «الشركات» و«الاتحادات» بعدم اقترحوا من قبل «القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي» للتعريف، ولكن ظهرت اعتراضات لأن القنوات والإذاعات الآن أصبحت مملوكة للجيش والمخابرات ويصعب وصفهم بأنهم “إرهابيون”!
التعديلات ضمت كذلك إعادة تعريف “جريمة تمويل الإرهاب”، واستحداث آثار جديدة للإدراج في قوائم الجماعات الإرهابية والإرهابيين، منها تجميد عضوية المُدرج على القائمة في النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات الحكومية، مع التوسع في مصادرة وتجميد أصول وأموال وممتلكات المدرجين على القوائم حتى ولو لم يثبت استخدامها في أي نشاط إرهابي!!
وشملت التعديلات أيضًا، استبدال التعريف الحالي لمصطلح «الأموال» التي ينصّ قانون الكيانات الإرهابية على تجميدها في حال إدراج شخص أو جماعة ما في أي من قائمتي «الإرهابيين» أو «الكيانات الإرهابية»، بتوسيع تعريف جريمة تمويل الإرهاب.
أيضا بموجب القانون القائم للكيانات الإرهابية، التحفظ على أموال المدرجين على قوائم الإرهاب لا يشمل الملكيات الخاصة مثل محل السكن والسيارة والمشغولات الذهبية والأموال السائلة في المنزل، وإنما يُطبّق فقط على الحسابات الموجودة في البنوك، والأصول الثابتة «الشركات والمحلات والاستثمارات ولكن التعديل الأخير يخضع كل ما سبق لسلطة التحفظ.
فقبل التعديل الأخير كانت السلطة تجمّد أموال المتهمين بالإرهاب، وتوقف أي تصرف للمتهم أو أسرته فيها، ولكنها لم تكن تستطيع ضمّها لخزانة الدولة بشكل نهائي بسبب عدم استنفاذ درجات التقاضي، وعدم صدور أحكام نهائية بالإدانة لغالبية المتهمين بالإرهاب.
الهدف.. الإخوان والمعارضون
ومعروف أن هذه التعديلات تسعي لمصادرة أموال الإخوان والمعتقلين السياسيين وربكهم والسعي لحصارهم بدعوى أنهم “إرهابيون”!
فهذه التعديلات تعبر عن رغبة السلطة في توسيع إجراءات الأجهزة الأمنية ومعها النيابة العامة في مصادرة أموال وممتلكات الإسلاميين، والمعارضين السياسيين بشكل عام، بدليل مشاركة جهات سيادية ووزارة الداخلية، وقطاع الأمن الوطني في صياغة هذه التعديلات العجيبة!
فالتعديلات تعطي غطاءً قانونيًا للتعدي على حُرمة المال الخاص للمتهمين، وتحرر سلطات الضبط والتحري (الداخلية والنيابة العامة) من أي قيود.
والتجربة أثبتت أن سلطة الانقلاب تعدل قوانين الإرهاب كلما وجدت محكمة النقض ثغرة تنفد منها لإلغاء إدراج المتهمين على قوائم الإرهاب، ومن ثم التحفظ على أموالهم.
حيث كانت محكمة النقض تلغي أحكام الجنايات بالإدراج لكونها مبنية على تحريات الأمن الوطني فقط، استنادًا للمادة الثالثة من القانون التي تلزم النائب العام بتقديم طلبات الإدراج للجنايات مشفوعة بـ «التحقيقات والمستندات المؤيدة للطلب»، ولهذا عدلت الحكومة تلك المادة في القانون لتعطي للنائب العام عند مطالبته لمحكمة الجنايات بإدراج شخص أو جماعة على قوائم الإرهاب أن يرفق طلبه بـ”التحقيقات أو المستندات أو التحريات أو المعلومات المؤيدة لهذا الطلب»، وهكذا وسّع مفهوم ما يؤكد على صحة الطلب، بما يفوت الفرصة على محكمة النقض في عدم الاعتداد بتحريات الأمن الوطني كدليل.
ولكن بموجب التعديلات الأخيرة ستؤيد محكمة الجنايات طلبات النائب العام بإدراج المتهمين على قوائم الإرهاب، وكذلك محكمة النقض، لأنها لن تجد في القانون بعد تعديله ما يمكنها من نقض أحكام الجنايات، ما يمكّن لجنة التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية من ممارسة عملها دون تعطيل.
أيضا تستهدف التعديلات الإخوان داخل النقابات المهنية والجامعات وعددًا من أجهزة الدولة الأخرى بحسب إيهاب الطماوي، وكيل اللجنة التشريعية في البرلمان!
ويقول المحامي الحقوقي نجاد البرعي أن السبب الرئيسي للتعديلات يعود إلى رغبة الدولة في إنهاء ملف «أموال الإخوان»، وضمّها لخزينة الدولة في أسرع وقت، والتخلص من القيود التي تفرضها محكمة النقض على مسألة الإدراج على قوائم الإرهاب، والتي تتبعها مصادرة أموال وممتلكات المعارضين وخصوصًا الإسلاميون منهم.
وأوضح البرعي أن قانون الكيانات الإرهابية الحالي يشترط لمصادرة الأموال أن تكون «اُستخدمت في نشاط إرهابي»، والنائب العام ومحكمة الجنايات يعتمدان فقط على تحريات «الأمن الوطني» واتهامات من دون دلائل، ولهذا فعادة ما تلغي «النقض» الإدراج، ومن ثم ما زالت أموال الإسلاميين بالنسبة للدولة معلقة منذ 2013، وبعيدة عن خزينة الدولة، ولهذا شمل التعديل حذف هذا الشرط، لحسم أمر مصادرة الأموال بمجرد أن تحرر النيابة العامة طلبًا لإدراج شخص أو جماعة بحجة أن تحريات الأمن الوطني انتهت لكونها إرهابية.
بينما يقول حسن الأزهري المحامي بمؤسسة «حرية الفكر والتعبير»، في تصريحات صحفية: إن التعديلات تخاطب المعارضين السياسيين من غير الإسلاميين في المقام الأول، وتستهدف إحكام السيطرة على أموال الإسلاميين في المقام الثاني، موضحًا أنه على الرغم من اتفاق رئيس البرلمان وعدد من نوابه على ضرورة حذف القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي من تعريف «الكيان الإرهابي» إلا أنهم أكدوا في النهاية على أن التعديل بصورته الحالية يستهدفهم.
ولفت الأزهري إلى أنه على أرض الواقع «الإخوان» هم الفاعلون إما في السجون أو خارج مصر، ولذلك فتعديل تعريف «الكيان الإرهابي» ليستوعب الشركات وفي الخلفية المواقع الصحفية الصادرة عنها، هدفه جر المعارضين والأصوات التي تجدها السلطة خطيرة إلى معارك ومسارات قضائية تتعلق بالإدراج على قوائم الإرهاب، خصوصًا في ظل توسيع الآثار المترتبة على الإدراج إلى تجميد عضوية النقابات والنوادي والاتحادات إلى جانب الحقوق السياسية المتعلقة بالترشح والانتخاب في المجالس النيابية والمحلية، وهو ما يحقق للسلطة في النهاية حلولًا قانونية تضمن لها مساحات تحرك غير مقيدة في التنكيل بالمعارضين السياسيين، وملاحقتهم وربما تبرير حجب المواقع الصحفية فيما بعد.
الفضائيات ليست “إرهابية” بعدما اشتراها العسكر
ويبدو أن اقتراح لجنة التشريعات التي يرأسها رئيس حزب الوفد الموالي للسيسي، وموافقة الحكومة على إضافة «القنوات الفضائية المؤسسة من خلال أشخاص أو شركات أو مؤسسات»، و«المحطات الإذاعية ووسائل أو مواقع التواصل الاجتماعي» لتعريف الكيان الإرهابي، أزعجا الأجهزة السيادية، خصوصا الجيش والمخابرات، فلم تعد هناك قنوات او إذاعات حرة، ولكنها كلها باتت إما ملكا للمخابرات والجيش أو تابعة لهم بالترهيب، لهذ تدخلوا وأمروا “عبد العال” بالتعديل الفوري لها لتنص على “الشركات” لا “الفضائيات والإذاعات”.
وحاول عبد العال إخراج الأمر بصورة عادية فزعم أن “بروز القنوات الفضائية في القانون سيتسبب لمصر في انتقادات دولية خلال المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة”، وكأنه يكترث لانتقادات الأمم المتحدة!
ولأن الهدف أيضا حرمان الإخوان والسياسيين المعارضين من العمل السيسي استحدثت التعديلات أيضا مجموعة من الآثار للإدراج على قائمة الإرهابيين تتعلق بالحرمان من «الترشح للمحليات» ومن «الدعم التمويني أو أي دعم حكومي أيًا كان نوعه»، فضلًا عن «إنهاء خدمتهم بوظائف الحكومة أو تعاقدهم بشركات قطاع الأعمال العام»، و«عدم التعيين أو التعاقد بأي منهما»، و«حظر ممارستهم لكل الأنشطة الأهلية أو الدعوية تحت أي مسمى”!!
ولكن “عبد العال” طلب لاحقا بحذف بعض الآثار المقترحة من الحكومة للإدراج على قائمة الإرهابيين، وخصوصًا ما يتعلق بالفصل من الوظيفة والحرمان من الدعم الحكومي، مبررًا بأن قانون الكيانات الإرهابية في الأساس تشريع تحفظي و”مؤقت” يغطي الفترة التي تسبق صدور حكم نهائي من القضاء باعتبار الشخص أو الجماعة إرهابية.
قصة قانون الإرهاب السيساوي
في فبراير 2015، وسعيا لتحجيم نشاط الاخوان، أصدر عبد الفتاح السيسي قانون الكيانات الإرهابية “لعمل قائمة مصرية للإرهابيين والجماعات التي تصنفها الدولة إرهابية على غرار عدة دول عربية وأجنبية”، وتبعه بإصدار قانون مكافحة الإرهاب في أغسطس 2015 بعد شهر ونصف من اغتيال النائب العام.
ولأن هناك مشاكل تواجه المحاكم في تلفيق تهم الإرهاب للإخوان والمعارضين اقترحت الاجهزة الامنية التعديلات الحالية الأخيرة، ومنها التعديل الثالث الذي يتضمن ثلاث نقاط:
(الأولى) هي إضافة فئة «الشركات والاتحادات» لتعريف الكيان الإرهابي الوارد بالقانون الحالي.
و(الثانية) فهي استبدال التعريف الحالي لمصطلح «الأموال» التي ينصّ القانون على تجميدها في حال إدراج شخص أو جماعة ما في أي من قائمتي «الإرهابيين» و«الكيانات الإرهابية»، بتعريف وصفه مجلس الوزراء بـ “الأشمل” يتضمن “النفط والموارد الطبيعية الأخرى”، و”الائتمان المصرفي والشيكات السياحية والمصرفية والاعتمادات المُستندية، وأية فوائد أو أرباح أو مصادر دخل أخرى مترتبة على، أو متولدة من هذه الأموال أو الأصول، أو أي أصول أخرى يُحتمل استخدامها للحصول على تمويل أو منتجات أو خدمات”!!
والنقطة (الثالثة) في تعديل قانون الكيانات الإرهابية، هي تعديل المادة الخاصة بالآثار المترتبة على الإدراج على القائمتين «الإرهاب» و«الإرهابيين»، حيث وافق مجلس الوزراء على حذف عبارة «متى كانت مستخدمة في ممارسة النشاط الإرهابي» من البندين المتعلقين بتجميد أموال «الإرهابي»، وكذلك «الكيانات الإرهابية»، وإضافة عبارة «تجميد الأموال أو الأصول الأخرى المملوكة للكيان، وأعضائه من الإرهابيين، سواء بالكامل أو في صورة حصة في ملكية مشتركة، والعائدات المتولدة منها، أو التي يتحكم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، والأموال أو الأصول الخاصة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلاله، وحظر تمويل أو جمع الأموال أو الأشياء للإرهابي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”!!.
وقد ورد التعريف الجديد لمصطلح الأموال أيضًا ضمن مشروع القانون الثاني الخاص بتعديل قانون مكافحة الإرهاب، جنبًا إلى جنب مع توسيع تعريف جريمة تمويل الإرهاب لتشمل «كل جمع أو تلقي أموال أو أصول أخرى أو معلومات لأي نشاط إرهابي فردي أو جماعي منظم أو غير منظم في الداخل أو الخارج بشكل مباشر أو غير مباشر أيًا كان مصدره، وبأية وسيلة كانت».
وأضاف “الشكل الرقمي أو الإلكتروني”، قائلا: «سواء وقع الفعل الإرهابي أم لم يقع»!!