فاز حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين الصهيوني بـ58 مقعدًا من 120 (يحتاج 3 مقاعد لتشكيل الحكومة)، مقابل 55 مقعدًا لمعسكر الوسط اليسار، فيما فازت القائمة العربية المشتركة بـ15 مقعدًا في انتخابات الكنيست الصهيوني.
ماذا يعني فوز نتنياهو للمرة الثالثة خلال عام في انتخابات إسرائيل؟ وما تأثيره علينا كعرب ومسلمين؟ هل سيواصل نتنياهو تنفيذ خططه فيما يتعلق بسرقة المزيد من الأراضي العربية وضم الضفة الغربية لينهي حلم الدولة الفلسطينية، ويضم غور الأردن ويوسع خطط تهويد الأقصى في ظل حديثه عن المزيد المتوقع من التطبيع من أنظمة عربية؟!.
فنتائج الانتخابات الصهيونية تحمل أخبارًا سيئة للأردن، فهي لم تمنح فقط تفويضا لضم غور الأردن والمستوطنات بشكل يمثل تهديدا على استقرار الأردن، بل إنها عززت مكانة الداعين لاعتبار الأردن هي مكان الدولة الفلسطينية، وتحديدا تيار الصهيونية الدينية.
تأثير فوز نتنياهو على العالم العربي
المؤكد هو أن نتائج الانتخابات الصهيونية أعطت نتنياهو تفويضا كبيرا لضم غور الأردن والمستوطنات، وأن الضم سيكون على رأس أولويات الحكومة القادمة، على اعتبار أن 99 نائبا، أي 83% من أعضاء البرلمان الجديد يؤيدون الضم، الذي تنص عليه أصلا “صفقة القرن”، إلى جانب تبني إجراءات جديدة لتهويد الأقصى.
بعبارة أخرى يرى اليمين الديني والعلماني (تحالف نتنياهو)، أن نتائج الانتخابات تفويض واضح لضم الضفة الغربية، والضم يعني عمليًّا تصفية وجود السلطة الفلسطينية، فهل يقتنع عباس بتغيير اتجاه العلاقة مع الصهاينة.
وسيشجع نتنياهو على ذلك فوز 18 حاخامًا و33 متدينا صهيونيًّا كنواب في البرلمان الصهيوني الجديد، وفي حال شكل نتنياهو الحكومة القادمة (كما هو مؤكد) فيرجح أن تضم هذه الحكومة 8 حاخامات يشغلون أهم الوزارات الخدماتية، بالإضافة إلى وزارة الداخلية، بحسب الخبير الفلسطيني صالح النعامي.
ومعروف أن للتيار الحريدي الديني الصهيوني دورا مهما في حسم نتائج الانتخابات الصهيونية، فأتباع التيار يطبقون تعليمات المرجعيات الدينية ويلتزمون بالتصويت بشكل شبه مطلق والأحزاب الحريدية شريك طبيعي لليكود، وفي هذه الانتخابات عمد الحريديم إلى تبني مواقف أكثر تطرفا تجاه الصراع بعد أن كانوا يركزون على شئون التيار الديني فقط، وزاد تدخلهم في السياسة.
بل إنهم رفعوا شعار “التوراة في خطر” الذي كان وراء تحقيق الأحزاب الدينية الحريدية مفاجأة الانتخابات الصهيونية؛ فالحريديم تجندوا كرجل واحد لتعزيز تمثيل أحزابهم بحجة إحباط توجه علمانيين.
محمود عباس في مأزق
إحدى نتائج الانتخابات الصهيونية أنها ستزيد الضغوط علي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يهدد ويتوعد دون فعل حقيقي، وأنه مستمر في التنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال في اعتقال المقاومين للاحتلال وتسليمهم للصهاينة ومنع أي مقاومة.
لهذا جاء فوز نتنياهو ليقلص هامش المناورة أمام محمود عباس، ففي حال حافظ على صلته القائمة مع الصهاينة، سيما التعاون الأمني، حتى بعد أن تضم إسرائيل أجزاء واسعة من الضفة (ما يعني انتهاء فكرة الدولة الفلسطينية)، فهذا يعني أن السلطة تحولت إلى جهاز أمنى يحمي الاحتلال، ووجب التخلص منها بعدما تحولت إلى نسخة مشوهة لكيان “جيش لحد” في جنوب لبنان، الذي كان مكلفًا بحماية اسرائيل، أو “روابط القرى” التي أسسها شارون لقمع المقاومة.
وباتت الآن بالتالي الكرة في ملعب حركة فتح، فإما أن تأخذ على يد عباس وتجبره على تغيير علاقته بالاحتلال، بعد أن منح الصهاينة حكومتهم تفويضًا بضم الضفة، كما دلت نتائج الانتخابات، ووقف التعاون الأمني، وأن تقود مسارًا نضاليًّا لإحباط المخطط الصهيوني، أو أن تتحمل تبعات تحول السلطة إلى نسخة مشوهة من “جيش لحد”.
مزيد من التطبيع
عقب فوزه، أكد نتنياهو في خطاب لأنصاره: “نحن حوّلنا إسرائيل إلى دولة عظيمة، قمنا بتنمية علاقات دولية لم تكن موجودة مع دول عربية وإسلامية، ومع زعماء دوليين بينهم دول عربية هم أكثر مما تتخيلون، نحن فقط القادرون وليس أحد سوانا”!.
وكان ملفتًا للأنظار كشف نتنياهو أن إسرائيل تقيم علاقات سرية مع العديد من الدول العربية والإسلامية، وقوله إن ثلاث دول فقط هي التي لا تقيم علاقات مع بلده، ما يعني أن دولة الاحتلال تقيم حاليا علاقات مع حكام 19 دولة عربية، باعتبار أن مجموع دول الجامعة العربية 22 دولة!.
حيث ظهر نتنياهو في برنامج تلفزيوني صهيوني ليقول لمذيع سأله عن أسماء هذه الدول العربية الـ19 التي يقيم معها علاقات، فقال للمذيع المحاور: “لا يمكنني أن أخبرك كم مرة زرت فيها الدول العربية”.
ولكنه أكد أن “المكشوف يشكل 10% فقط مما يحدث على الأرض”، وأنه لا ينشر سوى 10% فقط مما يحدث من علاقات سرية تجمع إسرائيل بدول عربية في المنطقة.
وتابع: “إذا أخبرني أحدهم قبل 10 سنوات أننا سنصل لوضع تكون لنا فيه علاقات تتوطد مع كل الدول العربية خلا واحدة أو اثنتين، لقلت إنها أحلام يقظة، لكن هذا ما يحدث اليوم”.
وكرر نتنياهو في كلمة له بمؤتمر لرؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية بالقدس الغربية قوله: “أطوّر علاقات مع دول عربية وإسلامية، وأستطيع أن أقول لكم إن دولة واحدة أو دولتين أو ثلاثا منها فقط لا تقيم معنا علاقات تتعزز باستمرار”.
وأعلن نتنياهو من قبل عن “زيادة التطبيع” مع إسرائيل في العالم العربي، زاعما أن هذه الميول منتشرة بين القادة والشعوب”.
وقال نتنياهو، في وفي حوار سابق مع قناة “بي بي سي عربي”: إن “التطبيع معنا يتزايد، ولا أعتقد أنه من الممكن التوصل لاتفاقات سلام أخرى، لكن الجديد هو أن دولا عربية باتت تدرك أن بإمكاننا المضي قدما في أمور عدة خاصة في المجال الأمني وأنا سعيد بذلك للغاية”.
كما زعم نتنياهو أن الأمر لم يعد مقتصرا على القادة العرب فقط، مشيرا إلى أن التأييد لإقامة علاقات مع إسرائيل يتزايد بشكل ملحوظ بين الناس العاديين في الشعوب العربية وحتى داخل إيران، موضحا أن الإسرائيليين يلاحظون ذلك من خلال الإنترنت.
وأرجع نتنياهو سبب التحول في نظرة العالم العربي لبلاده، رغم عدم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، إلى إدراك كثيرين في العالم العربي على مستوى القادة والشعوب أن إسرائيل لم تعد عدوا لهم، وإنما باتت حليفا أساسيا في مواجهة عدوان إيران، على حد تعبيره.
وتابع: “هناك توجهات لدى دول وشعوب عربية عدة تجاه إسرائيل، والعديد من القادة العرب يدركون الآن أنه لا بد من دفع العلاقات مع إسرائيل في مجالات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والمياه والأمن وغيرها، بصرف النظر عن التعثر على المسار الفلسطيني”.
ودلل نتنياهو على ذلك بوجود مدون سعودي يؤيده بحماس رغم المشاكل التي تعرض لها جراء ذلك، في إشارة إلى الشاب السعودي، محمد سعود، الذي قام مؤخرا بزيارة إسرائيل بمبادرة شخصية منه، وتعرض لانتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي عقب الزيارة.