الأزمة تقترب.. لماذا تأخر ظهور قائد خط “الكمامة” العسكري في مصر؟

- ‎فيتقارير

منذ أعلنت وزيرة الصحة في حكومة الانقلاب، هالة زايد، عن أن الجيش سينتج ألبان الأطفال لصالح الوزارة، بعد تعطيش الأسواق وسحب لبن الأطفال المدعم، اندلعت بعدها عدة أزمات مصطنعة، منها شطب سلاسل أكبر صيدليات في مصر وهي صيدليات العزبي ورشدي؛ بزعم الامتثال لحكم قضائي، وهو ما أثار الشكوك التي تحولت إلى يقين فيما بعد حول بيزنس العسكر في المجال الطبي بمصر .

ودفع هوس الخوف من الإصابة بفيروس كورونا المواطنين، خلال الأيام الماضية، إلى الإقبال على شراء الأدوية الخاصة برفع المناعة والكمامات، بالإضافة إلى المطهرات والكحوليات من الصيدليات، ما أنعش بيزنس عصابة الانقلاب في الاتجار بهذه المستلزمات والأدوية، خاصة بعد توجيه سلطات الانقلاب كميات كبيرة من الصناعة المحلية للتصدير للخارج، وحرمان المصريين من الحصول على العملة الصعبة وفرق الأسعار، ما تسبب فى رفع أسعارها وخلق سوق سوداء لهذه المنتجات.

قوانين البيزنس

وواصل الجيش، خلال أعوام الانقلاب السبعة الماضية، تغلغله في نشاطات المال والبيزنس، وصولا إلى قطاعات جديدة تزيد من حجم إمبراطورية المؤسسة العسكرية في البلاد، التي تضاعف حجم اقتصادها منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديموقراطيا في تاريخ مصر في 3 يوليو 2013.

السمة الأبرز تمثلت في محاولة إضفاء صبغة قانونية ودستورية لحماية هذه الأنشطة من خلال تمرير قوانين تمنح الجيش الحق في امتلاك مشروعات بعينها، هذا بالإضافة إلى تمدد إعلامي واسع يستهدف بناء إمبراطورية من وسائل الإعلام لإعادة تشكيل وعي الشعب المصري بما يجعله يقبل العبودية.

وهذا العام 2020، يتوقع خبراء أن تدخل “كمامة العسكر” قطار البيزنس العسكري من مشروعات الطرق إلى الاستزراع السمكي، ومن التصوير الجوي إلى إطلاق فضائيات جديدة، ومن الوجبات المدرسية إلى المطاعم المتحركة، ومن معارض الأغذية إلى الصناعات العسكرية، وهو البيزنس الذي تمددت خلاله نشاطات عصابة الانقلاب بشكل واضح للعيان، وبات محط سخرية واستنكار من المصريين.

وأكد مركز الدراسات الدوائية وعلاج الإدمان، فى تقرير له أمس، أنه لوحظ خلال الفترة الماضية ارتفاع نسب شراء المطهرات الكحولية “الهاند ووش أو الهاند جيل”، بالإضافة إلى “الكمامات” وبعض الأدوية الخاصة بالمناعة، باعتبارها وسائل تسهم فى عدم نقل أى عدوى فيروسية أو ميكروبية وفى مقدمتها فيروس كورونا.

وقال الدكتور علي عبد الله، مدير مركز الدراسات الدوائية وعلاج الإدمان: إن الكمامات كانت قبل ظهور كورونا متوفرة بالصيدليات وسعرها لا يتعدى جنيها واحدا، فأصبحت غير متوفرة وقفز سعر الكمامة العادية إلى 7 جنيهات، بينما أسعار الكمامات ذات المواصفات الخاصة المزودة بفلتر تجاوز سعرها الــ50 جنيها للماسك الواحد.

وتابع: “هناك أيضا طلب كبير وانتعاشة لبيزنس المطهرات الكحولية المستخدمة فى تعقيم اليد بعد الغسيل، حيث بلغ سعر العبوة الــ50 ملى 44 جنيها للواحدة فى بعض الصيدليات، بينما ارتفعت أسعار المناديل المبللة بشكل كبير فقفزت بعض العبوات إلى 60 جنيها” .

وأضاف أن “هناك ثقافة جديدة ظهرت بين البعض مع ارتفاع تحذيرات المؤسسات الصحية مثل منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية، بضرورة الاهتمام برفع المناعة والحرص على غسيل الأيدى وتعقيمها والبعد عن الزحام أو الاضطرار لارتداء الكمامات للحماية من عدوى الفيروسات، خاصة عند زيارة مريض، مضمونها ارتداء الكمامات والحرص على النظافة الشخصية”.

وحذر الدكتور علي عبد الله من ظهور كمامات ومطهرات فى السوق مجهولة المصدر وغير مصنعة وفقا للأكواد والمعايير الصحية السليمة؛ لمواجهة الإقبال على الطلب الذى ظهر مؤخرا نتيجة انتشار فيروس كورونا حول العالم، مؤكدا أن الماسكات غير المطابقة للمواصفات قد تكون سببا فى نقل العدوى، بينما المطهرات غير المرخصة المصنعة فى مصانع بير السلم تكون خطرا؛ لأنه غير معروف مكوناتها وتصل خطورتها لحد الإصابة بسرطانات جلدية.

انتقال الفيروس

ومما لا شك فيه أن إمبراطورية عسكرية ضخمة تتمد كل عام، تشمل الأدوية والمواد الغذائية والإسكان والتعمير والكهرباء وشركات الأمن والحراسة، وبطاقات التموين الذكية، وبطاقات الخبز، والطرق، والزراعة، والخدمات الفندقية، والإنتاج الحيواني، والدواء والألبان، والحديد والأسمنت والأثاث، وتأجير قاعات الأفراح، وبيع الحلويات واللحوم، ومزارع الخضراوات والفاكهة، ومصانع المعلبات والمزارع السمكية، وصولا إلى الصحف والفضائيات، تعزز أرصدة جنرالات الجيش المصري في خزانة ضخمة خارج نطاق الرقابة والمساءلة.

جدير بالذكر أن فزع وخوف المصريين بسبب توسع انتشار فيروس كورونا حول العالم، أدى إلى زيادة معدلات الإقبال والتكالب على أنواع معينة من المنظفات الشخصية بصورة يومية، وبالإضافة إلى التكالب على شراء الكمامات تخوفا من انتقال الفيروس، ومن أبرز الأنواع المستخدمة حاليا هي المطهرات الخاصة بتنظيف الأيدى ومنها الجيل، والكحول الخام.

وقال الدكتور محفوظ رمزى، رئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة صيادلة القاهرة: إن هناك تخوفا وهلعا كبيرا من المواطنين أدى إلى ارتفاع أسعار الكمامات إلى أضعاف أسعارها؛ بسبب الإقبال الكبير على شرائها بالإضافة إلى المطهرات، إلا أن الكمامات ليست أداة للحماية من انتقال الفيروسات والميكروبات إلا في حالات مقابلة شخص مريض أو الانتقال في أماكن مزدحمة.

موضحا أن “الوسيلة الآمنة من انتشار الفيروسات هى غسل الأيدى بالمياه والصابون، والبعد عن ملامسة الأسطح التي يتعامل عليها الكثيرون على مدار اليوم مثل زر الأسانسير، وأوكر الأبواب فى المواصلات، وأى سطح يتعامل عليه المواطنون في مختلف المناطق، مع التشديد على غسل الأيدى من وقت لآخر”.

 

ضرورة التوعية

وأكد “ضرورة توعية الطلاب في المدارس مع ابتعاد تكدس الطلاب داخل الفصول، خاصة في المدارس الحكومية، والذى يصل العدد في الفصل الواحد 80 طالبا فى غرفة صغيرة، ويعتبر من أكثر الظروف البيئية انتقالا للعدوى من الفيروسات والميكروبات”.

وكشفت أزمة أسعار الدواء الأخيرة فى أعقاب تعويم الجنيه، عن تهالك السياسات الدوائية فى مصر، وانحسار السيطرة عليها ما بين كوارث العشوائية، ومصالح الشركات الأجنبية المحتكرة لسوق الدواء المصرية، خاصة بعد النقص الحاد لأكثر من ٤ آلاف صنف من الأدوية، ممثلة فى أدوية الأمراض المزمنة كالضغط، والسكر، والكبد، والمحاليل الطبية، وأدوية الأورام، والصرع، والقلب، وأنواع الأنسولين ومشتقات الدم.

فيما لم تجد حكومة الانقلاب أمامها سوى مواجهة الأزمة برفع تسعيرة الدواء للحفاظ على أرباح شركات الدواء، ليصبح المريض هو من يتحمل تبعات هذا الارتفاع. حالة التخبط هذه فرضت عددًا من التساؤلات، أبرزها: لماذا لا تتجه وزارة الصحة لإنشاء مصانع وطنية يديرها مدنيون؟ وما أبرز معوقات إقامتها للحفاظ على أمن الدواء القومى الذي يحتكره الجيش؟.