برغم توقع كثيرين بأن تبادر حكومات العالم إلى زيادة نفقات الصحة في ميزانياتها خلال الأعوام المقبل بعد معركة كورونا، وبدأت عشرات الدول بالفعل في توفير امتيازات لأطبائها مع تكثيف الدعم للأبحاث ولعلماء والتعليم، فقد استمرت حكومة الانقلاب في تجاهل الصحة والتعليم والاستمرار في التركيز على نفس أجندتها الفاشلة.
وبرغم أن موازنة 2020/2021 الجديدة تم إعدادها في فبراير 2020، أي أنها لم تواكب كارثة كورونا، فقد أبلغ وزير المالية نواب مجلس الشعب أنها لن تتغير!.
فيما يتعلق بالدعم، انخفض إجمالي مخصصاته بنسبة صغيرة (0.4%) ليصل إلى 326.3 مليار جنيه، بدلًا مما كانت قد نصت عليه موازنة العام الحالي من توقعات بارتفاع مخصصاته في العام القادم لتصل إلى 360.29 مليار جنيه. وبذلك يكون الدعم قد تراجع في موازنة عام 2021/2020، بدلًا من نموه بنسبة تقترب من 10% كما كان متوقعًا.
فوفقًا للبيان التمهيدي للموازنة العامة الجديدة، تبلغ مخصصات الصحة 245.5 مليار جنيه بزيادة 78.9 مليار جنيه بنسبة زيادة 45% عن العام المالي الحالي، وتختلف هذه القيم بشكل كبير عن قيم أخرى لمخصصات الصحة يشير إليها نفس البيان، تبلغ حوالي 93 مليار جنيه بحسب البيان، بزيادة قيمتها حوالي 20 مليار جنيه عما حصل عليه قطاع الصحة العام الماضي!.
وهو ما يعني أن السلطة تحاول التملص من الالتزام الدستوري عبر إضافة بنود أخرى لمخصصات الصحة في الموازنة، كالصرف الصحي والفوائد على الدين العام!.
حيث يقول خبراء اقتصاديون إن القيم المختلفة لمخصصات الصحة جاءت بسبب استناد البيانات الحكومية إلى مفهوم مختلف عن مفهوم التصنيف الوظيفي في تعريف الإنفاق على الصحة، والذي يقتصر على إنفاق وزارة الصحة فقط كجهة مسئولة بشكل مباشر عن الصحة، وهذا التعريف يشمل الإنفاق فيما يتعلق بالصحة بالإضافة إلى المؤسسات التابعة لوزارة الصحة، أي جهات أخرى تقدم خدمة صحية من قبيل مستشفيات الشرطة والدفاع والأزهر والتأمين الصحي الشامل والبرامج الخاصة به.
وقبل سنوات، لجأت وزارة المالية بحكومة الانقلاب وبرلمان العسكر معًا إلى تعديل تعريف الإنفاق على الصحة والتعليم، على نحو يسمح بتضخم مخصصات الإنفاق على التعليم والصحة كي تستوفي الاستحقاقات الدستورية، وهو غير صحيح على أرض الواقع.
وأضاف مجلس نواب الدم لمخصصات التعليم الإنفاق على قطاع الشئون الثقافية في الأزهر، ودعم اشتراكات الطلبة، والمنح الدراسية في وزارة التضامن الاجتماعي في موازنة 2017/2016!.
ويمثل الإنفاق الحكومي على الصحة 3.72% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي يستوفي الاستحقاق الدستوري بشأن الصحة، في حين أن الإنفاق على الصحة استنادًا لمفهوم التصنيف الوظيفي يقل عن نصف الاستحقاق الدستوري.
وينص الدستور الحالي على أن «تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي»، قبل أن يجري الاتفاق في مجلس النواب على تطبيق مفهوم الناتج المحلي بدلًا من مفهوم الناتج القومي بسبب ندرة البيانات حول المفهوم الآخر!!.
ويشير مفهوم الناتج المحلي إلى إجمالي قيمة الإنتاج داخل البلاد، أما الناتج القومي فهو مفهوم يشمل إنتاج المصريين خارج حدود البلاد، شاملًا الاستثمارات المصرية في الخارج على سبيل المثال.
تحايل على موازنة التعليم
لم يقتصر الأمر على الصحة، فقد حدث تحايل آخر على موازنة التعليم في الميزانية الجديدة. فجاء بالبيان التمهيدي للموازنة أن الحكومة خصصت للإنفاق على التعليم 363.6 مليار جنيه، بارتفاع قدره 46.9 مليار جنيه (بنسبة زيادة 14.8%)، وتمثل هذه المخصصات ما تعتبره وزارة المالية واقعًا ضمن الإنفاق على التعليم، تبعًا للتعريف المعدل الذي استحدثته الوزارة.
فعلى سبيل المثال، تشمل حسابات الإنفاق على التعليم وفقًا لهذا المفهوم “مدارس هيئة المجتمعات العمرانية في المدن الجديدة”، وبناءً على ذلك ترى وزارة المالية أنها بذلك تكون قد أوفت أيضًا بالاستحقاق الدستوري!.
وينص الدستور الحالي على أن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، وأن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي، وبذلك يتعين على الدولة تخصيص 6% من الناتج المحلي على الأقل للإنفاق على التعليم إجمالًا.
ولكن الإنفاق على التعليم، وفقًا للتقسيم الوظيفي، لا يتجاوز 157.58 مليار جنيه في البيان التحليلي للموازنة العامة، وبالتالي يمثل- كنسبة من الناتج المحلي- أقل من نصف الاستحقاق الدستوري.
مقارنة بين الرئيس مرسي والسيسي
في موازنة عام 2013/ 2014، زادت نسبة الإنفاق على التعليم في عهد حكومة الرئيس مرسي إلى 22 مليون جنيه بمعدل نحو 4.1% من الناتج القومي الإجمالي، وذلك مقارنة بما كان مخصصا في آخر موازنة لحكومة مبارك 2010- 2011، والتي بلغت 18.5 مليون جنيه.
وبلغت الموازنة المخصصة للتعليم في عهد الرئيس مرسي نحو 93 مليار جنيه، مقارنة بـ37.6 مليون جنيه فقط في موازنة حكومة مبارك الأخيرة.
أيضا زادت نسبة الإنفاق على الصحة في عهد مرسي إلى 42.1 مليار جنيه، وكانت 8.3 مليار جتيه فقط في آخر حكومة لمبارك.
ومنذ انقلاب السيسي وهو يركز في موازنات مصر علي دعم الجيش والشرطة وكافة الأجهزة القمعية والداعمة له مثل القضاء، بينما أهمل ميزانية التعليم والصحة وخدمات الموطنين وركز على الجباية والضرائب.
فمخصصات داخلية الانقلاب في موازنة 2018/2019 على سبيل المثال، زادت 7 مليارات جنيه، والوزارة طلبت 9 مليارات أخرى، ونواب الانقلاب استدعوا وزيري المالية والتخطيط بحكومة الانقلاب حتى يوافقوا على طلب الداخلية، ليصبح إجمالي مخصصات الوزارة بمشروع الموازنة 57.5 مليار جنيه.
وكان المخصص للداخلية في مشروع الموازنة الجديدة 48.5 مليار جنيه، بزيادة سبعة مليارات جنيه عن موازنة العام المالي الجاري (2017/2018) التي كانت 41.4 مليار جنيه، وفي العام السابق (2017/2016) كانت 38 مليار جنيه، أي زادت 10 مليارات في 3 سنوات ومع هذا يطالبون بـ9 مليارات أخرى.
وهذا بينما كانت موازنة الداخلية عام 2016/2015 تعادل 26.933 مليار جنيه، وعام 2014/2015 تقدر بـ22.812 مليار جنيه، وقبل ثورة يناير كانت 18 مليار جنيه في العام 2010-2011.
وبلغ الإنفاق العام على الصحة في موازنة السيسي 61,8 مليار جنيه، أي ما يعادل نحو 1,2% من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5251 مليار جنيه (يقل عن المعدل الملزم الوارد في الدستور والبالغ 3%)، وهو أدنى معدل إنفاق عام على الصحة، ويقل كثيرا عن المعدلات المناظرة في عهود مبارك والمجلس العسكري والرئيس مرسي والطرطور عدلي منصور.
أيضا بلغ الإنفاق العام على التعليم في موازنة السيسي115,7 مليار جنيه بما يعادل 2,2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى معدل للإنفاق العام على التعليم أيضا في كل العهود، وأقل كثيرًا من النسبة الملزمة الواردة في الدستور والبالغة 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
تقتير هنا وإسراف هناك
وهذه النسب المتدنية والتقتير في موازنة الصحة والتعليم مقابل التبذير في موازنة الجيش والأجهزة الأمنية، تعكس أولويات سلطة الانقلاب ونظرتها لدور الدولة في الرعاية الصحية والتعليمية، بعد قول قائد الانقلاب: “ماذا يفعل التعليم في وطن ضايع”.
وبالمقابل صرف آلاف الجنيهات شهريًا مكافآت لقضاة الانقلاب والعسكريين والشرطة باعتبارهم ثلاثي الانقلاب الداعم لقائد الانقلاب.
أيضًا بلغ الإنفاق العام على الصحة في موازنة السيسي عام 2014/2015، قرابة 1.75% من الناتج المحلى الإجمالي، أي أقل من النسبة التي حددتها المادة 18 دستوره للإنفاق العام على الصحة، بألا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وحتى موازنة 2017/2018، لم يتعد الانفاق على الصحة 4%، وهو نفس المعدل في موازنة العام المقبل 2018/2019، ولم يصل للمعدلات العالمية (12%).
وبلغ معدل الإنفاق على التعليم في موازنة السيسي 2014/2015 نحو 3.9% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يقل عما قرره في دستوره (المادتان 19، 21)، من أن “الدولة ملزمة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”، وحتى موازنة 2017- 2018 لم تتمكن من الوصول إلى المعدلات العالمية للإنفاق على التعليم كما نص الدستور، وظلت النسبة لا تزيد على 4% (المعدل العالمي 4.4%)، ولكن موازنة 2018/2019، تحدثت عن نسبة 8% مأمولة للإنفاق علي التعليم.
وبلغت موازنة قطاع الصحة 61,811 مليار جنيه، في موازنة السيسي (2018/2019)، مقارنة بـ54,923 مليار جنيه العام الماضي، أيا نقصت حوالي 11 مليارا، فيما بلغت موازنة قطاع التعليم 115,667 مليار جنيه، وكانت العام الماضي 107,075 مليار جنيه بسبب تطبيق نظام السيسي التعليمي الجديد.