على طريقة السيسي.. وزير المالية السوداني: عائدات اللحوم للجيش وأموال الطيران لأبو ظبي!

- ‎فيتقارير
FILE PHOTO: Sudan's Finance Minister Ibrahim Elbadawi speaks during an interview with Reuters in Khartoum, Sudan November 7, 2019. Picture taken November 7, 2019. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah/File Photo

على طريقة الانقلاب العسكري في مصر الذي حوّل مصر إلى عزبة للعسكريين وأصحاب البيزنس الجدد، الذين يرعون نظام الانقلاب من الأذرع المخابراتية والفرق العسكرية والمليشيات التي سطت على اقتصاد مصر، منذ انقلاب يوليو 2013، قال وزير المالية السوداني: إن عائدات اللحوم التي تصدر للسعودية لا تدخل في خزينة الدولة ويستلمها الجيش، بينما عائدات الطيران المدني تستلمها شركة في سويسرا وتحولها إلى بنك في أبو ظبي.

وأثار تصريح الوزير إبراهيم البدوي لصحيفة (التيار) السودانية، استياء الشعب السوداني، حيث أحدثت التصريحات صدمة شعبية، خاصة وأن وزير المالية في الوقت نفسه يطالب برفع الدعم عن الخبز والوقود، في نفس الوقت الذي يصرح فيه بعدم دخول عائدات تصدير اللحوم إلى خزينة الدولة لأنها تتبع الجيش السوداني.

ورسخ ذلك قناعة بوجود اقتصاد تحت إدارة العسكر، بحسب ما ذكر مغردون على موقع تويتر، مؤكدين أن الجيش السوداني يصنع نموذجا مشابها لنموذج الجيش المصري ورئيسه عبد الفتاح السيسي من خلال سيطرته على الاقتصاد السوداني.

200 شركة للجيش

كانت صحيفة التيار السودانية قد أجرت حوارا مع البدوي، أمس الخميس، قال فيه إن الشركة المصدرة للحوم المبردة تتبع للقوات المسلحة، وإن الدولة دخلت في حوارات مع الجيش لمراجعة شركاته التي يبلغ عددها 200 شركة، والتي من المفترض أن تضخ لخزينة الدولة 2 مليار دولار سنويا بسعر صرف الدولار الرسمي.

وعن أموال الطيران المدني، قال البدوي: إن الصناديق عموما مثل صندوق المعاشات وغيرها محمية بقوانين، ومن بينها الطيران المدني أيضا، ولهم لائحة تعطيهم حق الاحتفاظ بعوائد الطيران.

وأوضح أن هناك شركة في سويسرا تستلم أموال الطيران المدني ورسوم الطيران فوق الأراضي السودانية، وتحولها إلى حساب في بنك أبو ظبي.

وقال: "الطيران المدني يرفعون إلينا احتياجاتهم التي نضمنها في الموازنة ولكنهم يصرفونها من الأموال التي يتحصلونها مباشرة من الحساب خارج السودان، ثم يردون إلينا ما يفيض منها.. الحساب ليس تحت ولاية المالية".

وردا على سؤال حول إمكانية أن تضع لجنة ازالة التمكين يدها على هذا الحساب، قال الوزير: "نعم من الممكن أن نلفت نظر لجنة تفكيك النظام ومحاربة الفساد لتضع يدها على الحساب وتختصر الزمن".

عساكر مصر

وكانت دراسة أكاديمية أعدها معهد كارنيجي رصدت ما أسمته "النتائج الكارثية التي تترتب على تغلغل الجيش في نسيج اقتصاد مصر العام والخاص من إنتاج السلع وصولا للمقاولات".

وأوضحت الدراسة، التي نشرها الباحث يزيد صايغ، المشرف على برنامج العلاقات المدنية العسكرية في الدول العربية، يوم 25 نوفمبر 2019، أن الجيش يسيطر الآن على الكثير من اقتصاد مصر ويتغلغل فيه، مشيرا إلى مخاطر هذه السيطرة العسكرية على الاقتصاد المصري، وعواقب تدخل الجيش في كافة مشاريع البنية التحتية، وإنتاج السلع وإدارة الشركات.

وبحسب الدراسة، تم السماح للجيش المصري منذ عقود بالقيام بأنشطة اقتصادية كوسيلة لخفض ميزانية الدفاع الرسمية؛ رغم أن هذه الأمور تنعكس على ميزانية الدفاع التي ظلت كما هي ثم ارتفعت تدريجيًّا.

وكان الهدف من الاقتصاد العسكري أيضا أن يكون وسيلة لتعويض كبار الضباط عن الأجور المنخفضة والمعاشات التقاعدية من خلال منحهم الفرصة للحصول على دخل إضافي ومزايا هامشية، ولكن ظل الحجم الكلي لهذا النشاط الاقتصادي متواضعًا نسبيًا حتى عام 2011.

ومنذ انقلاب عام 2013، عندما تولى الجيش السلطة، حوّل السيسي الاقتصاد العسكري كي يتولى أدوار الإدارة الرئيسية في الاقتصاد المدني، بحيث أصبح للجيش والاقتصاد العسكري السيطرة على سعر الغذاء وأسعار السلع الغذائية، ويتحكم في كافة أوجه الاقتصاد والبنية التحتية. وبحسب الدراسة، شارك الجيش المصري في مشاريع البنية التحتية منذ عقود، ولكن هذه المشاركة كانت متواضعة نسبيًّا، قبل أن يبدأ الجيش بالعمل على استصلاح الأراضي، أي تحويل الصحراء إلى أراض صالحة للزراعة.

ولكن منذ انقلاب السيسي حدث تحول كبير، وباتت سيطرة جنرالات الجيش المصري على مشاريع البنية التحتية هي الأكبر على مستوى العالم، حيث تقدر حاليًا بنحو 370 مليار جنيه مصري، وهو ما يعادل اليوم نحو 24 مليار دولار، وهذا هو السبب في أن الحكومة المصرية مثقلة بالديون.

وحتى انقلاب العسكر على الحكم في عام 2013، كان نشاطه الاقتصادي يعمل على إبقاء الضابط الكبير سعيدًا ومخلصًا للرئيس الموجود في السلطة، من خلال السماح له ببعض الامتيازات، ولكن السيسي كان لديه تصور مختلف.

إذ يتطلع قائد الانقلاب العسكري إلى تعزيز الشرعية السياسية لنظامه محليًّا عبر إشراك الجيش في المشاريع، والظهور أمام الحكومات الغربية والمستثمرين الأجانب على أن مصر تتقدم اقتصاديًّا، ولا يُلقي بالًا للشركات والمؤسسات الاقتصادية المدنية، بل يحتقرها ويقلل من شأنها، وأنه لا يثق إلا بالجيش في أداء المشاريع في توقيت مختصر محدد.

وتقول دراسة كارنيجي، إن هذا لا يعني أن لدى السيسي أو الجيش رؤية اقتصادية، فهو "لا يفهم كيف يعمل الاقتصاد، وكيفية تحقيقه، وكيفية توفير الوظائف والنمو، وكيفية زيادة الإيرادات بطريقة مستدامة"، إذ إن الجيش يتبع الأوامر، وإذا طُلب منه بناء مدينة جديدة في الرمال في مكان ما، فسيبني مدينة جديدة على الرمال (دون أن تكون لها جدوى اقتصادية).

لذلك غرق الجيش في تنفيذ عدد هائل من مشاريع رأس المال غير المنتجة (الفنكوش)، والتي غالبا ما تضر بالعلاقات مع القطاع الخاص؛ بسبب تولي الجيش إدارة هذه المشاريع ومنافسته القطاع الخاص في عمله الطبيعي.

فإنتاج الجيش أشياء مثل الحديد الصلب والإسمنت، يعني مزاحمة الشركات الخاصة التي تهيمن على هذه القطاعات وتعطيلها، لذلك فإن العواقب والنتائج الاقتصادية سلبية للغاية؛ لأن مصر تقترض بشدة لتمويل هذه المشروعات، بينما هناك مشاريع مدنية مثلها بالفعل.

مزايا يحصل عليها الاقتصاد العسكري

ويستفيد الاقتصاد العسكري من هذا البيزنس، فالجيش معفى من الضرائب والرسوم الجمركية؛ بعكس الكثير من الشركات المدنية التي ينافسها في نفس الإنتاج.

ويستفيد الجيش من دوره في التأثير السياسي، وبعده عن تحكم جهاز الدولة فيه، كما يسيطر هؤلاء الضباط العسكريون على وكالة تدقيق الحسابات الحكومية مثل الرقابة الإدارية وغيرها، التي تشرف على مشاريع المدنيين لمنع الفساد، ما يعني إعفاء مراجعة الحسابات العسكرية، وإعطاءها قدرًا معينًا من التغطية القانونية، ما يعزز الفساد.

ولأنه لا يمتلك الخبرة الفنية، يلجأ الجيش دائمًا إلى الشركات المدنية ذات الخبرة الفنية في هذه المشاريع لتنفيذ ما يطلبه ويبقى هو كوسيطٍ؛ لأن أغلب هذه المشاريع لا يمكن للجيش تنفيذها فعليا، ويستغل الجنرالات نفوذهم السياسي في هذا الأمر، ولا يحاسبهم أحد لو فشلت مشاريع (انهيار الطرق بفعل الأمطار وسقوط الكباري بفعل الفساد والتنفيذ السريع وأكل أموال الشركات المدنية ما يدفعها لفبركة المشاريع).

من الذي يحصل على أرباح الاقتصاد العسكري؟

هذا سؤال مهم تطرحه دراسة كارنيجي، مشيرة إلى صعوبة رصد هذا بدقة؛ لأن الحسابات العسكرية المصرية لا تتم مشاركتها مع أي شخص على الإطلاق، ولا يراقب ميزانية الجيش أو مشاريع البيزنس الخاصة به أي شخص.

ويشمل ذلك الميزانية الرسمية، بالإضافة إلى الدفاتر المالية لمختلف الوكالات العسكرية المشاركة في الأنشطة الاقتصادية والتجارية.

ومع هذا يمكن تقدير الأرباح بأنها ضخمة، فالجيش لا يدفع أي رسوم على أيّ من أنشطته، ولا توجد رسوم جمركية على البضائع، وهناك استثناءات قليلة في حالة بعض البضائع التي تنتجها بعض المصانع العسكرية، ويتم إبلاغها إلى وزارة المالية، ويتم دفع بعض الضرائب ومدفوعات التأمينات الاجتماعية.

لكن على خلاف ذلك، فإن الغالبية العظمى من الأنشطة الاقتصادية العسكرية غير خاضعة للضريبة وغير مبلغ عنها أصلا، ولا أحد يعرف حجمها ولا تفاصيلها.

فلا أحد يعرف كم عدد المزارع العسكرية ولا حصة من الأرباح أو الأرباح كيف يتم احتسابها، لأنها ليست دائمًا حصة معينة من الأرباح ويتم توزيعها على كبار المسئولين العسكريين بجانب الضباط العاملين في هذه المشاريع.

فلا أحد يعرف الأرقام الدقيقة، ولا توجد أدلة كافية من مصادر مختلفة تعطي مؤشرات عن حجم بيزنس الجيش.

والأخطر من ذلك أن مشاريع الجيش لا يستفيد منها أي من المصريين المدنيين، فلا دخل يأتي إلى الجيش يعود إلى الجهات الحكومية المدنية، وإنما كل شيء يذهب إلى خزينة الجيش.