إذا كان مسلسل “الاختيار” لا يزيف الحقائق في سيناء.. فلماذا يستمر الإرهاب؟

- ‎فيتقارير

“لو الجيش المصري فيه الروح اللي في مسلسل الاختيار دي كنا مش قضينا على الإرهاب اللي بقالوا سبع سنين وأكتر.. لا ده إحنا كنا حررنا فلسطين من يد الصهاينة”.. عبارة جاءت على لسان أحد الناقدين لمسلسل “الاختيار”، والذي يعرض على شاشات الفضائيات التي تديرها المخابرات العامة، والغرض منه غسيل سمعة الجيش الي لطخها السفيه السيسي والمجلس العسكري.

ويقول بيتر ميمي، الذي كلفته المخابرات بإخراج مسلسل الاختيار، في تغريدة رصدتها (الحرية والعدالة): “رجاء اللى يعرف حد من أهالى شهداء حادث البرث يقنعه ميتفرجش على حلقة بكرة (حلقة ٢٨)، أنا بعتذر مبدئيا على صعوبة الحلقة، أنا حاولت قدر المستطاع أقلل بشاعة اللى حصل بس فى نفس الوقت كان لازم الناس كلها تعرف إنهم أبطال، ووقفوا ودافعوا عن الأرض والكمين وزمايلهم لآخر نفس”.

المنسي أم الجمبري؟

يتناقض مسلسل الاختيار جملة وتفصيلاً مع تلك الصورة الذهنية التي رسخها السفيه السيسي عن الجيش في أذهان المصريين، منذ انقلاب 30 يونيو الأسود عام 2013، حين يقف أحد الضباط أمام ثلاجة مؤديا التحية للسفيه وكبار جنرالات العصابة العسكرية، وهو يصيح مُعرّفا نفسه قائلا: “رائد مقاتل أحمد سامي قائد خط الجمبري يا أفندم”، وذلك أثناء افتتاح مزرعة بركة غليون للأسماك بمحافظة كفر الشيخ إحدى مشاريع الجيش الجديدة.

فكيف وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة؟ وكيف أصبحت مؤسسة الجيش العريقة التي كان المصريون يفتخرون باسمها وببطولات أبنائها ويحلم أبناؤهم بالانضمام إليها مادة خامًا للتندر والسخرية، بعد أن حوّلوها إلى إمبراطورية اقتصادية ضخمة تُنتج كل شيء إلا السلاح!.

ويتسع نطاقها بين مصانع الإسمنت والحديد وحتى بيع الخضروات والفواكه، مرورا بصالات الأفراح ومعالف العجول ومزارع الأسماك، في الوقت الذي تُحيط بالمصريين الأخطار من كل جانب، شرقا من عصابات يقال عنها “إرهابية” ويحيط الغموض نشأتها، استطاعت النَيْل من عشرات بل مئات من الجنود والضباط، وغربا حيث سيل جارف من عمليات قتل الجنود والضباط والسلاح المهرّب، وجنوبا حيث أصبح النيل شريان حياة هذا البلد في بؤرة الخطر وأصبح الشعب مُهددا بالعطش والفقر المائي.

وبينما رجل الشارع يُطالع أخبار إسناد عملية إنشاء 625 ملعبا لكرة القدم لوزارة الإنتاج الحربي وجهاز المخابرات العامة، وتدشين القوات المسلحة لمزارع السمك ومصانع لبن الأطفال، وإعلان “وزارة الإنتاج الحربي” طرح ثلاجات ومجمّدات في الأسواق، متسائلا ما الحربي في هذه المنتجات لتنتجه وزارة الإنتاج الحربي؟، تتناقل وكالات الأنباء الأخبار عن تطوير كيان العدو الصهيوني لدبابات آلية عبارة عن روبوتات يتم التحكم فيها عن بُعد لاستخدامها في الحروب والمهام القتالية للحفاظ على أرواحهم.

وبينما كانت المواقع تُعلن عن إنشاء قنوات فضائية بمئات الملايين لحساب أجهزة المخابرات المصرية، يعلن جهاز الموساد عن إنشاء صندوق استثماري في شركات التكنولوجيا عالية التطور التي تعمل في تحسين أنشطته التجسسية تحت اسم صندوق “ليبرتاد” لدعمها، مؤكدين  أنه لن يكون شريكا مباشرا وإنما مستثمرا يحق له استخدام الخدمات التي تُنتجها تلك الشركات مع احتفاظ أصحابها ومديريها بالإدارة والملكية الفكرية.

وفيما يعمل العدو التاريخي للمصريين على تطوير قدراته العسكرية وأنظمة التجسس على المصريين، انشغلت عصابة الانقلاب عن عمد بالتجارة والمشاريع المربحة وتسخير الضباط والجنود في أعمال ووظائف لم تُخلق لهم، ولم تُفتح الكليات والمعاهد العسكرية من أجلها، ولم يدفع هؤلاء الجنود شهورا وأعواما من أعمارهم في تجنيد إجباري في سبيلها، وبينما يعطي الفنان “أمير كرارة” بطل مسلسل الاختيار والذي يقوم بدور الضابط “منسي”، يتناقض المشهد 180 درجة لضابط آخر في الواقع وليس التمثيل، يصيح مُعرّفا نفسه بأنه قائد خط الجمبري أو قائد خط السمك، بدلا من أن يكون واقفا على الحدود يحمي هذا الوطن ويدافع عنه مؤديا دوره الطبيعي المشرّف داخل مؤسسة تُعرف بأنها مؤسسة للدفاع وليست للتجارة.

مخطط “صفقة القرن”

أما بخصوص استمرار مطحنة قتل وتهجير أهالي سيناء بحجة القضاء على الإرهاب، فالمثل يقول “فتش عن المستفيد” وتلك هي القاعدة الذهبية عند مناقشة أسباب ونتائج أي حدث على الساحة السياسية لأي دولة أو منطقة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالحوادث الإرهابية التي تخلف وراءها عددا كبيرا من القتلى والجرحي.

الشيء الملفت للنظر هو التسلسل والتتابع المكاني للمناطق المستهدفة بالتفجيرات والهجمات الإرهابية في سيناء منذ انقلاب السفيه السيسي، فقد بدأت في رفح الملاصقة للحدود الفلسطينية ونتج عنه تفريغ المنطقة وإعلانها منطقة عازلة وتهجير أهلها، ثم انتقلت شمالاً للشيخ زويد ثم مدينة العريش، والآن بئر العبد، وهو ما يدفع بقوة في اتجاه أن كل هذا يقع ضمن مخطط “صفقة القرن”.

وهى الصفقة الرامية لتوطين الفلسطينيين في شمال سيناء “مشروعي يوشي وآيلاند” عبر صفقة تبادل أراض، بحيث يتم تنازل مصر عن مساحة محاذية لقطاع غزة في شمال سيناء مقابل الحصول على نفس المساحة من أراضي جنوب صحراء “النقب”.

ومما يقوي هذه الفرضية هو إعلان “محمد دحلان”، خلال لقاء له على إحدى القنوات المصرية في مارس 2014، عن وجود عناصر تابعة له تعمل داخل سيناء وتتحرك بغطاء سيادي مصري بعد خروجها من قطاع غزة واستقرارها في سيناء بعد دخولهم إلى هناك منذ سنوات إثر الاقتتال بين فتح وحماس داخل قطاع غزة.

ولم يتم نفي هذا من الدوائر الرسمية المصرية وتم تغييب هذا الأمر حتى يومنا هذا، ويرتبط بهذا أيضا أن السبق الإعلامي والإخباري حول ما يحدث في سيناء “المغلقة أمام كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية عدا تلك التابعة لجهاز الشئون المعنوية للقوات المسلحة”، يتم عبر إحدى القنوات الإخبارية التي تبث من دولة “الإمارات العربية المتحدة” لدرجة أنه حتى المواقع الإخبارية والصحف التابعة والمقربة من سلطة الانقلاب تقوم بنقل أخبار وتفاصيل ما يحدث في سيناء، وخصوصا الهجوم الأخير، منسوبة لتلك الشبكة الإخبارية غير المصرية، وهو أمر له دلالته التي لا يمكن إنكارها.

الأمر الأخير هو أن النظام الانقلابي الذي بدأ حكمه بمجزرة مروعة نتج عنها قتل وحرق المئات من المصريين في “رابعة” و”النهضة”، سيستفيد من الأمر لأقصى حد وعلى كافة الأصعدة داخليا وخارجيا.