الإفتاء المصرية.. طابونة عسكرية يديرها مصدر مجهول!

- ‎فيتقارير

"انتقاء.. مجاملة.. طناش".. هكذا يرى المراقبون للمشهد الفقهي السياسي في مصر منهجَ دار الإفتاء خلال الفترة الماضية، فمن إغفالٍ تامٍ لتكفير معارضي انقلاب العسكر ودعوات قتلهم واستحلال أموالهم، إلى مسارعة لمجاملة الطاغية السفيه عبد الفتاح السيسي وإسباغ التأييد الفوري على كل تصرفاته، تبقى مصداقية المفتي أو الفقيه على محك التطورات السياسية، وورقة شجر تحركها نسيم ذهب المعز ورياح سيفه.

وأصدرت دار الإفتاء في حكومة الانقلاب بيانا جديدا، تحاول فيه إصلاح الفضيحة التي وقعت بها أمس ووضعتها في حرج كبير، حيث وصفت فتح “القسطنطينية” عام 1453، بأنه احتلال عثماني، مما أثار حالة من الجدل الكبير والهجوم على دار الإفتاء، ما دفعها للتراجع عن فتوى أمس الأحد، وتفصيل فتوى جديدة.

مؤسف وقبيح

من جهته قال رئيس الشئون الدينية في تركيا، علي أرباش، إن “وصف دار الإفتاء المصرية فتح القسطنطينية بالاحتلال العثماني مؤسف وقبيح ومخالف للمعتقدات والأخلاق الإسلامية والحقائق التاريخية”.

وحسب بيان صدر عن الشئون الدينية، استنكر أرباش الوصف المصري، مؤكدا أن فتح القسطنطينية هو “نتيجة صراع من أجل الحرية والعدالة والرحمة".

وأضاف أن الفتح يعبر عن المثالية والأخلاق العظيمة في الفكر الإسلامي، وأن غزو إسطنبول هو فتح سعيد كان من نصيب السلطان محمد الفاتح وتنبأ به نبينا الحبيب الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الشريف.

ووصف أرباش ما صدر عن دار الإفتاء، المؤسسة التابعة للدولة في مصر، بـ”المؤسف والقبيح”، مشددا على إدانته هذا الوصف الشنيع، وتابع “أنتظر من مسئولي الدولة استيفاء المتطلبات القانونية والأخلاقية لهذا التزييف للحقائق المُشوه للذاكرة المشتركة للمسلمين على وجه الأرض وإلا سيُدانون تاريخيا".

وكانت "دار الإفتاء" قد قالت في فتوى، إن العثمانيين احتلوا القسطنطينية المعروفة الآن بإسطنبول، عام 1453، وحولوا كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد بعد 916 سنة من اعتمادها ككنيسة، وبالعالم 1934 تم تحويلها لمتحف بموجب مرسوم صدر في ظل الدولة التركية الحديثة.

وهاجمت دار الإفتاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بيانها، وزعمت أنه يستخدم ورقة المساجد في الداخل التركي، بهدف المكاسب السياسية وإنقاذ شعبيته المترنحة نتيجة وباء كورونا والانهيار الاقتصادي لبلاده.

البيان الجديد الذي صدر الاثنين، وقوبل بسخرية واسعة بسبب تراجعها وكأن من يديرها ضابط مخابرات وليس رجل دين، قالت فيه دار الإفتاء: “أكدنا مرارا وتكرارا، بالوثائق والمؤشرات والأدلة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواصل استخدام سلاح الفتاوي لتثبيت استبداده في الداخل باسم الدين وتبرير أطماعه في الخارج باسم الخلافة المزعومة”.

وتابعت دار الإفتاء في تغريدتها: “أما ما يتعلق بفتح القسطنطينية فهو فتح إسلامي عظيم، بشر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وتم على يد السلطان العثماني الصوفي العظيم محمد الفاتح، أما أردوغان فلا صلة له بمحمد الفاتح”.

وكانت دار الإفتاء قد هاجت تركيا وقالت إنها تلعب دور دنيئا بقيامها بمساعدة “الإرهابيين” بالإشارة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، خصوم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، والتي حققت إنجازات كبيرة في المعارك المستعرة بينهما في ليبيا منذ شهور طويلة.

وكان وصف دار الإفتاء لفتح القسطنطينية بالاحتلال، أثار جدلاً بين المصريين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض البيان مكايدة سياسية من مصر تجاه تركيا.

مصدر مجهول

وكثيرا ما تقع المؤسسات الدينية التي يسيطر عليها العسكر في التناقض الشاذ، ومنها القضية التي تفجرت في وقت سابق بفتوى صدرت عن دار الإفتاء منسوبة إلى مصدر إعلامي مجهول ولم يسمع بها أحد، جاء في نصها: "حذرت دار الإفتاء المصرية من الفتاوى المتطرفة التي تدعو إلى تكفير قوات الأمن وتحريم الصلاة على من استشهد منهم أثناء تأدية عملهم، مؤكدة أن مثل هذه الفتاوى الشاذة خطر على الأمة وتوقع المرأ في إثم التكفير".

الغريب أن "الإفتاء" لم تذكر اسم الموقع التكفيري لنتأكد من صحة نسبة هذه الفتوى التكفيرية إليه، خاصة أنه لم يسمع بها أحد، والأغرب أنها غضت الطرف عن فتوتين صدرتا في نفس التوقيت، أولهما لخطيب الأوقاف المخبر "مظهر شاهين" حيث قال فيها بالنص: "الزوجة الإخوانية قنبلة موقوتة نائمة في بيت زوجها، ولو تعارضت مصلحتي الشخصية مع مصلحة وطني تكون مصلحة الوطن أولاً، ولو تعارضت مصلحة زوجتي مع المصلحة الوطنية يبقى بلدي الأول، هذا يسمونه فقه الأولويات، ويعني أن أضحي بمراتي ولا أضحي بمصر، بشرط أن يعطيها حقوقها، بما يرضي الله، فإذا ما تبرأت تلك الزوجة الإخوانية من انتماءاتها لجماعة إرهابية فأهلاً بها وسهلاً في بيت زوجها، أما إذا استمرت على ما بداخلها من أفكار إرهابية متطرفة ضد الوطن وضد الدين فقد وجب طلاقها، وتروح تقعد مع أبوها".

شاهين، عندما عارضه بعض العلماء– وليس دار الإفتاء المنوط بها بيان حكم الشرع في القضايا التي تمس الأمن الاجتماعي للوطن- تراجع نسبيًا عنها برر فتواه، بالقول: "إن شرط طلاق الزوج لزوجته إذا اكتشف أنها إرهابية أن يعرض عليها التوبة والعودة إلى الوطنية والتخلي عن الأفكار الإرهابية أولاً.. فإن تابت وأنابت وعادت إلى رشدها فلا يطلقها.. وإن أبت إلا أن تشارك في القتل والإرهاب فقد بانت خيانتها للوطن وباتت في عرف القانون مجرمة وفي حكم الشرع فاسدة، وهذا يشكل خطرًا على الأسرة والمجتمع".

"فتوى" شاهين تزامنت مع ما أفتت به الدكتورة سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بجامعة الأزهر سابقًا، بفسخ خطبة الشاب من خطيبته إذا كانت تنتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، بدعوى الحفاظ على الأسرة والدين ولمصلحة العائلة والوطن.

سعاد صالح، ردت على اتصال وردها من إحدى السيدات تشكو فيه من إصرار نجلها على الارتباط بإحدى فتيات "الإخوان" التي شاركت في اعتصام رابعة وتخرج في مظاهراتهم، قائلة: "إن "الفكر الإخواني هو فكر مسمّم ويضاد صحيح الدين، والضرر الأخف يزال بالضرر الأشد، وطالما أنه لم يتزوجها فله أن يفسخ خطبته بها، حفاظًا على الأسرة، لأنها ستجلب له كثيرًا من المشاكل مع والديه وعائلته، علاوة على أنه سيؤثر على الأطفال بعد ذلك".

الغريب أن استنكار مثل هذه الفتاوى جاء من أحد الدعاة المؤيدين لانقلاب 3 يوليو، وهو الشيخ خالد الجندي الذي قال إن هذا الكلام ليس بفتوى ولكنه رأي شخصي، متسائلاً: الإسلام أباح الزواج بالنصرانية المختلفة معك في الملة، فكيف لا يبيح الزواج بالمرأة المختلفة معك في الفكر السياسي؟

فتاوى الدم

وفي الوقت الذي حرصت فيه دار الإفتاء على مطالبة المصريين بعدم بث روح الفتنة وضرورة تحمل مسئولية المرحلة الحساسة التي يمر بها الوطن، والتي تحتاج لتكاتف جميع أبنائه على اختلاف توجهاتهم، فإنها التزمت الصمت التام حيال فتاوي التكفير الصريح التي صدرت من منتسبين للأزهر، مثل فتوى مظهر شاهين التي وصف فيها جماعة الإخوان المسلمين بأنها تنظيم مرتد، ولا تجوز الصلاة على أعضائه ولا دفن قتلاهم في مدافن المسلمين، وأن وفاة رئيس وزراء العدو الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون هي وفاة للتنظيم في مصر!.

ولم نسمع صوتًا للمفتي يستنكر ما قاله "على جمعة" من تحريض صريح على قتل المعارضين، حينما قال، في فيديو بثته إدارة الشئون المعنوية في الجيش المصري: "الإخوان خوارج هذا العصر.. اضرب في المليان، إياك أن تضحي بجنودك".

ثم أردف قائلا: "طوبي لمن قتلهم أو قتلوه، يجب أن نطهر مدينتنا ومصريتنا من هؤلاء الأوباش، إننا نصاب بالعار منهم ويجب أن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب ورائحتهم نتنة في الظاهر والباطن".