محمد عايش يكتب: الثورات لم تنتهِ والشعوب لن تفشل

- ‎فيمقالات

القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد والتي اعتبرها أغلب المستقلين انقلاباً على الدستور والمؤسسات الشرعية أشاعت موجة جديدة من التشاؤم في الشارع العربي، وأعطت لكثير من المتابعين العرب انطباعاً بأن ثورات الربيع العربي فشلت تباعاً بينما نجحت الثورات المضادة في تحقيق مرادها.
وما أشاع مزيداً من التشاؤم حيال ما جرى ويجري أن تونس كانت مركز انطلاق ثورات الربيع العربي ومهد شرارتها الأولى في العام 2011، كما أنها كانت الى حدٍ كبير نموذجاً لديمقراطية وليدة ناجحة، إذ بدأ الناس يشعرون بالتحول الديمقراطي نتيجة إطلاق الحريات الصحافية وإتاحة الحق للناس في التعبير عن آرائهم والمشاركة في الحياة السياسية عبر الانتخابات وعبر الأحزاب وغير ذلك، وظل هذا المناخ سائداً طيلة السنوات العشرة الماضية وعلى الرغم من كل الأزمات التي مرت بها البلاد.
واقعُ الحال أنَّ ما حدث في تونس يُشكّل انتكاسة أكيدة للمسار الديمقراطي في البلاد وانتكاسة للحياة السياسية عموماً، كما أنه يشكل ارتدادا عن مسار ثورة الياسمين التي أطلقت الحريات العامة وأعادت للشعب التونسي سيادته بعد أن تخلص من نظام الاستبداد، كما أن ما حدث يشكل عودة إلى هيمنة الرجل الواحد على السلطات الثلاث، وهذا كله يُشكل بلا شك منبعاً للإحباط على مستوى العالم العربي ككل.
حالة الاحباط والتشاؤم هي رد الفعل الطبيعي لأي انتكاسة من هذا النوع، لكن المهم هو أن هذه الانتكاسات لا يمكن أن تكون نهاية الطريق، ولا يمكن بالتأكيد العودة التامة إلى مرحلة ما قبل ثورات التحرر العربي، إذ أن ما يجري هو الحركة الطبيعية والمنطقية للشعوب، وهي حركة تشهد صعوداً وهبوطاً بين الحين والآخر، وتشهد ارتدادات متباينة، لكن الارتداد ليس نهاية المطاف.

المؤكد أن ما حصل في تونس ودول عربية أخرى هو النتيجة المنطقية لوجود المنتفعين من الأنظمة المستبدة السابقة والذين لم يتم اقتلاعهم من الحياة السياسية، كما أن هذه الدول تحتضن أنظمة عميقة لها امتدادات خارجية وتحالفات مع الأنظمة المستبدة الأخرى التي لم تسقط في العالم العربي، وهؤلاء يعملون جميعاً من أجل التصدي لحركة الشعوب وإفساد تحررها.
لكنَّ واقع الحال هو أنَّ الثورات العربية لم تفشل وطريق التحرر لم يصل الى نهايته والتجارب التاريخية تشهد على ذلك؛ إذ أن الثورة الأمريكية استمرت 18 عاماً قبل أن يبدأ أبناؤها بحصاد ثمارها، والثورة الفرنسية استمرت 10 سنوات قبل أن يبدأ الفرنسيون بالتحرر من الاستبداد. وثمة أمثلة أخرى عديدة لحراكات شعبية استمرت سنوات قدمت خلالها الشعوب الكثير من التضحيات لكنها انتهت في نهاية المطاف إلى تحقيق حرية الناس والاستقرار على ما يجتمع عليه الضمير الجمعي لهم.
السُنَّة البشرية الثابتة هي أن الشعوب، التي تريد حريتها، يجب أن تدفع التضحيات اللازمة ثمناً لذلك، كما أن قوى الشد العكسي والطابور الخامس والمثبطين يتواجدون دوماً في كل حركة بشرية جماعية للتغيير، وهذا معناه أن ما حدث من موجات ردة عن «الربيع العربي» وثورات مضادة وموجات ارتماء في أحضان الإسرائيليين عبر اتفاقات التطبيع للحصول على الحماية الخارجية من أي تغيير، كل هذا هو حركة طبيعية في مسار تغيير حاصل لا محالة.
والأهم من ذلك أن من ينظر نظرة استراتيجية شاملة وجامعة لما يجري في منطقتنا العربية يجد بأن الحال تسير في مجملها نحو الأفضل وليس الأسوأ على الرغم من الانتكاسات المرحلية، إذ من الناحية الاستراتيجية تشهد منطقتنا فشلاً للسياسات الأمريكية وانكفاءً، فقد فشل احتلال العراق وفشل احتلال أفغانستان، وكان العرب حتى ما قبل سنوات قليلة من القرن الحالي لا يحلمون بأي تحول ولا أي حركة جماعية، فإذا بثورات الربيع العربي تخترق جدار الصمت وتبدأ الانتفاض على أنظمة الاستبداد التقليدية.
وبينما تنكفئ الولايات المتحدة وتفشل في منطقتنا العربية، وتتساقط الأنظمة المستبدة واحداً تلو الآخر، فإذا بمعادلة الصراع في فلسطين، التي هي قلب المنطقة، تتبدل بصورة كاملة خلال الحرب الأخيرة، ما يعني أننا أمام واقع جديد على كل المستويات في منطقتنا العربية.
وخلاصة القول هنا إن انتكاسة تونس لا يمكن أن تكون نهاية الطريق، كما أن الدول والأنظمة التي تظن أنها تستطيع مجابهة الشعوب ووقف مدها الثوري بواسطة شراء الذمم بالأموال والتأثير عبر جيوش الكترونية ورأي عام مزور ومفتعل سوف تنتهي بكل تأكيد إلى الفشل الكامل.. والأيام المقبلة كفيلة بإثبات ذلك.

……………

نقلا عن "القدس العربي"