الحركة الإسلامية والصوفية.. الفصام النكد

- ‎فيمقالات

مع انطلاق ظاهرة الصحوة الإسلامية في السبعينات في مصر والعديد من دول المنطقة كان جزءا أساسيا من مظاهرها الصدام المستمر مع الصوفية تحت عنوان مواجهة البدع والخرافات، فتم هدم العديد من أضرحة الأولياء، والاعتداء على بعض الموالد الصوفية وعلى رأسها المولد النبوي الشريف وموالد مشاهير الأولياء، كانت تلك الصدامات توفر انتصارات رمزية للجماعات الإسلامية، وتمنحها مساحات اجتماعية جديدة على حساب الصوفية التي عانت انكماشا منذ تلك الفترة بعد عزوف الشباب عن الانضمام لها..

بالتأكيد كانت ولا تزال هناك الكثير من البدع والخرافات التي ينبغي محاربتها، ولكن ليس كل الصوفية بدع وخرافات.

وبالتأكيد لم يكن الصدام الخشن هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة تلك الخرافات، بل كانت الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة هي الطريق الصحيح لذلك.

وبالتأكيد ارتبطت غالبية الطرق الصوفية بالنظام الاستبدادي في مصر منذ الخمسينات وحتى الآن، ولكن هناك من الطرق أو الشخصيات الصوفية من واجهوا الاستبداد، وتقدموا صفوف الجهاد، ودفعوا ثمنا لذلك سواء في مصر او غيرها من البلدان، والتاريخ حافل بالأسماء.

ما ألهب المعركة بين الحركة الإسلامية (خاصة مكونها السلفي) والطرق الصوفية هو ذاك الفكر الوهابي القادم من صحراء نجد، والذي سجل انتصارا مبكرا على الصوفية في الجزيرة العربية مدعوما بالسيوف.

الإخوان والتصوف:
الصوفية الحقة هي تلك الخالية من البدع والخرافات، ويغفل الكثيرون أن الحركة الإسلامية الأم في مصر واقصد جماعة الإخوان المسلمين لم تكن في حالة صدام مع الصوفية، بل اعتبرت نفسها “حقيقة صوفية” ضمن تعريفها لنفسها (دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية…”

وقد كان مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا نفسه عضوا بالطريقة الحصافية الصوفية، وقد ظهرت بعض التأثيرات الصوفية على مناهج التربية في جماعة الإخوان المسلمين، سواء في بعض الأوراد (الوظيفة الصغرى والوظيفة الكبرى وورد الرابطة)، أو التدريب على مجاهدة النفس، كانت الجماعة بوتقة يتجاور فيها المنهجان السلفي والصوفي، ولم تكن بدعا في ذلك بين الجماعات والحركات والأحزاب الإسلامية الكبرى، فجماعة التبليغ والدعوة، والتي تنتشر في العديد من الدول، وأسس فرعها في مصر الراحل الشيخ إبراهيم عزت هي أقرب الجماعات الإسلامية إلى روح الصوفية الحقة، بحكم اهتمامها بالجانب العبادي وتزكية النفوس، مع عدم التعرض للشأن السياسي بالمرة، والجماعة الإسلامية في الهند ومؤسسها الشيخ أبو الحسن الندوي كانت كذلك، كما أن الحركة الإسلامية الأفغانية بجناحيها (القديم ممثلا في جماعات المجاهدين ضد الغزو السوفيتي أو الجديد ممثلا في حركة طالبان متأثرون نسبيا بالصوفية، وحركة مللي جروش التركية التي انبثق منها حزب أربكان ومن بعده أردوغان هي كذلك أيضا، وما يجدر ذكره هنا أن عدوان داعش على مسجد الروضة شمال سيناء في 24 نوفمبر 2017 والذي راح ضحيته 300 مصلي أثار غضبا كبيرا في أوساط الإسلاميين الأتراك الذين استنكروا هذا العدوان الذي استهدف المسجد كونه مركزا للصوفية.

الطرق الصوفية والاستبداد

من الطبيعي أن تسعى الأنظمة الاستبدادية لاستمالة الطرق الصوفية وتوظيفها لتبرير سياساتها، ولكن ليس من الطبيعي أن تدفع الحركات الإسلامية تلك الطرق للارتماء أكثر في أحضان السلطة خوفا من المغارم أو حتى طلبا للمغانم، لقد استغلت الأنظمة الاستبدادية العربية ومراكز الأبحاث الغربية المعادية للظاهرة الإسلامية (مثل مركز راند الأمريكي) هذا الفصام النكد لضرب الجماعات الإسلامية بالطرق الصوفية، بهدف القضاء على الإسلام السياسي كمرحلة أولى لتعقبه بعد ذلك مرحلة القضاء على الصوفية نفسها حتى لا يبقى للإسلام أي قوى منظمة تدافع عنه.
في مواجهة ظاهرة التفلت من القيم والأخلاق الإسلامية تحتاج مصر إلى حوار تتبعه هدنة يلحقها تعاون لا حروب بين الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية، فالمعركة كبيرة، وأطرافها نافذة، وأخطارها واضحة، والأزهر هو المؤسسة القادرة على ترتيب هذا الحوار وعقد تلك الهدنة والتعاون حيث يضم شيوخا كبارا ينتمون للفريقين (السلفي والصوفي)، فهل يفعلها؟؟

……………

نقلا عن "الجزيرة مباشر"