بعد بيان حكومة الانقلاب.. السيسي يسحق الشعب بقطار الخصخصة

- ‎فيتقارير

لا يمكن وصف بيان مجلس وزراء الانقلاب الصادر الإثنين 15 نوفمبر 2021م إلا بأنه قفزة استثنائية وغير مسبوقة في تكريس وفرض الخصخصة والعودة بقطارها في التسعينات إلى الانطلاق بأقصى مدى ممكن؛ إذعانا وترجمة لإملاءات صندوق النقد الدولي من جانب نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي، رئيس الانقلاب العسكري.

ويدعي البيان أن دراسة أعدها مركز معلومات مجلس وزراء العسكر، اقترحت «مجموعة من الآليات لتمكين القطاع الخاص، منها تحديد القطاعات الرئيسية التي ستستمر بها الدولة، والقطاعات التي ستخرج منها، والقطاعات التي سيتم الخروج التدريجي منها، إلى جانب إعادة إصلاح القطاع العام من خلال الإبقاء على الشركات الكبرى في القطاعات الاستراتيجية والأكثر أولوية، والتخلي عن الشركات في القطاعات الأقل أولوية».

الخطوة ــ بحسب متخصصين ــ قد تمثل تغيرًا كبيرًا، في سياق الخصخصة، لأن الإعلان عن تخارج الدولة من قطاعات المرافق، يستلزم تعديلات تشريعية، في حين أن الإطار التشريعي الحالي يسمح فقط بنقل ملكية شركات قطاع الأعمال للقطاع الخاص»، وتبعًا لتقرير الصندوق، تمتلك الدولة أكثر من 300 شركة من ضمنها شركات تندرج تحت قطاع الأعمال العام، والقطاع العام، وشركات مملوكة للقوات المسلحة، وما يقرب من 645 شركة أو مشروع مع القطاع الخاص، بالإضافة إلى 53 هيئة اقتصادية. كما أن بيان الحكومة الجديد يصطدم بحقائق على الأرض مفادها أن نظام السيسي تباطأ للغاية في كل ما أعلنت عنه من توجهات شبيهة، بدءًا من الإعلان عن برنامج طروحات لشركات حكومية لم يُنفذ منه إلا جزء بسيط، والإعلان عن طرح شركات تابعة للقوات المسلحة أمام القطاع الخاص وهو ما لم يحدث».

 

إذعان لصندوق النقد

وبحسب موقع "مدى مصر"،  فإن الملفت للنظر، هو أن ما خلصت إليه الدراسة يمثل تقريبًا نفس ما أوصى به صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في يوليو الماضي"2021"، عن المراجعة النهائية للاتفاق مع الحكومة المصرية (الانقلابية) العام الماضي، إذ دعا صندوق النقد وقتها الحكومة المصرية إلى «تحديد قطاعات اقتصادية بعينها يمكن أن تلعب فيها الشركات أو الجهات المملوكة للدولة دورًا، على نحو يسمح بتخارج الدولة من قطاعات أخرى» وبالتالي المزيد من المكاسب المتعلقة بدخول القطاع الخاص إلى تلك القطاعات وزيادة انتاجيتها.

ويرى مراقبون ومتخصصون في الاقتصاد أن بيان الحكومة الأخير ما هو إلا تلبية لشروط صندوق النقد الدولي، تصفه الحكومة بالتعاون المثمر بين الطرفين، في إطار ما يسمى بــ«برنامج الإصلاح الاقتصادي»، وبحسب سارة سعادة، محللة الاقتصاد الكلي في «إتش سي» لتداول الأوراق المالية والاستثمار، فإن «الجزء الأول من البرنامج ارتبط بالسياسات المالية على مستوى ضغط النفقات وزيادة الإيرادات في الأساس لمعالجة عجز الموازنة (للأسف لا يزال عجز الموازنة قائما ولم يتم معالجته)، والجزء الثاني من البرنامج ارتبط بصورة عامة بسياسات الإصلاح الهيكلي المرتبطة بمجال عمل القطاع الخاص وتشجيعه، وهو ما يبدو واضحًا هنا انعكاسه في التوجه الذي يعلن عنه الآن بتخارج الحكومة من قطاعات اقتصادية كاملة».

وبما أن حكومة السيسي تسلمت كل أقساط القرض الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي"2020" مع الصندوق(7.8 مليار دولار)، فالإعلان عن تخارج الدولة من قطاعات بعينها بالرغم من ارتباطه باتفاق مع الصندوق يعد إذعانا لإملاءات صندوق النقد وترجمة مباشرة لشروطه، على خلاف الوضع في التسعينيات، مثلًا، مع نشأة برنامج الخصخصة في ذلك الوقت «الذي جاء بتكليفات من البنك الدولي والصندوق معًا، وبناء عليه يتم شطب نصف المديونية الخارجية، ضمن اتفاق اشترط التخلص بالبيع من شركات عامة أي كانت الأسباب»، وهو الاتفاق الذي عرف في  التسيعنات باتفاق التكيف الهيكلي.

 

أهداف نظام السيسي

ويستهدف نظام السيسي من هذه الخطوة تمكين الشركات الأجنبية والقطاع الخاص من قطاعات مهمة في الاقتصاد المصري كمرافق المياه والكهرباء والنقل والشحن والسكة الحديد وغيرها من القطاعات المهمة التي تحقق أرباحا طائلة للحكومة. وبالتالي يريد السيسي تخفيض العبء المالي عن حكومته فيما يتعلق بالإنفاق على تلك القطاعات التي تنوي التخارج منها بما يسمح للدولة بإنفاق المزيد على القطاعات التي تنوي البقاء فيها والاستثمار فيها وعلى رأسها البنية التحتية على الأرجح(المدن الجديدة)، والسماح بتدفق استثمارات أجنبية على تلك القطاعات في حال طرحت أصولها للاستحواذ بأي آلية من ناحية أخرى».

وارتبط الاتفاق بين حكومة الانقلاب وصندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016 بإجراءات تقشفية من قبيل رفع ضريبة الاستهلاك وخفض دعم المواد البترولية ودعم الكهرباء وتقليص الإنفاق الحكومي على الأجور عبر قانون الخدمة المدنية. وفي المقابل جاء الاتفاق مع الصندوق العام الماضي "2020" مرتبطًا بإجراءات تتعلق بما يسمى الإصلاح الهيكلي والتشريعي المرتبط بالقطاع الخاص. وفي المقابل، كان اتفاق عام 2016 قد تضمن فيما يتعلق بالخصخصة مجرد طرح أنصبة في عدد من الشركات الحكومية، بينما يأتي التوجه المعلن عنه اليوم متضمنًا تخارجًا الحكومة والدولة من قطاعات كاملة لحساب رجال الأعمال والشركات الأجنبية العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات.

الموالون للقطاع الخاص ومستشارو شركاته الذين يتقاضون مرتبات خيالية، يرحبون بالخطوة الحكومية ويصفونها بالإيجابية، وبحسب هاني توفيق، الرئيس السابق لجمعية الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن مجرد الإعلان عن خروج الدولة من قطاعات كاملة في الاقتصاد يمثل خطوة غير مسبوقة في تاريخ الخصخصة في مصر منذ التسعينيات وحتى الآن، على نحو يبدو وكأننا نبدأ مرحلة جديدة استثنائية. ويرى توفيق أن خروج الدولة من قطاعات بأكملها هي خطوة إيجابية من حيث المبدأ، والسبب بسيط، وهو «ضرورة ألا تجمع الدولة بين دوري المنظم والرقيب على السوق، وكونها أحد اللاعبين فيه في نفس الوقت… تبقى في القطاعات التي يحجم القطاع الخاص عن الدخول فيها»، حسبما أوضح.

هذا التوجه الجديد يمثل عودة لأنماط قديمة من الخصخصة، «من قبيل البيع لمستثمر استراتيجي يمتلك أغلبية الأسهم وطرح نسبة أخرى من الأسهم في البورصة والإبقاء على حصة صغيرة في يد الدولة تقل عن 25% لتجنب إشراف الجهاز المركزي للمحاسبات على الشركة، تمهيدًا لبيع تلك الحصة لاحقًا في وقت يبدو مناسب أكثر للحصول على سعر أفضل، هذا مجرد مثال على أنماط تنفيذ عملية الخصخصة. وعلاوة على ذلك، ثمة أنماط أخرى لا تشمل بالضرورة البيع، وهي أنماط تشمل مثلًا الإيجار والإدارة والمشاركة في الأرباح، تجنبًا لبيع الأصول في وقت قد لا يكون مناسب للحصول على سعر مناسب مقابل الممتلكات العامة».