الغنوشي: الإسلاميون لم يحكموا تونس ويخضعون لسنن التغيير والصراع والحكم

- ‎فيعربي ودولي

قال راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة في تونس إن “الإسلاميين لم يحكموا تونس، بل شاركوا في حكمها بنسب متفاوتة”.
وأضاف أن “تونس تعرضت لـعملية تدمير خلال حكم الرئيس سعيد، تحتاج اليوم لمشروع إنقاذ وطني، مشيدا بدور اتحاد الشغل الذي كان شريكا لجميع الحكومات السابقة ، وساهم بشكل فاعل في إنقاذ البلاد من أزمات متعددة”.

وقال الغنوشي، في حوار خاص مع “القدس العربي” “تونس لا تعيش اليوم تنازع شرعيات، تونس تعاني من انقلاب واضح المعالم وكامل الأركان ، وما قام به الرئيس سعيد بإعلان حل البرلمان هو في الحقيقة إزالة لما بقي من مساحيق على وجه الانقلاب، ليس في تونس برلمانان، العالم لا يعترف إلا بالبرلمان الذي صدر قرار غير دستوري بحله، وتتعامل معه برلمانات العالم العربي والإفريقي والأوروبي والكونغرس الأمريكي”.

تجربة الإسلاميين
وعن سؤال البعض عن فشل تجربة الإسلاميين في حكم تونس وعدد من الدول العربية بسبب ما يعتبرونه نقصا في الخبرة وتآمرا من قوى النظام القديم؛ قال الغنوشي “هل كانت ثمة تجربة للإسلاميين في تونس؟ ويجيب بقوله “لم تكن حكومة الترويكا كذلك ولا كانت حكومة النداء بعد ذلك ولا حكومات قيس سعيد الثلاثة، فبأي معنى نتحدث عن تجربة الإسلاميين في الحكم في تونس؟
وأضاف “نعم، نحن شاركنا في الحكم بأقدار مختلفة ولكن ليس وحدنا، هذا من جهة، أما جهة ثانية فإننا وفي مؤتمرنا الأخير حسمنا موضوع ما يسمى بالإسلام السياسي، فنحن اعتبرنا أن مواجهة المنظومة الشمولية للدولة ذات العقيدة اللائكية كان يحتاج تعبيره بذات الشمولية لتواجه تطرفه، وإن كان لدينا منذ البداية تحفظا على توصيفنا بالإسلام السياسي، فنحن في النهاية مسلمون من بين المسلمين، ونحن نعتبر أن الديمقراطية هي السبيل الأنسب لإدارة الشأن العام ولإصلاحه، ولذلك فنحن مسلمون ديمقراطيون، فهناك من المسلمين من لا يرى الديمقراطية نهجا لإدارة الشأن العام بينما نراها متوافقة مع الإسلام”.

هل فشلنا؟
وعن هذا السؤال أجاب راشد الغنوشي “التاريخ لم يتوقف ونحن ما زلنا موجودين وصفنا يزداد ولا ينقص، وبحسب آخر انتخابات نحن الحزب الأول منذ زهاء عشر سنوات، وإسهامنا كبير في المحافظة على السلم والديمقراطية قبل الغارة الشعبوية (حكم قيس سعيد) التي هي إلى زوال وشيك”.
وتحدث الغنوشي بحسب الصحيفة عن وجود العديد من الهنات، وكذلك النجاحات خلال مشاركة حركة النهضة في الحكم، مضيفا ، أولويتنا الآن هي استعادة الديمقراطية، ونحن واعون بحاجتنا لتقييم تجربتنا وللاستماع لنقد الآخرين والتواضع لآرائهم والاستعانة بها من أجل التقدم ببلدنا.

تحديات واردة
وعن تجربة الإسلاميين العرب، قال الغنوشي “أما من حيث الحديث عن الإسلاميين عموما في الحكم، فإن الناقد يحتاج لينتبه بأن الإسلاميين ليسوا الأولين الذين واجهوا تحديات الحكم ولم يوفقوا، فانظر جيل الحركة الوطنية ومن بعده جيل التيارات القومية واليسارية، ولا شك أن الإسلاميين ليسوا استثناء فهم بشر يخضعون لسنن التغيير وسنن الصراع والحكم، ولذلك فإن تجربتنا يجب أن تُقرأ بما هي تجربة بشرية محكومة بسنن الكون التي تعم الجميع ولا يمنع انتسابنا للإسلام أن تنطبق علينا هذه السنن، فهي غلابة.
وأوضح أن “القيمة الأساسية لانتسابنا للإسلام تكمن في ما نادينا به من فجر الثورة للسماحة والعفو وتجريد الحياة العامة من الصراعات العقائدية والأيديولوجية، والحاجة للتوافق والحوار والحاجة لبناء مشروع وطني مشترك يخدم الناس ونحن ما زلنا ننادي لهذا ولا نرى حلا لبلدنا خارج هذا المسار التعددي الأخلاقي”.

المحيط المتآمر
وعن التآمر على تجربة الإسلاميين واتهام بنقص الخبرة قال “ليس هناك مسار وطني يقف في وجه الظلم لا يتم التآمر عليه، أما الخبرة فمن له الخبرة إلا الذين احتكروا الحكم لعقود متتالية، كل الذين عارضوا الاستبداد تم تهميشهم وتنقصهم الخبرة في الحكم وإدارة شؤون الدولة، ولكن حتى الذين حكموا وانتخبهم الشعب سنة 2014 فشلوا بل يمكن القول إن “النتائج التي تقولها أرقام حكومة الترويكا حققت نجاحا أكثر من الحكومات التي تلتها حتى الآن” ويوضح  “تونس جزء من محيطها ولا شك أنها تتأثر بهذا المحيط وبالعالم الذي يمر بمرحلة هزات وانتقالات وما يقع في بلدنا ليس بعيدا عن ذلك، الواضح أن الجغرافيا السياسية في الإقليم لم تكن ريحها خلال العشرية المنصرمة تهب رخاء على بلد صغير”.

مسارات غلابة
وعن حركة التاريخ وتأثير الزمن في العلاج قال الشيخ راشد الغنوشي “تاريخ العالم والبشرية يخبرنا بأن مسارات الثورة والتغيير إن بدأت فلا يمكن إيقافها ولا صدها، صحيح يمكن تعطيلها أو اضطرارها لدفع أثمان باهظة ولكنها مسارات غلاّبة، ولذلك فنحن وإذ نشفق على شعبنا، لنا ثقة في الله سبحانه وتعالى، وأن مسار الحرية لشعوبنا لن يتأخر وهذه الحرية هي حرية عامة تشمل الجميع ويعم خيرها على الناس كافة، وإننا باعتبارنا مسلمين ديمقراطيين نفعل ذلك مع كل شركائنا في الوطن بغض النظر عن خلفياتهم العقائدية ما اجتمعنا معهم على تحقيق مصلحة الشعب، ولكننا مسؤولون عن شعبنا وعن بلدنا”.

انقلاب مكتمل
وقال رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة التونسية إن “تونس لا تعيش اليوم تنازع شرعيات بل تعاني من انقلاب كامل الأركان، معتبرا أن مشروع الرئيس قيس سعيد يشكل خطرا على الدولة التونسية، ويهدد الاستقرار في المنطقة عموما”.

وأوضح أن قيس سعيد بادر لاعتماد ما يسميه الإرادة الشعبية المطلقة وغير المتعينة كأساس لقراراته التي تعتمد في الحقيقة على سلطة الإكراه، وبينت الأحداث أن سعيد لا شارع له باستثناء من خرجوا يوم الخامس والعشرين ليلا ثم تبخروا، إذ بينت الأشهر الثمانية الأخيرة أن الشارع في الحقيقة ضد قيس سعيد الذي تولى بنفسه التحشيد لنصرته في ليلة 14-01-2022 فلم يلبِ غير بضعة عشرات، كما بينت الاستشارة الإلكترونية عزوف عموم الشعب عن قيس سعيد وعن برنامجه وفضح هذا العزوف والتزييف الذي تقوم به بعض مؤسسات سبر الآراء لحقيقة مواقف التونسيين”.

الطرق الشرعية
وعن الوسائل التي تتخذها الثورة في تونس أمام ديكتاتورية قيس سعيد قال راشد الغنوشي “لا تُنتزع شرعية إلا بطرق شرعية، وهذا يصدق على الرئيس قيس سعيد، أي أن يسحب منه البرلمان الثقة، وهذا ليس مطروحا كسياسة من قبل معارضي سعيد، أو أن يتقدم لانتخابات رئاسية ولا ينال ثقة أغلبية الشعب، ونفس الأمر ينطبق على البرلمان وغيره من مؤسسات الدولة مثل المجلس الأعلى للقضاء أو الهيئة العليا للانتخابات، و إن الطرف الذي ينازع الجميع شرعيتهم هو في الحقيقة قيس سعيد، فالدولة لا تتلخص في منصب الرئيس، بل في كل مؤسساتها التي من المفروض أن تتضامن في إطار القانون المنظم للسلطات”.
وأبان بالقول “نحن بلد صغير وعدد سكانه قليل وفي الغالب متجانسون ومندمجون عرقيا وثقافيا، ولا يمكن إقصاء جزء منه دون ضرب كل أعضائه، وليس بيننا ما يبرر أي عداوات ولا ضغائن، والأسلم في حل المشاكل هو العفو والسماحة والتركيز على المستقبل المشترك، أما الإقصاء فقد جربه من كانوا قبله ثم رحلوا وبقينا نحن وبقي الشعب التونسي الذي لن يمل في سعيه في سبيل مستقبل أحسن له ولأبنائه مستقبل للتعايش والحرية والكرامة”.

تأثير الانقلاب
وعن تأثير الانقلاب في تونس، أوضح أن قيس فشل في وقت وجيز في الإيفاء بوعوده التي قدمها للشعب التونسي وبرر بها انقلابه، وهو اليوم يقود الشعب في اتجاه حالة من اليأس ويقودهم نحو التفرقة والانقسام بين التونسيين، ويقود البلاد قبل ذلك في اتجاه الإفلاس والعزلة عن العالم ومن ثمة ارتهان شعبها وإرادتها للخارج أو دفعها في اتجاه الفوضى بعد أن يفكك كل كياناتها الجماعية”.
وأوضح أن تونس أصبحت في تقارير مراكز الأبحاث الدولية، منطقة شديدة المخاطر، وبأنها لا قدر الله مقدمة على حالة فشل للدولة، وبالتالي نعم مشروع قيس سعيد هو خطر على الدولة ليس لأنه يؤسس لنظام دكتاتوري فقط ، ولكن لأنه يقود إلى انهيار الدولة وتفكيكها وإفلاس الاقتصاد وتفقير المواطنين، وتقسيم المجتمع بإثارة النعرات والكراهية بين أبنائه، وهذا كله سيؤدي إلى وقوع البلاد في الفوضى، وبناء على هذا نعتبر أن ما يقوم به سعيد في تونس هو تهديد للاستقرار وفتح للباب لمزيد المخاطر على الشعب التونسي وعلى الدولة التونسية وعلى الاستقرار في المنطقة عموما.

عقد الثورة

وعبر عن اطمئنانه للأوضاع في تونس ضمن مسار الربيع العربي فقال الغنوشي ” تونس تمثل استثناء في تاريخ الثورات من حيث صمودها لعقد من الزمن أمام هذه التوجهات والموجات العنيفة، ما يجعلنا نطمئن هو أن مسار الثورات ينتصر في النهاية، والفرق بين ثورة وأخرى هو الثمن الذي تدفعه الشعوب من أجل حريتها واستقرارها ، ونحن نبذل جهدنا أن لا يدفع الشعب التونسي ثمنا عاليا من كرامته ولا حياته”.
وعن منجزات الثورة التونسية قال إنها “بصمودها لعشر سنوات نجحت في تعميق جذور الحرية التي أصبحت مكسبا للجميع، وهذا المكسب الوطني الذي ساهمنا في غرس جذور له لا يمكن قلعها، وسيدافع عن نفسه لا محالة، ولا ينفصل الكسب الاقتصادي عن الكسب السياسي وعن الحرية ونحن نرى أن الاستبداد الذي يريد أن يكرسه الرئيس سعيد يسرع مسار التدهور الاقتصادي ، كما أن دكتاتورية ابن علي لم تصنع معجزة اقتصادية، بل صنعت هرما من الفساد ما زلنا نعاني من عمق جذوره”.