فلسطين تبكيه.. العلّامة القرضاوي عاشق الأقصى ومناصر القضية

- ‎فيعربي ودولي

أحبَّ العلامة الراحل الدكتور يوسف القرضاوي فلسطين وأحبته، ودعم المقاومة وحماس وكان دائما محل تقدير واحترام من فصائلها وأبناء الشعب الفلسطيني، فقيه عميق أصّل للعمليات الاستشهادية وأشاد بها، ونعى يحيى عياش، وتواصل مع الشيخ أحمد ياسين، فضلا عن زمالته في بداية جهاد الإخوان في فلسطين مع القائد ياسر عرفات، وعزز علاقته بقيادة حركة حماس ومكتبها السياسي، وكان مرجعية فقهية للأمة، ومثلت وفاته خسارة فلسطينية كبيرة.
ولأن فلسطين تبكي العالم المجاهد يوسف القرضاوي، أُقيمت صلاة الغائب على روحه الطاهرة في مساجدها، من المسجد الأقصى المبارك إلى مساجد غزة، وفتحت بيوت العزاء في ربوع فلسطين، كما شارك خالد مشعل وإسماعيل هنية في تشييع جثمان العلامة الراحل من جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالعاصمة القطرية الدوحة، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة "مسيمير".

عاش فلسطين
وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية  "فلسطين تبكي الشيخ القرضاوي ، والقدس تبكيه كما تبكيه الأمة" وأضاف "نودع شيخنا القرضاوي اليوم والأمة كلها تقف وقفة احترام لعلمه ونثمن وقفته مع قضية فلسطين والأقصى ، قضية فلسطين عاش الشيخ القرضاوي من أجلها وسار في دروبها، ودعم غزة وزارها لكسر حصارها".
وأكد هنية رفيق الشيخ أحمد ياسين وتلميذه في كلمته خلال تشييع جثمان العلامة الشيخ يوسف القرضاوي بالدوحة إن "شيخنا وقدوتنا الشيخ يوسف ركز على التمسك بفلسطين وعدم التنازل عن أي شبر منها، وأن الجهاد والمقاومة هي الطريق لتحريرها،  وأن قضية فلسطين هي قضية الأمة".
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، نعى العالم الرباني المجاهد د. يوسف القرضاوي، قائلا في بيان عن حركة حماس "نستذكر مواقفه تجاه فلسطين والقدس والأقصى، ودعمه لحقوق شعبنا ونصرته بالكلمة الصادقة والمواقف والفتاوى والمؤلفات المتعددة، وتأكيده بنفسه وبأعماله وماله ، وأن دور العلماء هو قيادة الأمة وتحمل مسؤولياتهم الشرعية تجاه فلسطين ومقاومتها، بل وزار فلسطين مرابطا وإماما وشيخا وعالما وكاسرا لحصار غزة".
ودعا هنية بالرحمة للشيخ القرضاوي، وأن يعوّض سبحانه "أمتنا بأمثال الشيخ الذين حفظوا للأمة دورها وريادتها، ولفلسطين مركزيتها وحيويتها الدائمة".

 

فلسطين بكتك
أما خالد مشعل رئيس حركة حماس في الخارج فقال "وإن شاء الله فلسطين التي بكتك، وصلت في أقصاها وفي ميادينها صلاة الغائب على روحك الطاهرة، سنوجد فيها منارات وميادين باسم الشيخ القرضاوي، الذي وقف مع الحق ومع المقاومة".
وأضاف  "حينما أردنا أن نجمع الأمة نحو فلسطين، فلم نجد ألمع من الشيخ القرضاوي وظل يسعى معنا مجتهدا من أجل جمع الأمة نحو فلسطين حتى تحقق الرجاء والأمنية".
وأكد مشعل أن "الشيخ القرضاوي عاش من أجل قضية فلسطين وقضايا الأمة، ونقول له "القدس والأقصى تفتقدك، وأنت فقيدها وأنت شهيدها" لافتا إلى أن الشيخ زار قطاع غزة والخليل في فلسطين، وشرفت به فلسطين".
وقال د. علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في جنازة الشيخ القرضاوي "عاش حقا لقضايا أمته، لاسيما قضية فلسطين، كان عاشقا فلسطين بكل ما تعني الكلمة، وكان فدائي الأقصى، وكان يتمنى أن يحرر الأقصى ونحن معه، ومع قادتنا المجاهدين، هذه كانت أمنيته، سمعتها منه مرارا وتكرارا ووصانا بها أن نسير على هذا الطريق".

قال عن فلسطين 

ومن كلمات الشيخ يوسف القرضاوي "ما معنى فلسطين بلا أقصى ولا  قدس؟ و "فلسطين بلا قُدس كجثمان بلا رأس" وكتب فيها عدة أشعار ومنها بيته "أمي فلسطينُ لا تأسَي ولا تَهِنِي.. إنا سنفديك من شِيبٍ وشُبّانِ".
وقال أيضا  "طول حياتي أعلن الجهاد من ١٩٤٨ عندما قامت إسرائيل وإلى اليوم، ودخلنا السجون من ذلك اليوم، وتمنيت لو كان عندي القدرة الآن لأذهب إلى فلسطين لأقاتل، أنا أنادي باستمرار للجهاد في فلسطين ولا أزال أنادي، قضية فلسطين لا تنسى، هي قضيتنا الأولى".

المشروع الممتد
ونشر موقع إطار ورقة بعنوان "فلسطين عند القرضاوي ، المشروع الممتد في الأنفاس والصحائف" أشار إلى أن إسهام الشيخ يوسف القرضاوي، تجاه القضية الفلسطينية، تميز بالتنوع والشمول، وهو ما يتصل بموقعه؛ بوصفه فقيها مسلما شهيرا، ومساره؛ بوصفه شخصية حركية نشطت فترة طويلة من عمرها في إطار جماعة تُعنى بقضايا الأمّة ووحدتها، ويتصل كذلك بسماته الشخصية؛ بوصفه متعدد المواهب، نشطا، صاحب همة وجلد.
وأنه على المستوى الفكري والنظري، ساهم، إلى جانب العديد من المفكرين العرب والمسلمين، من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، في تقييم هزيمة العرب والمسلمين الكبرى في فلسطين في نكبتي 1948 و1967، فأصدر في العام 1968 كتابه "درس النكبة الثانية ، لماذا انهزمنا وكيف ننتصر؟ والذي كان في الأصل مقالة في مجلة "حضارة الإسلام".
ورأى أن أسباب الهزيمة الثانية (يونيو 1967) هو "نسيان الأمّة نفسها، وفقدانها شخصيتها، بما أفضى بها إلى تراجع دافعية التضحية فيها، وانفصال العرب عن بقية المسلمين، وانفصال العرب عن بعضهم، وانفصال الحكام عن شعوبهم، وأخيرا، فقد دخل العرب المعركة معتقدين أنهم مستغنون عن الله تعالى، وأيا كان مضمون السجال وشكله، فإن تمسك الأمة بشخصيتها، كان بحسب القرضاوي، سيجعلها أكثر معرفة بعدوها، فلن تقع في تلك الغلطة العسكرية التي اتخذت غطاء للتملص من عمق الهزيمة، ويستند في ذلك إلى قوله تعالى "وَدَّ الَّذينَ كَفَروا لَو تَغفُلونَ عَن أَسلِحَتِكُم وَأَمتِعَتِكُم فَيَميلونَ عَلَيكُم مَيلَةً واحِدَةً".

عدوان خالص

وأضاف أن "الجذرية مع إسرائيل  في تحديد أن إسرائيل في ذاتها وأساسها ومجموعها وبنيتها، عدوان خالص، وأن العدوان لا يمكن التعامل معه إلا بتفكيكه بالكامل، وفي هذا الهدف يُدرج القرضاوي عودة اللاجئين بالكامل، عادا التوطين خيانة كبرى للوطن والأمة والدين، وهذه العودة مقرونة بتفكيك "إسرائيل" لا بكونها سقفا للعائدين.
 

رفض #التطبيع ووقف مع #فلسطين وقفةً مشرّفة.. الشيخ #يوسف_القرضاوي رجلُ المواقف الوفيّة لقضية الأُمة. pic.twitter.com/XK4gVZO3La

قيامة فلسطين (@QiyametFalastin) September 26, 2022

 

البنا وفلسطين
وأشارت الورقة إلى تأثر الشيخ القرضاوي بالشيخ حسن البنا وهو في السنة الأولى الابتدائية، وانضم للإخوان المسلمين وهو في السنة الرابعة الابتدائية، وأخذ يسير في مظاهراتهم لأجل فلسطين، ويقرأ عن قضيتها في مجلتي الجماعة "النذير" و"الإخوان"، وقرأ سنة 1936 العدد الخاص من مجلة "النذير" والذي خُصّص لثورة فلسطين، وكتب فيه حسن البنا مقالته "صناعة الموت" حضا على الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وعايش سنة 1946 إرسال الشيخ عبد المعز عبد الستار داعية إلى فلسطين، وسنة 1947 الاستعداد للقتال في فلسطين، وهو ما حصل بإرسال الجماعة كتائب منها للقتال في حرب العام 1948 والقرضاوي الذي يرى في قيام الكيان الصهيوني أخطر أحداث القرن، ويعتقد، كما كتب في مذكراته، أن دور الإخوان في حرب العام 1948 هو سبب محنتهم فيما بعد، فقد أصدرت حكومة النقراشي قرارا بحل الجماعة في 8  ديسمبر 1948.

 

شاعر فلسطين 
وأشارت الورقة إلى أن القرضاوي نظم الشعر لفلسطين مبكرا، ومن ذلك بعض ما كتبه في العام 1955 في السجن الحربي، في قصيدته "الملحمة النونية" التي اشتهر من أبياتها قوله

لحساب من بطشوا بأطهر ثلة *** روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ *** بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟

ومنها قصيدته "ثورة لاجئ" التي نظمها عام 1962، و"نشيد العودة" الذي نظمه عام 1963، والذي منه أبياته الشهيرة:

أنا عائد أقســــمت أني عائدُ *** والحق يشهد لي ونِعم الشاهدُ
ومعي القذيفة والكتاب الخالدُ *** ويقودني الإيمان ، نِعم القائدُ
أنا قد مللت الشعر يندب نكبتي *** ورفضتُ أسمع غير شعر الثورةِ
فدعوا النحيب فليس يرجع بلدتي *** إلا زئير النار يوم الغارةِ

 

في فقهه وعلى منبره
وأضافت الورقة أنه "تصدى لبعض المشايخ الذين أجازوا الصلح الدائم مع إسرائيل ، وأفتى بحرمة الدخول في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، كما أفتى بجواز العمليات الاستشهادية التي قادتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي في تسعينيات القرن الماضي، وأفتى بجواز تهريب الأسرى المتزوجين للنطف بقصد الإنجاب من زوجاتهم.
أما خطبه على منبر الجمعة، فيكفي أن نلقي نظرة على بعض عناوينها، كـ "المسلمون في مواجهة القوى المعادية"، و"توحيد العرب تحت راية الإسلام"، و"الذكرى السنوية للانتفاضة" والتي ألقاها في العام الثاني من الانتفاضة الأولى، وقال فيها عن إسرائيل "ولهذا نرى وجودها في أرضنا وفي منطقتنا خطرا، خطرا علينا، خطرا على عقائدنا، خطرا على قيمنا، خطرا على تقاليدنا، خطرا على وحدتنا، خطرا على اقتصادنا، إنها الشوكة في جنوبنا، إنها الخنجر في ظهورنا، إنها الداء الوبيل الذي غرس فينا".
ومن ذلك خطبته المعنونة بـ "اتفاقية غزة أريحا، من مأساة البوسنة إلى مأساة فلسطين" وخطبة "القمر الصناعي الإسرائيلي" والتي رثا فيها حال العرب، وتخلفهم العلمي والعسكري عن عدوهم، وخطبة "أمتنا لن تموت" التي هاجم فيها مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد لإدانة عمليات المقاومة في العام 1996 في مقابل عجزهم إزاء الغارات الصهيونية على لبنان في السنة نفسها، وكذلك خطبة "النفق الإسرائيلي" وهو النفق الذي حفره الصهاينة أسفل المسجد الأقصى، وأدى إلى هبة "النفق" عام 1996، وخطبة "وأقدسها.. المؤامرة الكبرى لتهويد القدس" وخطبة "القدس عربية إسلامية" و"لماذا نقاتل اليهود" وخطبة "دروس من انتفاضة الأقصى" وخطبة "القدس قضيتنا جميعا"، وخطبة "خمسون عاما على ضياع فلسطين" وخطبة "فلسطين عبر التاريخ" وغيرها.

 

فلسطين في خطب #القرضاوي pic.twitter.com/bNYzlnnwAY

— متراس – Metras (@MetrasWebsite) September 26, 2022

 

مشروعات لفلسطين
ومن هذه المشروعات رسالته "القدس قضية كل مسلم" وأسس مشاريع: مشروع "ائتلاف الخير" الذي كان أثناء انتفاضة الأقصى، ومؤسسة القدس الدولية التي كان رئيس مجلس أمنائها، وحملة 101 يوم لدعم فلسطين ردا على تعهد شارون باجهاض انتفاضة الأقصى في 100 يوم، وذلك فضلا عن عشرات المؤتمرات والمبادرات الإعلامية والجهود السياسية التي قادها في هذا السبيل، حتى يسر الله تعالى له ودخل غزة في العام 2013 وكان رحمه الله، في واحد من خطاباته، قد تمنى لو يُستشهد وهو ممسك ببندقية على ثغر فلسطين.
وولد الشيخ القرضاوي في 9 سبتمبر 1926م، بقرية صفط تراب بمحافظة الغربية  وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.
والتحق الرجل بالتعليم الأزهري وحصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام  52-1953م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه، ثم حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه.