بعد انقلاب العسكريين صباح الأربعاء 30 أغسطس على الرئيس الجابوني (علي بونجو) الذي حكم بالتزوير 14 عاما بحسب المعارضة، وأعلنت لجنة الانتخابات التي شكلها فوزه بانتخابات رئاسية ثالثة، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: إن "وزراء دفاع دول التكتل، سيناقشون الموقف في الجابون، واصفا ما يحدث في غرب أفريقيا بأنه مشكلة كبيرة لأوروبا".
وأضاف في كلمة خلال اجتماع وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي في طليطلة بإسبانيا: "إذا تأكد ذلك، فسيكون انقلابا عسكريا آخر يزيد من الاضطرابات في المنطقة بأكملها".
وفي بور جانتي، عاصمة الجابون الاقتصادية، وفي ساحة دو شاتو دو، في حي شعبي ومعقل تقليدي للمعارضة، خرج مئات الأشخاص في سياراتهم وأطلقوا الأبواق وهم يهتفون "لقد تحررت الجابون".
وقال شهود عيان: إن "المتظاهرين احتشدوا حول الجنود في الشوارع ، مرددين هتافات تؤيد خطوة الضباط وبعض الأشخاص رقصوا مع عناصر الشرطة والجنود الذين يرتدون الزي العسكري وينتشرون في شارع ليبرفيل العاصمة الرسمية للجابون".
ورصد بعضهم في حي بلان سييل الشعبي القريب من وسط ليبرفيل، تجمع نحو 100 شخص على جسر، بعضهم مشاة والبعض الآخر في السيارات، يهتفون "إنه التحرير"، و"بونجو أخرج".
وفي وقت أظهرت مقاطع فيديو جنودا كانوا في سيارة نقل رفعوا أذرعهم تعبيرا عن النصر، وسط تصفيق الحشود.
وفي منطقة أكاندا الغنية، على مقربة من منزل بونجو، وقف سكان على عتبات منازلهم، من دون أن يجرؤوا على الخروج، فيما كان جنود من وحدة خاصة يطلبون منهم دخول منازلهم.
بيان وإقامة جبرية
العسكريون ال12 الذين ظهروا على شاشة تلفزيون "جابون24" قرأوا البيان الأول الذي أعلنوا فيه عزل الرئيس علي بونجو بعد 14 عاما من الحكم، منتقدين الانتخابات الأخيرة، وقالوا: إنها "لم تكن مستوفية للشروط وتُعَد باطلة"، مشيرين إلى أن البلاد "تشهد أزمات خطيرة وآخرها الانتخابات العامة التي لم تكن شفافة".
وأشاروا إلى أنهم حلوا كل المؤسسات، الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات، ودعوا المواطنين إلى الهدوء، وجددوا تمسكهم باحترام التزامات الجابون حيال الأسرة الدولية، وأعلنوا إغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر.
وظهر (بونجو) في تسجيل مصور من مقر إقامته الجبرية، بعد ساعات من إعلان استيلاء العسكريين على مقاليد السلطة معلنا فقده زوجته واعتقال نجله.
وجاء تحرك العسكريين مشفوعا بخلفية إعلان لجنة الانتخابات فوزه بولاية رئاسية ثالثة، بين 14 مرشحا شاركوا في الانتخابات الرئاسية، وكان المنافس الرئيسي لرئيس الدولة "ألبيرونتو أوسو" أو "أوسا"، الذي حصل على 30.7% من الأصوات، وحصول بونجو، الذي يحكم البلاد منذ 14 عاما، على نسبة أهلته أن يصبح رئيسا لولاية ثالثة، في انتخابات قالت المعارضة إنها مزورة.
تتابع ردات الفعل
الجابون المستعمرة الفرنسية السابقة وقفت أمامها رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، وهي تلقي كلمة أمام مؤتمر للسفراء الفرنسيين قال: إن "باريس تتابع الوضع في الجابون عن كثب".
في حين نصحت السفارة الفرنسية في العاصمة، الفرنسيين بالجابون في الجابون بالبقاء في منازلهم، بسبب الأحداث الجارية.
وأعلنت شركة التعدين الفرنسية "إراميت" تعليق عملياتها في الجابون عقب تطورات الساعات الماضية، وتملك "إراميت" وحدة كوميلوج لإنتاج المنغنيز في الجابون وتوظف نحو 8 آلاف عامل في البلاد، وانخفضت أسهم الشركة بنحو 5% عقب قرار تعليق العمليات.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، باتت فرنسا في فقدان تام لسمتعمراتها السابقة ومصدر غناها بالذهب واليورانيوم وهي: انقلابات مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر.
والشهر الماضي، استولى الجيش على السلطة في النيجر، مما أثار موجات من الصدمة في أنحاء منطقة الساحل واجتذب قوى عالمية صارت مصالحها الاستراتيجية على المحك، وبات سفيرها كمسمار جحا يرفضه الشعب ويستغله العسكريون في مفاوضتهم مع المستعمر القديم.
اطمئنان بمعسكر روسيا والصين
بالمقابل، كانت تصريحات معسكر روسيا والصين تسود تصريحاته الاطمئنان، حيث قالت وكالة "تاس" للأنباء عن السفارة الروسية في الجابون، إن الوضع هادئ في ليبرفيل، ولا يوجد تهديد للسفارة.
فيما دعت الصين الأطراف المعنية في الجابون إلى ضمان أمن الرئيس بونجو.
وقال المتحدث باسم الدبلوماسية الصينية وانغ ون بين: "تتابع الصين عن كثب تطورات الوضع في الجابون، وتدعو الأطراف المعنية إلى التحرك بما فيه مصلحة الشعب الجابوني، واستتباب النظام فورا وضمان الأمن الشخصي لبونجو".
إقليميا، كشف مصدر دبلوماسي أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيعقد الخميس اجتماعا لبحث الانقلاب العسكري في الجابون.
لماذا القلق الفرنسي ؟
واستقلت الجابون عن فرنسا في 17 أغسطس 1960، وتملك باريس
قاعدة عسكرية دائمة في البلاد، وتتعامل الجابون بالفرنك الأفريقي، ولها شراكات تجارية مع الولايات المتحدة والصين وروسيا بالنسبة للصادرات، بينما تأتي أغلب الواردات من فرنسا.
المصالح الفرنسية كانت عنصرا حاسما في تحديد مستقبل الزعامة في الجابون بعد الاستقلال، وانتخب على إثر ذلك "ليون إمبا" أول رئيس للجابون في عام 1961، الذي عرف بعلاقته القوية مع فرنسا.
وتدفقت الأموال الفرنسية في الحملة الانتخابية الناجحة لإمبا، ثم حاول انقلاب عسكري الإطاحة به، لكن فرنسا تصدت بنفسها له 1964.
وتسلم السلطة بعدها والد الرئيس الحالي، عمر بونجو أونديمبا، في الفترة من 1967 حتى وفاته يونيو 2009، وكان قد أعيد انتخابه 3 فترات متتالية مدة كل منها 7 سنوات.
دولة غنية
والجابون عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتعد من الدول الغنية بالنفط والغاز، فضلا عن احتياطيات من الماس واليورانيوم والذهب، ولكنها اليوم 30 أغسطس 2023 دخلت نفق الانقلابات العسكرية الأفريقية لتصبح النموذج الثامن أو التاسع خلال 10 سنوات بدأت بانقلاب عسكري يقوده السفيه عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشهيد محمد مرسي في يوليو 2013.
وتضخ الجابون نحو 200 ألف برميل يوميا، وتعد رابع أكبر منتج للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء، ولديها احتياطيات نفطية تقدر بملياري برميل.
وفي عام 2020، شكل قطاع النفط 38.5% من الناتج المحلي الإجمالي، و70.5% من الصادرات، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد.
كما تعد من الدول الغنية بالاحتياطات والركاز، لكنها لم تترجم إلى مستويات معيشية أفضل للسكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ويعيش نحو ثُلثهم تحت خط الفقر.
وتعود تسمية هذا البلد إلى اسم البرتغالي "غاباو"، وهو أول أوروبي وصل للجابون كملاح برتغالي يدعى دييغو غاباو، في القرن الخامس عشر.
وأصبح هذا البلد أحد 4 أقاليم في أفريقيا الاستوائية الفرنسية في عام 1910، وهو اتحاد دام حتى عام 1959، قبل أن تنال استقلالها في 1960.