كارثة بيئية..اختلاط الصرف الصناعي بـ”الصحي”  يهدد حياة 150 ألف مواطن ببني سويف الجديدة

- ‎فيتقارير

 

بسبب غياب التخطيط والإدارة العشوائية وإصرار العسكر على إدارة المشاريع عبر الأمر المباشر والسرعة في الإنجاز على حساب الجدوى والجودة الاقتصادية والبيئية، دخل سكان مدينة بني سويف الجديدة في آتون كارثة بيئية وصحية مدمرة، تهدد بابتلاع الأخضر واليابس.

 

ووفق شهادات محلية ، فمنذ عدة سنوات تعاني الآلاف من الأسر بمدينة بني سويف الجديدة،  من الغثيان وصعوبة التنفس؛ بسبب روائح كريهة منتشرة في المنطقه.

 

ومدينة بني سويف الجديدة، التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية، يسكنها أكثر من 150 ألف نسمة، وفقا لتعداد مصر الرسمي في عام 2022.

 

وتنشط تلك الروائح خلال ساعات الليل، ولا سيما في الشتاء، ويرجع الأهالي سببها إلى متستنقعات الصرف الصحي المختلط بالصرف الصناعي، إضافة إلى ذلك، فهم يعانون انتشار البعوض والحشرات التي تهاجمهم خلال فصل الصيف، إلى جانب الانبعاثات الكربونية والروائح الخانقة الناتجة عن الكتل الصناعية المحيطة بالمدينة؛ إذ يبلغ عدد المصانع المنتجة في بني سويف الجديدة 139 مصنعا، فيما وصل عدد المصانع تحت الإنشاء إلى 63 مصنعا.

 

وتتكاثر الحشرات والبعوض  في المنطقة، والتي يرجع  مصدرها إلى جنوب المدينة؛ حيث محطة معالجة مياه الصرف الصحي، ويصب فيها الصرف الصناعي لمصانع المدينة؛ ما يؤثر في عملية معالجة الصرف الصحي بـالحمأة المنشطة، كما تلقى مياه الصرف في الجبل – منطقة أعلى من مستوى المدينة-، وعلى مدار سنوات تخلخلت الأرض متأثرة بذلك، ونتجت مستنقعات صرف صحي مختلطة بالصرف الصناعي تزحف في اتجاه المدينة، ما يمثل خطرا كبيرا في المقابل.

 

تعد المعالجة بالحمأة المنشطة إحدى عمليات معالجة مياه الصرف الصحي، وتستخدم في المحطات الصناعية المتوسطة إلى الكبيرة، وهي تعتمد على إدخال الهواء في الخزان/البحيرة عبر منافذ التهوية، ما يعزز النمو الميكروبي في مياه الصرف الصحي.

 

ووفق شهادات الأهالي لوسائل إعلام محلية، فإن مشكلة الصرف الصحي تراكمت على مدار سنوات، وتحتاج إلى فصل الصرف الصناعي عن الصحي، وإلقاء مياهه المعالجة في مخرات السيول، منعا لغرق المدينة مستقبلا.

 

وكان عدد من الأهالي تقدموا بشكاوى جماعية للجهات المعنية بدءا من مجلس الوزراء، ومرورا بوزارة البيئة، وهيئة المجتمعات العمرانية، وصولا إلى رئيس جهاز مدينة بني سويف، كان ذلك على مدار سنوات سابقة.

 

 وحسب المقابلات التي أجروها مع المسؤولين، فقد تلقوا وعودا بحل الأزمة؛ لكنها لم تنفذ حتى اللحظة.

 

وتقع مدينة بني سويف الجديدة على مجرى نهر النيل، وتبعد عن القاهرة بنحو 124 كيلومتر، وقد أقيمت بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 643 لسنة 1986، وتبلغ المساحة الإجمالية للمدينة 37.9 ألف فدان، منها 5486 فدان كتلة عمرانية، تضم نحو 16.599ألف وحدة سكنية.

 

وتتكاثر مستنقعات وبرك الصرف الصحي، إضافة إلى محطة معالجة الصرف الصحي، إذ يلاصقها مجتمع عمراني جديد، عبارة عن أراضي طُرِحَت عن طريق وزارة الإسكان، وبالقرب منها تقع مدينة بني سويف الجديدة، المحاصرة بين منطقة مصانع جنوب المدينة، وبينها مصانع تجفيف الخضروات، ومنطقة مصانع شرق المدينة وبها مصانع الورق ومصنع الخميرة، كما يظهر مصنع الجنايني لـحديد الخردة، ملاصقا للكتلة السكنية، وتبدو آثار الانبعاثات الكربونية على المباني المحيطة به، وفق الأهالي.

 

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت في إبريل من عام 2022، استغاثات بسبب خروج مياه الصرف الصحي من الأحواض الخاصة بمحطة الصرف الصحي بمدينة بنى سويف الجديدة عن السيطرة، وإغراقها لمنطقة أرض جمعية النيل.

 

ووفقًا للموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية؛ فقد افتتحت  محطة معالجة مياه الصرف الصحي في سبتمبر من عام 2023، ويتكون المشروع من أربعة مراحل بطاقة 52 ألف متر مكعب/ يوم، وتبلغ طاقة كل مرحلة 13 ألف متر مكعب/ يوم، وتنتج المحطة ما يقرب من 12 ألف متر مكعب من مياه المعالجة الثلاثية المستخدمة في ري المسطحات الخضراء.

 

دخان أسود

 

مشكلة أخرى يعانيها سكان بني سويف الجديدة، وهي وجود مصنع لإعادة تدوير الحديد الخردة وسط الكتل السكنية، تنجم عنه انبعاثات كربونية ورماد أسود اللون يغطي المباني المحيطة به.

 

المصنع ملاصق للمباني السكنية يفصله عنها شارع، ينبعث منه دخان أسود رائحته مماثلة لرائحة احتراق الخشب، وقد صدر بحقه قرار إغلاق، ورُفعت ضده دعاوى قضائية، وحتى الآن لم يغلق، بحسب شكاوى الأهالي.

  

كما يتضرر السكان من قيام مصنع “الراعي لتجفيف الحاصلات الزراعية”، بـتجفيف الثوم والبصل والكُرات، إذ ينتج عنها روائح كريهة وأبخرة خانقة، تضر بمرضى الجيوب الأنفية، وأنه في بعض الأيام التي تشتد بها الرياح، تصل للمدينة روائح كريهة لحرق الدواجن النافقة ومخلفاتها من ريش وعظام، آتية من المجزر الآلي للدواجن، ومصنع شركة السلمي للدواجن بالمنطقة الصناعية بقرية بياض العرب، بمركز بني سويف.

 

وتناقلت تدويينات النشطاء، أحاديث عن الأهالي، الذين يصفون حياتهم بالمرار ؛ حيث تتسلل الروائح الكريهة إلى منازل الأهالي في المساء، رغم إغلاق النوافذ، وتصيبهم بالغثيان، حتى إنها توقظهم من النوم.

 

يشار إلى أن السكان من الحي الأول وحتى الرابع، إضافة إلى قاطني مساكن “ابني بيتك”، لديهم المشكلة ذاتها، وتقدم عدد منهم بشكاوى للجهات المعنية، لكنهم لم يروا تحركا لحلها.

 

شكاوى الأهالي من الروائح الكريهة في شرق النيل ببني سويف الجديدة وقرى مركز ناصر من ناحية الشرق، كان صداها قد وصل إلى المسؤولين في عام 2019؛ ما دفع بالدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف، لإصدار توجيهاته بعمل دراسة بيئية وفحص ميداني لعدد من المصانع بمنطقة بني سويف الصناعية شرق النيل، منها؛ مصنع دجدوجة، والشركة الكندية، ومجزر سيرة، ومصنع الخميرة، ومصنع الدهانات، ومصنع فودز، ومصنع أنجل ييست (الخميرة)، ومصنع علي عبد الرحمن للطحينة؛ لمراجعة المعايير والاشتراطات البيئية، لكن المشكلة لا تزال قائمة.

 

ورغم أن المحافظة لم تكشف تفصيليا عن نتائج الدراسة، إلا أن المحافظ أعلن في عام 2022 عن تحديد المصانع التي قد تسبب في انبعاث الروائح الكريهة، بعد مراجعتها فنيا وبيئيا بشكل شامل، موضحا أن هناك مصنعين وراء انبعاث هذه الروائح، ومنحهما مهلة سبعة أيام لتوفيق أوضاعهما، ثم يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المصنعين حال عدم تلافي تلك الملاحظات خلال المهلة الممنوحة.

 

تخطيط عمراني فاشل

 

ووفق شهادة أستاذ الدراسات البيئية بجامعة عين شمس عبد المسيح سمعان، فإن التخطيط العمراني الجيد يجب أن يراعي وجود مسافة كافية تفصل بين المدن السكنية والمناطق الصناعية، ويأخذ في اعتباره اتجاهات الرياح، بحيث لا تصل انبعاثات المصانع عبر الريح إلى المناطق السكنية، موضحا أن الزحف العمراني خلق مشكلة تكتل المناطق السكنية وسط المصانع؛ ما يسبب تلوث الهواء بتلك المناطق، وينتج عنه أمراض الجهاز التنفسي والعيون والجلد لدى الإنسان، ويضر بالتنوع البيولوجي من نبات وحيوان وغيرها، كما تؤدي المخلفات الصلبة والسائلة للمصانع إلى تلوث التربة والمياه الجوفية.

 

 ويحذر “سمعان” من خطورة اختلاط الصرف الصناعي والصرف الصحي، لاسيما إن كان الأول يحمل معادن ثقيلة، لكونه يؤثر في معالجة مياه الصرف التي تمر بثلاث مراحل، لتُسْتَخْدَم في ري الأشجار الخشبية، مشيرا لكون مستنقعات الصرف الصحي المكشوفة تكون غنية بـالبكتريا الضارة والملوثات والفيروسات التي يمكن أن تسبب الأمراض حال تُركت مكشوفة، ولم يتم تغطيتها أو ضخها في أنابيب بعيدا عن السكان.

 

كما يتسبب الكربون الأسود “السناج” الذي يصدر عن بعض المصانع، في إصابة الإنسان الذي يتعرض له بـالتحجر الرئوي وضيق التنفس، مضيفا أن عمليات حرق المخلفات العضوية ومخلفات المجازر التي تقوم بها بعض المصانع ينتج عنها ملوثات وزيادة في نسب ثاني أكسيد الكربون، المسبب للاحتباس الحراري وتغير المناخ.

 

يشار إلى أن الحق في الصحة لا ينفصل عن الحق في بيئة نظيفة، وينص الدستور المصري في المادة 4  على أن لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها.

 

ويُعرف قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، تلوث الهواء، بأنه كل تغير في خصائص ومواصفات الهواء الطبيعي يترتب عليه خطر علي صحة الإنسان أو على البيئة سواء كان هذا التلوث ناتجا عن عوامل طبيعية أو نشاط إنساني، بما في ذلك الضوضاء والروائح الكريهة، أية مواد أخرى (صلبة – سائلة – غازية )، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

 

كما ينص قانون هيئة المجتمعات العمرانية بالأساس على إعادة تنظيم المدن، ويعطيها إمكانية تصحيح الأخطاء وإخراج المصانع بعيدا عن المناطق السكنية، لتجنب الفاتورة الاقتصادية للأضرار الناتجة عنها.