أعتبر سكان قطاع غزة تصريحات تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تهجير سكان القطاع وإعادة توطينهم في دول أخرى تهديدا مباشرا لوجودهم وحقوقهم التاريخية في أرضهم، وسط رفض شعبي وفصائلي ورسمي لتلك التصريحات، التي تمس حقوق الفلسطينيين الثابتة في أرضهم ووطنهم.
ويرى الفلسطينيون الرافضون لأي شكل من أشكال التهجير أن خطط التهجير والتوطين في دول أخرى ليست سوى محاولات لتصفية القضية، وإنهاء لحقهم المشروع في العودة إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم الأصلية المحتلة على أيدي العصابات الصهيونية منذ عام 1948.
النازح الفلسطيني العائد إلى مدينة غزة بعد 15 شهرا من الحرب نهاد سالم (45 عاما) يقول إنه لم يُفاجأ بتصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة، فقد اعتاد الفلسطينيون على المحاولات المتكررة لتصفية القضية الفلسطينية العادلة. وعن اختلاف هذه التصريحات عن سابقاتها، يوضح سالم في تصريحات صحفية أنها تحمل المزيد من الألم بفعل تزامنها مع واقع الموت والقتل والتشريد والنزوح والدمار الذي يعيشه أهالي قطاع غزة منذ بداية الحرب.
ويبين سالم أنه من عائلة لاجئة من بلدة هربيا المحتلة، وقد حدثه عنها جده مرارا، فيما يشعر بالحنين المتواصل للعودة إليها. ويقول: “نشعر بمعنى الحرمان الحقيقي ولا يمكن لنا أن نكرره مجددا من خلال الانصياع إلى الرغبة في الهجرة خارج غزة، فغزة هي موطننا الحالي، ولن نرحل عنها مهما حصل”.
من جهته، يرى الفلسطيني حسام الفيراني أنّ تصريحات ترامب لا تختلف كثيرا عن أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي لاحقت الفلسطينيين على مدار الحرب، أو عن النكبة الفلسطينية التي حرمت الفلسطينيين من مدنهم وقراهم بعدما استولت عليها العصابات الصهيونية على وقع المجازر والدماء. ويشير الفيراني إلى أنّ الفلسطينيين لا يزالون يتمسكون ببيوتهم ومناطقهم السكنية المدمرة، وسط ظروف معيشية قاسية تنعدم فيها مقومات الحياة، مشددا على أن هذا التمسك هو الدليل القاطع على عدم الرغبة في التفريط والهجرة.
بدورها، تبين الفلسطينية سعاد غنام أن تصريحات ترامب ليست مجرد “اقتراح سياسي” وإنما أعطت غطاء سياسيا لمن يسعى إلى تهجير الفلسطينيين بالقوة، وهو أمر من شأنه أن يفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة للفلسطينيين الذين يعانون أصلا من نقص في مقومات الحياة.
تصريحات ترامب ليست مجرد “اقتراح سياسي” وإنما أعطت غطاء سياسيا لمن يسعى إلى تهجير الفلسطينيين بالقوة
وتقول غنام إن “غزة ليست مجرد بقعة جغرافية، ولا يمكن تركها تحت أي ظرف من الظروف”، مشددة على ضرورة تسليط الضوء على خطورة هذه التصريحات التي تمس بشكل مباشر أمن وحقوق أكثر من مليوني إنسان. فيما توضح الفلسطينية سندس عاشور (28 عاما) أنها شعرت بالغضب لحظة سماع تصريحات ترامب في الوقت الذي كانت تستعد أسرتها للعودة إلى المناطق الشمالية لقطاع غزة، الأمر الذي يعكس التباين الواضح بين رغبة الفلسطيني ومحاولات تصفية قضيته.
وتضيف عاشور: “طوال الوقت نحلم ببناء مستقبلنا هنا، في وطننا، لكنهم يريدون أن يجعلونا لاجئين إلى الأبد، لا أستطيع تخيل أنني سأترك غزة، لأعيش في بلد آخر لا أعرفه، هذه أرضنا، وسنبقى فيها رغم كل شيء”.
توجّهات سياسية قديمة
ويفسر أستاذ العلوم السياسية سعيد حماد تصريحات ترامب في هذا التوقيت الحساس بأنها تعكس توجهات سياسية قديمة لإفراغ فلسطين من سكانها، ويقول: “عندما يصرح رئيس أميركي بمثل هذا الكلام، فهو يفتح الباب أمام قوى دولية وإقليمية للتفكير في تنفيذ هذه المخططات”. ويوضح حماد أن الفلسطينيين يمرّون في مرحلة ضعف بعد مقتلة مدمرة، وما يجري هو محاولات لاستغلال ذلك الضعف لفرض أجندات وحلول غير عادلة، مشددا في الوقت ذاته على أنّ سرّ قوة الفلسطيني يتمثل في صموده على أرضه ورفضه مغادرتها تحت أي ظرف.
ويعتقد حماد أنه من الصعب تحقيق سيناريو التهجير الجماعي في ظل الرفض الفلسطيني المطلق، إلى جانب المواقف العربية والدولية المساندة وعلى وجه التحديد من الأردن ومصر، إلا أن الضغوط المعيشية الصعبة وانعدام الأفق قد تدفع وتشجع على الهجرة الفردية، وهو ما تسعى إليه بعض القوى. ويشدّد على ضرورة تمتين وتعزيز الصمود داخل قطاع غزة من خلال حلحلة الظروف المعيشية وإعادة إعمار القطاع وتعويض الفلسطينيين جزءاً من خسائرهم في المرحلة الحالية، إلى جانب إيجاد حلول عملية لمختلف المشاكل وفي مقدمتها المسكن والمأكل والمشرب، لثنيهم عن خيار الهجرة القسرية.
وأدانت فصائل فلسطينية تصريحات ترامب، وسط تأكيدات بأنّ محاولات التهجير لن تنجح، وأنّ أهالي قطاع غزة لن يغادروا إلا إلى مدنهم وقراهم الأصلية التي هجروا منها عنوة، فيما توالت ردات الفعل العربية والدولية، الرافضة لتهجير سكان غزّة، والداعية إلى حل القضية الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين.