بالأرقام.. إغلاق المحتجين شريان الشمال كبد مصر والسودان خسائر كبيرة

- ‎فيعربي ودولي

نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا سلط خلاله الضوء على تأثير حصار طرق نقل الحركة من قبل المحتجين على طول الحدود السودانية المصرية على اقتصاد كلا البلدين، مضيفا أن مصدري الماشية اعترفوا بأنهم خسروا حوالي مليون دولار يوميا منذ إغلاق الطرق في منتصف يناير.

وتأتي هذه الاضطرابات في الوقت الذي تظهر فيه أرقام مؤسسة الاستثمار السودانية الرسمية، التي حصلت عليها "ميدل إيست آي" أن التجارة بين مصر والسودان شهدت زيادة سريعة منذ عام 2018، في حين زادت الصادرات المصرية بشكل كبير بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الإسلامي عمر البشير في عام 2019.

وأظهرت الوثائق التي اطلعت عليها "ميدل إيست آي" أن البلدين يخططان لزيادة التجارة الثنائية إلى ثمانية مليارات دولار، مع التخطيط لأكثر من 200 مشروع استثماري في كل شيء من صناعة الخدمات إلى التصنيع والزراعة.

ومنذ يناير، تعطلت حواجز الحركة الاحتجاجية في الشمال، التي تعارض الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان والدعم الذي يتلقاه قادة الجيش السوداني من القاهرة، نقل البضائع  لا سيما المنتجات الزراعية والمواشي على طول الطرق التي تربط السودان بجارتها مصر في شمال أفريقيا.

ويعتقد المحتجون الذين يحاصرون الطرق أن مصر تستغل المواد الخام في السودان وأن الشعب السوداني لا يحصل في المقابل على شيء يذكر، ويقول الخبراء إن "السودان أصبح أسيرا للخدمات المصرية والمواد المصنعة والكيماويات والبتروكيماويات".

 

ارتفاع التكاليف

ولقد تم رفع العقوبات الاقتصادية الدولية، ولكن القيود المصرفية المفروضة على السودان ما زالت قائمة، فقد انخفضت الصادرات السودانية بنسبة 85 بالمائة إلى 43 مليون دولار فقط في الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق، وفقا لبيانات التجارة الحكومية التي اطلعت عليها "ميدل إيست آي" وأكدها مسؤول من وزارة المالية السودانية.

وقد أعرب المصدرون والمستوردون عن أسفهم إزاء الأثر العميق للحصار على الموانئ والطرق على أعمالهم، قائلين إنهم "خسروا ملايين الدولارات منذ سبتمبر 2021".

وقد طلب مصدرو الماشية إلى مصر، الذين يقولون إنهم "يخسرون حوالي مليون جنيه إسترليني كل يوم، من الحكومة التي يقودها الجيش، والتي يعارضها المحتجون، التدخل لحل الأزمة".

وقال حميد محمد، أحد مصدري الماشية إلى مصر لميدل إيست آي إنه "بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن توقف الصادرات عبر شمال السودان، فإنني أحتاج أيضا إلى دفع المزيد من النفقات اليومية لشحنات الماشية العالقة على الطريق، مثل إطعام الحيوانات وتوفير المياه ودفع ثمن الرعاة وغير ذلك من النفقات".

وقال مصدر المنتجات الزراعية سليمان محمد إن "الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي ووزارة المالية والتي زادت من رسوم التصدير بنسبة 400 في المئة، تركت معاناة للمصدرين، ودعا السلطات إلى تغيير موقفها".

وأضاف"لقد أدى ارتفاع الأسعار إلى رفع تكاليف التشغيل والإنتاج والنقل، وبالتالي فإن كل هذه العوامل كانت سببا في تقليص الأرباح، فضلا عن قدرتنا التنافسية، ولكن كان بوسعنا على نحو ما أن نتعامل مع هذا الأمر حتى العام الماضي، وأكثر الخسائر إيلاما هي بسبب إغلاق الطرق".

ومن ناحية أخرى ، قال الرئيس السابق لمصدرى الماشية خالد وافي للوكالة إن "سياسات التصدير في السودان تشجع تهريب السلع وخاصة الماشية".

وأضاف "لم يجلب المصدرون عائدات التصدير التي حصلوا عليها إلى البلاد، وبسبب ذلك تخسر السودان حوالي 1.5 مليار دولار سنويا، والأمر الغريب في السودان هو أن الحكومة تفتح الباب أمام التهريب، في حين يتعقب المهربين".

وقد قرر البنك المركزي السوداني الأسبوع الماضي تجميد حوالي 208 حسابات مصرفية لشركات تصدير، كعقاب لعدم دفع عائدات التصدير.

 

هروب الأعمال أيضا

ليست فقط الطرق التي يحاصرها المحتجون المعادون للجيش. حيث قال محمد عباس، رئيس جمعية مصدري البذور الزيتية، إن "تأثير إغلاق الموانئ في سبتمبر الماضي من قبل محتجي القبائل في شرق السودان لا يزال مستمرا، وأنه لم يتم استعادة العمليات، ونتيجة لذلك حلت الموانئ المصرية على البحر الأحمر محل ميناء بورتسودان، وهو أكبر ميناء في البلاد، كوجهة للبضائع".

وتابع "لقد تأثرت سمعة بورتسودان بشدة بسبب تأخر العمليات، فتح الحصار الذي تعرضت له بورتسودان العام الماضي الباب أمام الموانئ المصرية الصغيرة الواقعة على البحر الأحمر لتحل محلها، وقد بدأت التجارة المكثفة على الطرق لنقل الصادرات والواردات، ولكن هذا الأمر بدأ يتأثر أيضا الآن".

ولفت عباس إلى أن تكلفة الشحن ارتفعت مع المساحات المخصصة للإيجار داخل الميناء والتي تشمل تخزين الحاويات والشكليات الأخرى، مما دفع بالعديد من شركات الشحن إلى مغادرة بورتسودان.

وقال جاسم صديق الذي يستورد البضائع من مصر إلى السودان إن "المشاكل في بور سودان دفعت بعض المستوردين إلى البدء في استخدام ميناء جدة على البحر الأحمر في السعودية".

وقال "بدأ المستوردون السودانيون في استخدام ميناء جدة السعودي، ثم استخدموا السفن الصغيرة  لنقل البضائع إلى السودان وتفادي التأخير، وزيادة الرسوم الأرضية والضرائب وغيرها من النفقات في بورتسودان".

 

تجارة مزدهرة

كما تظهر الوثائق التجارية التي حصلت عليها "ميدل إيست آي" ازدهار الواردات والصادرات بين مصر والسودان منذ عام 2019.

ويتعلق الأمر أساسا بالماشية السودانية والمنتجات الزراعية مثل السمسم والقطن والفول السوداني، وتصدر مصر إلى السودان مواد وخدمات ومواد كيميائية ومبيدات آفات وآلات ومعدات مصنعة.

ووفقا للأرقام، ارتفعت الصادرات من مصر إلى السودان من 418 مليون دولار في عام 2018 إلى 496 مليون دولار في عام 2019، و 525 مليون دولار في عام 2020، وحوالي 420 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى فقط من عام 2021.

وفي حين بلغت الصادرات السودانية إلى مصر 469 مليون دولار في عام 2018، إلا أنها انخفضت إلى 366 مليون دولار في عام 2019 وإلى 364 مليون دولار في عام 2020 ولكن في النصف الأول من عام 2021، سجلوا بالفعل نحو 300 مليون دولار.

كما أظهرت الأرقام أن السودان قام بتصدير ماشية بقيمة 150 مليون دولار تقريبا في الفترة من يناير إلى يونيو من العام الماضي.

وصدر السودان أكثر من 600 ألف طن من البذور النفطية إلى مصر في النصف الأول من عام 2021، وبلغت قيمة الصادرات حوالي 50 مليون دولار، وفي الفترة نفسها حصل السودان على 20 مليون دولار من صادرات القطن إلى مصر.

في النصف الأول من عام 2021، كانت الصادرات الرئيسية لمصر إلى السودان من المواد الكيميائية (75 مليون دولار)، والمواد الغذائية (62 مليون دولار)، والآلات والمعدات (40 مليون دولار).

كما تقوم مصر بتوسيع صادرات الكهرباء إلى السودان، وفقا لخطة سابقة نفذت في أبريل 2020.

 

خسائر من الجانبين

على الرغم من الأرقام التجارية الواعدة في عامي 2020 و 2021، قلل هشام أبو زيد، المسؤول بوزارة النقل السودانية، من شأن تأثير حصار الطريق بين مصر والسودان، في حين قال القنصل التجاري المصري طارق غوشة إن "وسائل الإعلام بالغت في القضية".

وقال الخبير الاقتصادي السودانى محمد الجاك إن "التجارة بين الدولتين تأثرت بالفعل بشدة من جراء إغلاق الطرق ، مضيفا أنها ستصيب الأسواق على جانبي الحدود".

ويرى الجاك أن الميزان التجاري بين البلدين يصب في مصلحة مصر بشكل كبير، حيث يتم إعادة معالجة المواد الخام السودانية وإعادة تصديرها إلى الأسواق الدولية بسعر أعلى بكثير.

وفي حين ازدهرت التجارة بعد رفع العقوبات، إلا أن المعارضة السياسية للانقلاب العسكري، الذي أدى إلى إغلاق الطرق، ألحقت الضرر بكلا الجانبين منذ ذلك الوقت.

وقال الجاك إن "حصار الطرق والموانئ أثر على اقتصاد البلدين من رجال أعمال وحكومات وأناس عاديين".

ويمتد التأثير أيضا إلى الأسواق العالمية التي تستخدم المواد الخام السودانية المعالجة، بالإضافة إلى زيادة الأسعار في السودان، بسبب نقص تدفق المواد الخام والحاجة إلى المصنوعات المصرية وخدماتها.

 

https://www.middleeasteye.net/news/sudan-egypt-trade-increase-barricades-impact