لماذا لم يحسم الجيش السوداني المعركة حتى الآن؟

- ‎فيمقالات

لأكثر من ثمانية أشهر تواصلت وتصاعدت الحرب الأهلية في السودان بين الجيش القومي وميليشيات الدعم السريع المدعومة إماراتيا، نجحت تلك الميليشيات في احتلال بعض الولايات والمدن الحيوية، ونجحت في إجبار أهل العاصمة القومية الخرطوم على الهرب من بيوتهم إلى ولايات ومدن أخرى، بعد أن جاست خلال الديار سلبا ونهبا وقتلا واغتصابا، على خلاف طبيعة الشخصية السودانية المتسامحة بشكل عام.
لن ننسى أن الهدف الأساسي لتمرد ميليشيات الدعم السريع الذي انطلق منتصف أبريل نيسان الماضي كان الانقلاب على حكم البرهان، وتولية حميدتي رئاسة البلاد، لكن فشل الانقلاب لم يمنع تلك الميليشيات من التحول إلى الخطة البديلة وهي نشر الفوضى في عموم السودان وتحويله دولة فاشلة تستدعي تدخل المجتمع الدولي لفرض النظام وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وكانت أحدث المحطات هي اجتياح ميليشيات حميدتي لولاية الجزيرة التي كانت أيضا مأوى للاجئين من مناطق الصراع الأخرى.
نجح الجيش إذن في التصدي لمحاولة الانقلاب منتصف أبريل، لكنه لم ينجح حتى الآن في استعادة الأمن، ولم ينجح في القضاء على تلك الميليشيات المسلحة التي كانت مجرد سلاح تابع له، قبل أن تتحول إلى قوات مناظرة له.. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم ينجح الجيش (النظامي المدرب) خلال الشهور الماضية في القضاء على هذا التمرد( العصابي العشوائي)؟ ولم ينجح في استعادة الأمن في البلاد رغم الدعم الشعبي الكبير الذي يتمتع به؟!

 

هل هو جيش الكيزان؟
لا نريد انتحال المعاذير لفشل الجيش في حسم المعركة، ولكن نحاول أن نفهم السياق العام للمعارك، ولوضع الجيش نفسه وقيادته العليا، وتركيبته، فالجيش مثل غيره من الجيوش النظامية يضم منتسبين ضباطا وجنودا من كل أرجاء السودان، ولا يمكن وصفه توصيفا طائفيا أو جهويا، رغم أن رواية قوى المعارضة العلمانية، ومعها ميليشيا الدعم السريع حاولت إلصاق تهمة التحيز الأيديولوجي له بوصفه جيش الكيزان، والمقصود انتماء قادته للتيار الإسلامي وتحديدا حزب المؤتمر الوطني الذي حكم البلاد في عهد الرئيس البشير، الغريب أن هذا الاتهام ينطبق على حميدتي، وقوات الدعم السريع نفسها التي أسسها البشير لمواجهة التمرد في دارفور في البداية ثم سلمها مهمة حماية الأمن في الخرطوم، ولذا فإن الطرفين متهمان باتهام واحد، حتى وإن سعى أحدهما للتنصل منه وإلقائه على الطرف الآخر.
ككل الجيوش النظامية تأسس الجيش بالأساس للدفاع عن الوطن، وخوض حروب نظامية، لكنه واجه حربا داخلية غير نظامية، في المدن والشوارع والأزقة وهو ما تجيده الميليشيات خفيفة التسليح سريعة الحركة، وقد مكنتها هذه الخفة من الكر والفر، والاحتماء بمنازل المواطنين بعد طردهم منها وسلبها، لكن الجيش يتمتع في المقابل بسلاح جوي لا يتوفر لتلك الميليشيات وهو ما مكنه من صدها في المناطق المكشوفة، ومكنه من استرداد عدة قواعد جوية ومناطق عسكرية بعيدة عن الحيز العمراني.

 

ضعف البشير ورئيس الأركان
من الأسباب الرئيسية للفشل في احتواء التمرد حتى الآن ضعف وتردد البرهان نفسه، وخضوعه للضغوط الخارجية، وهو ما يدركه السودانيون أنفسهم، ويطالبون باستقالته، لكن المشكلة أنه هو الوحيد الذي يمتلك الشرعية الدولية وفقا للاتفاق مع قوى الحرية والتغيير الذي نصبه رئيسا لمجلس السيادة، وهي الشرعية التي مكنته من التنقل دوليا والمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة كرئيس للسودان، وحال إقالته أو استقالته فإن المنصب سيكون شاغرا، وهو ما يفتح الباب لمزيد من الفوضى العامة والانهيارات.
كما أن رئيس أركان الجيش محمد عثمان الحسين ضعيف الخبرة الميدانية، كونه قضى معظم الوقت في مهام إدارية، وهذا الرجل مع البرهان يتحكمان بشكل مباشر في سير العمليات
 
سبب آخر هو الحصار التسليحي غير المعلن على الجيش السوداني، وهو ما حرمه من الحصول على صفقات عسكرية مناسبة خلال الفترة الماضية، حيث كانت الدول المجاورة للسودان لا تسمح بمرور تلك الصفقات عبر أراضيها، وقد تم حل هذه المشكلة مؤخرا وتلقى الجيش السوداني أسلحة جديدة، كما ان استخدام الجيش للطائرات المسيرة تعرض للتشويش خلال الفترة الماضية عبر تقنيات حديثة أمدت بها الغمارات ميليشيات الدعم السريع، وقد تمكن الجيش مؤخرا من ضرب مراكز التشويش، والتزود بتقنيات مضادة للتشويش حسب مصدر سوداني موثوق.

 

الدور الإماراتي
الدعم الإماراتي غير المحدود لحميدتي وميليشياته، والذي وصل حد توظيف بعض دول الجوار لصالحه مكن الميليشيات من البقاء مع تلقيها المزيد من الدعم المالي والأسلحة المتطورة، والمزيد من المرتزقة من عدة دول أفريقية.

كان اجتياح الميليشيات لولاية الجزيرة مؤخرا بتواطؤ من قائد الفرقة الأولى المكلفة حماية الولاية مع بعض الشخصيات المدنية أكبر صدمة يتعرض لها السودانيون، وقد دفعتهم للمطالبة باستقالة البرهان شخصيا، لكنها زادتهم التفافا خلف الجيش، وشكلوا مجموعات شعبية مسلحة لمواجهة التمرد بالتعاون مع الجيش، والجديد أن بعض قوى الحرية والتغيير التي كانت ظهيرا سياسيا لحميدتي عبرت عن غضبها لهذا الاجتياح الذي مارس هوايته في القتل والسلب والنهب والاغتصاب، في مدن وبلدات هي مراكز ومسقط رؤوس العديد من قادة تلك القوى وخاصة حزب المؤتمر الذي ظهر التلاسن بينه وبين قوات حميدتي عبر وسائل التواصل.
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضى تراجعت أخبار الحرب في السودان حد الغياب الكامل عن وسائل الإعلام، لكن اجتياح الجزيرة وما تلاه من تحركات أعاد السودان إلى صدارة المشهد الإعلامي، وسط دعوات لإنقاذ الشعب السوداني من تلك المحرقة، وسرعة القضاء على التمرد، واسترداد الأمن والسلام إلى ربوع السودان.

……….

نقلا عن (الجزيرة مباشر)