تنظيم ولاية السيسي

- ‎فيمقالات

تساءلت قبل أربع سنوات: ماذا بقي من ممارسات مليشيات الإرهاب والعصابات لم يفعله نظام عبد الفتاح السيسي؟ الآن السؤال: هل بقي شيءٌ من ملامح الدولة في ظل الإدارة المليشياوية التي يخنق بها السيسي مصر؟

في الدول، باختلاف درجاتها على مقياس التحضر والتخلف، يمارس المواطنون أشكالًا من الاحتجاج والتظاهر ضد سياساتٍ تخنقهم أو إجراءات تجلد ظهورهم.. تجد ذلك في الشرق والغرب والشمال والجنوب، إلا مصر التي تنفرد عن غيرها بأن النظام الحاكم فيها ينظّم تظاهرات ضد المواطنين، ويسلك مثل مليشيا مسلحة ضد الجماهير، يمارس الخطف والقنص والتشهير بأفراد الشعب الذين يحاولون ممارسة الحد الأدنى من التعبير والهتاف.

أدوات الجماهير في التظاهر هي الهتاف والكتابة والرسم، أما نظام السيسي فيستخدم أدواتٍ مختلفًة في التظاهر، هي المدرّعات والجرافات وحشود من طلاب الكليات العسكرية، وجنود الأمن المركزي، يتم شحنهم تحت الحراسة المشدّدة للهتاف ضد الشعب، أو جموع الشعب التي تطالب بحقها في كرامة إنسانية وعدالة، ومواطنة تليق بالبشر، كما يستخدم منصات إعلامية تطلق خطابًا دمويًا، على موجاتٍ فاشية ومكارثية لم يعرف لها التاريخ مثيلًا.

بموازاة ذلك، لا يتورّع صاحب السلطة عن ارتكاب مذابح ضد تابعيه، لكي يستخدمها أدلة اتهام وإدانة ضد معارضيه، وتصوير كل أشكال الاحتجاج على سياساته، بوصفها نشاطًا إرهابيًا، وهي المعادلة التي تضمن له استمرار حبس الداخل في قمقم الخوف والفزع، واستدرار مزيد من دعم الخارج وعطاياه، هذا الخارج الذي يستثمر في تجارة الحرب على الإرهاب التي تضمن لها حلب ضروع أنظمة الوفرة المالية، عن طريق إرهابها بفزّاعة دعم الإرهاب.

قلت سابقًا إنه من التجنّي على ما تعارف عليه العالم الحديث من علوم سياسية أن نطلق اسم “النظام” على “تنظيم” فكل ما يدور على أرض مصر، منذ اليوم للانقلاب، يقول إن “مليشيا” اختطفت وطنا، واتخذت سكانه رهائن للخوف والجوع، فمنذ اللحظات الأولى يعمدون على السيطرة على الجماهير، بفزّاعات الهلاك جوعا وعطشا، إن لم يحكموهم، والفناء إرهابا وعنفا، إن لم يحذفوا مفردات مثل “الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان” من قاموسهم، مشعلين أزمات الاقتصاد والسياسة، ومفجّرين آبار العنف، ومصنّعين الإرهاب في مطابخهم.

لا تحتاج إلى كثير من تدقيق في الرصد، لتكتشف أن عفريت الإرهاب يسكن في فانوس السيسي السحري، يستحضره وقت الحاجة، فيأتيه حثيثًا، مثلما حدث مع حادث كمين سيناء الأخير، المتزامن مع تسيير السيسي التظاهرات ضد مجموعاتٍ من الشعب المصري، استجابت لدعوة المقاول الممثل محمد علي للخروج والمطالبة برحيل الجنرال.

تكرّر هذا الأمر في مناسبات كثيرة، السمة الأبرز فيها هي توقيت دخول “التنظيم الإرهابي” على الخط، بما يجعل المسافة بينه وبين النظام صفراً، فالوشائج بين التنظيم والنظام لا تنقطع، فوجود أحدهما مرتبط بالآخر، ناهيك عن التشابه الكبير في الممارسات.

في إطار نشاطه مثل عصابة أو مليشيا، لا يستشعر نظام السيسي، أو بالأحرى”تنظيم ولاية السيسي” أدنى حرج، وهو يعتقل المعتقلين أصلًا، ويحبس المحبوسين في زنازينه، كما جرى مع الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، الذي تم اعتقاله من داخل محبسه في قسم الشرطة، وهو ما حدث مع شبّان آخرين، كانوا يقضون عقوبة السجن الليلي، فلما طلع عليهم النهار تبخروا، واختفوا قبل أن يظهروا في نيابة أمن الدولة، متهمين في جرائم، جديدة، لفقت لهم بينما هم قيد الاعتقال.

السيدة علا القرضاوي، مثل آخر أكثر وطأة، ظلت قيد الحبس الاحتياطي أكثر من عام، ولمّا صدر قرار بإخلاء سبيلها في مايو/ أيار الماضي، أعادوا اعتقالها من داخل المعتقل مجدّدًا، ملفقين لها اتهامًا بارتكاب جريمة، بينما هي داخل زنزانتها الانفرادية، محرومة من أبسط حقوق السجناء، إذ لا ماء ولا هواء ولا اتصال بالعالم.

قبيل اعتقاله من داخل محبسه، حيث يقضي عقوبة المراقبة الليلية، غرّد علاء عبد الفتاح على”تويتر” يقول “قول ما تخافشي الشعب لازم يمشي”، فما بالك لو كان قد هتف مع الغاضبين “العسكر أو السيسي لازم يمشي”؟

الحاصل أنه لم يعد ثمة سقف لجنون “ولاية السيسي”، فإن تكلمت أو لجأت إلى السكوت ستعتقل، وإن سخرت أو تحدثت بجدّية فأنت أيضًا معتقل، ذلك أن المطلوب الآن، ضمانًة وحيدًة للبقاء على قيد الحياة داخل حدود “تنظيم ولاية الجنرال”، أن تكون ضد كل من يعارضه، وقبل ذلك تلتزم بنصوص وثنية الجنرال السماوي.