كيف تآمر العسكر على حقنا فى النيل؟ (1/2)

- ‎فيمقالات

يعد النيل المصدر الأساس للمياه فى مصر، وشريان حياتها؛ من ثمَّ فإن الحفاظ على حصتنا من مياهه هو قضية أمن قومى بالدرجة الأولى؛ إذ بدون تلك الحصة التى تقدر بنحو (87%) من مجموع استهلاكنا يتهددنا العطش ويصيب أرضنا البوار.
ونشير فى السطور التالية إلى محطات مهمة فى تاريخ هذه القضية، والتى آلت مؤخرًا إلى قيام دولة المنبع (إثيوبيا) ببناء سد عملاق على المجرى بات يهدد حصتنا التاريخية من المياه، وأعقب ذلك قيام المنقلب بالتوقيع على اتفاقية مشبوهة مع الشريكين (إثيوبيا والسودان) تنازل بمقتضاها عن حقوقنا فى النهر؛ ليكمل مؤامرة العسكر لبيع النيل لإسرائيل.

في عام 1929 وقعت مصر ودول الحوض السبع اتفاقية، حصلنا بمقتضاها على نصيب الأسد فى حصة مياه النهر، إضافة إلى حقنا في الاعتراض على أى مشروع تنوى إحدى دول الحوض إقامته على النيل ويحتمل ضرره بأمن مصر المائى. وفى عام 1959 تم إبرام اتفاقية أخرى بشأن حصة مصر والسودان، وحددت الاتفاقية لأول مرة كمية المياه المستحقة سنويًّا لمصر (55.5 مليار متر مكعب)، (18.5 مليار متر مكعب) للسودان.
وقد أدى تراجع الدور المصرى فى السياسة الخارجية، وضعف أدائها فى المنطقة، فضلًا عن (لامبالاة) نظام المخلوع (مبارك) بتلك الأمور-إلى تغلغل النفوذ الصهيونى والأمريكى في منطقة القرن الإفريقى؛ إذ هبطت المساعدات والمعونات على شعوب دول الحوض، ما جعلها تقتفى أثر الداعم؛ ليتم فى 14 من مايو 2010 توقيع اتفاقية (عنتيبى) من جانب دول الحوض، التى تعطى هذه الدول الحق فى بناء سدود دون الرجوع إلى دولتى المصب، والنظر -من جديد- إلى الكميات التى تحصل عليها مصر والسودان، وإعادة توزيع حصة النهر على الدول التى لها الحق فى مياهه.
بالطبع لم توقع مصر والسودان على تلك الاتفاقية، إلا أن عدد الدول الموقعة يكمل النصاب، ومن ثم يعطيها الحق فى تنفيذ ما تراه.. لكن للسخرية أن تلك الاتفاقية لم توقع بين يوم وليلة، ولم تبذل محاولات لإيقافها أو إجراء حوار مع الدول المعنية، بل حدث تغييب كامل للطرف المصرى حتى وصلت الأمور إلى حد استحالة الحل.. ففى عام 1999 تم الإعلان عن مبادرة (حوض النيل.. لتحقيق المنفعة للجميع وعدم الضرر)، وفي يونيو 2007 تم عقد مؤتمر لوزراء المياه فى دول الحوض فى «عنتيبى» وحدثت فيه اتفاقات جديدة خطيرة، وفى مايو 2009 اجتمع وزراء دول الحوض في «كينشاسا»، ونسقت دول المنبع السبع للضغط على مصر والسودان، وفى 5 من يوليو 2009، دعمت الدول والجهات المانحة لدول حوض النيل مبادرة تستهدف حوض النيل بكامله، وفى 26 من يوليو 2009 اجتمع المجلس الوزارى لدول الحوض، وسعت الدول السبع لفرض إقامة (مفوضية) لحوض النيل دون النظر إلى مشاركة مصر والسودان؛ عوضًا عن الاتفاقيات القديمة لتوزيع المياه.
حدث كل هذا دون إستراتيجية مصرية تهدف إلى الحفاظ على حقنا فى مياه النهر، ودون النظر إلى ما نبه إليه الخبراء من تعرضنا لنقص شديد فى المياه عام 2017 بفرض ثبات الكمية التى نحصل عليها من المياه، فإذا أضفنا لذلك أجراس الإنذار التى دقت كثيرًا تنبه للخطر الصهيونى فى الجنوب، وإلحاح دولة الكيان على دول الحوض لتكون شريكًا فى المياه -فإننا نقول بكل ثقة: إن نظام مبارك العميل هو الذى ورطنا -عامدًا- فى هذه الكارثة التى تطورت على يد المنقلب فيما نتابعه هذه الأيام.

لقد بدأت إثيوبيا فى ملء خزان سد النهضة الذى سوف يحتجز خلفه (72) مليار متر مكعب من المياه، ما سوف يوقع الضرر البين على مصر، كما شرعت فى عرض نحو مليونى هكتار للاستزراع والاستثمار على الدول الأخرى، ما يمنع ما تبقى من مياه من الوصول إلينا؛ حيث سيقلص حصتنا بما لا يقل عن 30% من الكمية المعتادة، ما يعنى -حسب الخبراء- بوار ملايين الأفدنة فى الدلتا والوادى بسبب العطش، وخفض كميات الكهرباء المتولدة من السد العالى، غير تأثيرات أخرى عديدة فى شتى المجالات التى تعتمد على مياه النهر. وهذه الخطوة من جانب إثيوبيا شجعت –للأسف- دولًا أخرى من دول الحوض على القيام ببناء سدود على النهر، إما للتنمية الزراعية أو توليد الكهرباء.

لقد أدت العقلية الفردية والمنهج القائم على الشللية، إلى ما وصلنا إليه فى هذه الأزمة، كذلك فإن استهانة دول الحوض بمصر جعلها تتخذ قرارات وتتبنى سياسات ليست من حقها دون الرجوع إلى حكامها الذين لم يشغلهم شىء سوى مصالحهم الشخصية وذلك الكرسى البغيض الذى تمسك به المخلوع حتى آخر نفس له فى الحكم، وكان قد شرع فى تسليمه لابنه من بعده؛ كأنها (عزبة) توارثوها عن آبائهم.