مغزى الإعلان عن بيع شركات الجيش المصري

- ‎فيمقالات

يوم الخميس الماضي دعا عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه أحد المشروعات الجديدة، إلى طرح الشركات المملوكة للقوات المسلحة المصرية في البورصة حتى يمكن للمواطنين شراء أسهم بها. وقال إن الشركات التي تجهز الدولة لطرحها في البورصة لا بد أن تكون هناك فرصة منها لشركات القوات المسلحة.

وكعادتها، سارعت وسائل إعلام مصرية إلى الاحتفاء بالخطوة، مؤكدة أنها تصب في صالح الاقتصاد والبورصة والمواطن، وأنها ستبث حالة من التفاؤل الشديد في أسواق المال المحلية والقطاع الاقتصادي.

بل وتوقع محللون أن يتم طرح هذه الشركات في القريب، خاصة مع حرص الدولة على طرح أوراق مالية وأسهم لشركات قوية في البورصة مثل الشركات المملوكة للقوات المسلحة بهدف تنشيط سوق المال الراكد واعادة الانتعاش للبورصة.

لكن الواقع يقول إن طرح شركات تابعة للجيش المصري للبيع في البورصة ربما لن يحدث في المدى القريب أو المتوسط وربما البعيد، والأسباب كثيرة منها ما يتعلق بطبيعة هذه الشركات، ففي سنوات سابقة تم رفض اقتراحات عدة لطرح الشركات المدنية الملوكة للجيش للبيع عبر طرحها في البورصة، انطلاقا من رفض بعض الجهات المسؤولة الكشف عن مراكزها المالية وطبيعة مصروفاتها ونفقاتها، بحجة أن ذلك يهدد الأمن القومي للبلاد، رغم أن طبيعة أنشطة هذه الشركات مدنية بحتة، ولا تتعلق بأنشطة الجيش أو الأسرار العسكرية.

ومن الأسباب أيضا ما يتعلق بالشروط الشديدة التي تفرضها البورصة على الشركات الراغبة في إدارج أسهمها بها، من شفافية وإفصاح، وهنا قد تجد الشركات التابعة للمؤسسات العسكرية صعوبة في استيفاء المعايير المطلوبة لطرحها في البورصة، والتي قد تستغرق وقتا طويلا.

ومن بين الأسباب ما يتعلق بالظروف التي تمر بها سوق المال في مصر من ضعف السيولة النقدية وتراجع حجم التداول منذ فترة، وهي الأسباب التي أدت إلى تأجيل طرح بعض الشركات الحكومية ضمن برنامج الخصخصة الذي تتبناه الحكومة منذ نحو 3 سنوات، وتستهدف من خلاله بيع 23 شركة في قطاعات عدة لجمع 80 مليار جنيه “ما يعادل 5 مليارات دولار”.

إذن، لماذا الإعلان عن خطوة بيع الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية للقطاع الخاص وعبر البورصة، ودعوة المصريين للاكتتاب في الأسهم المطروحة في هذا التوقيت بالذات؟

هناك 3 رسائل ربما يكون السيسي قد سعى إلى توصيلها من إعلانه خطوة الطرح التي تصنف على أنها جريئة من وجهة نظر البعض، وصعبة التنفيذ من وجهة نظر آخرين، في حين يصفها طرف ثالث بأنها مجرد مناورة يسعى صناع القرار من خلالها إلى تخفيف الضغوط والانتقادات المتواصلة المتعلقة بتنامي نشاط الجيش الاقتصادي، وإضفاء الطابع المدني على البزنس الضخم الذي يقوم به، خاصة في قطاعات مدنية بحتة مثل استيراد حليب الأطفال والمزارع السمكية والصوبات الزراعية وإقامة الطرق أو المدن السكنية مثل العلمين الجديدة وغيرها.

الرسالة الأولى:

موجهة لصندوق النقد الدولي ومضمونها أن السلطات المصرية عازمة على تقليص حصة الجيش في الحياة الاقتصادية، وهو المطلب الذي يطالب به الصندوق منذ 2016، حيث ينتقد مزاحمة المؤسسة العسكرية القطاع الخاص في أنشطة مدنية وليست عسكرية.

ومع قرب دخول مصر في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على شريحة جديدة من قروض بداية من شهر مارس المقبل، فإن هذا الطلب سيتجدد، خاصة مع توسع المؤسسة العسكرية في الدخول في مجالات اقتصادية ظلت حكرا على القطاعين الحكومي والخاص.

منها مثلا إقامة أكبر مصنع للإسمنت وتأسيس أضخم مزارع للأسماك وإقامة منتجعات سياحية ومصانع وشركات مقاولات تعمل في مجال البنية التحتية وقنوات فضائية وصحف، وامتلاك 51 بالمئة من أسهم الشركة التي تتولى إقامة العاصمة الإدارية الجديدة التي تقدر استثمارات المرحلة الأولى منها بنحو 45 مليار دولار.

الرسالة الثانية:

موجهة إلى المستثمرين الأجانب، وهي مرتبطة بالرسالة السابقة وفحواها أنه سيتم تشجيع القطاع الخاص المصري والأجنبي خلال الفترة المقبلة، وأن الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية سيتم إتاحة أسهمها أمام القطاع الخاص، وأنه سيتم منح القطاع الأخير فرصة أكبر في مشروعات التنمية الاقتصادية، بما فيها المشروعات التي يحتكرها الجيش في السنوات الأخيرة مثل البنية التحتية والمقاولات.

وهنا يحاول السيسي، وعبر الإعلان عن طرح شركات المؤسسة العسكرية، طمأنة المستثمرين الأجانب من خلال بث هذه الرسالة المباشرة.

وهذه الرسالة مهمة في ظل البيانات الرسمية التي كشفت مؤخرا عن حدوث تراجع حاد في حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على البلاد رغم المزايا الكثيرة الممنوحة لها، واستقرار سوق الصرف وتعديل قانون الاستثمار أكثر من مرة وتوافر الطاقة سواء الكهرباء أو الغاز.

فقد كشف البنك المركزي المصري قبل أيام عن تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بنحو 1.8 مليار دولار، وبنسبة انخفاض 23% خلال العام المالي 2018/ 2019، مسجلًا 5.902 مليارات دولار، مقارنة بـ7.719 مليارات دولار في العام المالي السابق له 2017/ 2018.

كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة على البلاد لا تزال تتركز في قطاعات لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد المصري، ولا توفر فرص عمل مثل قطاع استخراج الغاز والبترول، ويتكرر هذا الأمر مع تدفقات الأموال الأجنبية الساخنة المستثمرة في سندات الخزانة والأذون، والتي تدخل البلاد وتخرج بسرعة محملة بعوائد ضخمة تحصل عليها من أسعار الفائدة الكبيرة المدفوعة لها.

الرسالة الثالثة:

وهي موجهة للداخل، أي إلى المصريين الذين تابعوا مؤخرا فيديوهات المقاول ورجل الأعمال محمد علي، والتي وجه فيها اتهامات بالفساد وإهدار المال العام تتعلق ببناء قصور واستراحات رئاسية، بل وتأسيس فنادق بلا دراسات جدوى ومجاملة لبعض رموز النظام الحاكم.

وإعلان السيسي عن طرح شركات للقطاع الخاص هو بمثابة نفي بشكل غير مباشر لاتهامات طاولت بعض القيادات العسكرية مؤخرا، لأن الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية، والتي سيتم طرحها وإدراجها في البورصة، ستخضع لمعايير صارمة، منها الكشف عن مركزها المالي كل ثلاثة شهور، ونشر البيانات المالية للشركات المدرجة في صحيفتين يوميتين، وإبلاغ البورصة بأي تطورات جوهرية مثل الاستحواذ على أسهم شركات أخرى أو تأسيس مشروعات جديدة أو تحقيق خسائر وغيرها.

وفي حال إدراج شركة في البورصة فإنها ستكون تحت أعين السوق والمستثمرين، وهو ما قد لا تحبذه القيادات العسكرية، خاصة وأن طرح أسهم شركات القوات المسلحة في البورصة يتطلب كشف جميع المعلومات المتعلقة بها وأنشطتها وأرباحها والمشروعات التي تستثمر أموالها بها وحجم الخسائر.