قدرت تكلفة منتدى شباب العالم الذي عقده قائد الانقلاب في شرم الشيخ لكي يمارس هوايته في إمساك الميكروفون والحديث كأنه حكيم العصر، وهو أغبى الديكتاتوريين على الإطلاق، حوالي 600 مليون جنيه؛ أي ما يعادل 37 مليون دولار تقريبًا.
المؤتمر الذي يخضع للإشراف المباشر لمكتب السيسي جزء من سعي قائد الانقلاب لتجميل وتلميع وجهه الملطخ بالدماء أمام العالم، وفرصة لتصريحات وهمية عن مشروعات وأرقام وهمية، بينما غالبية الشعب يعاني من سياسات الإفقار والتجويع والقمع والقتل لمن يعترض على أي فساد.
ولكي تكتمل التمثيلية الهزلية لمؤتمر شرم الشيخ ويتفسح السيسي مع زوجته، دفع 100 ألف دولار لإحضار الربوت الوهمي "صوفيا" لتتحدث معها زوجته "انتصار" وتنشر صور الحوار على حسابها على "فيس بوك"، ولا عزاء لبسطاء المصريين الذين يموتون في بلاعات المجاري أو ينتحرون لعدم قدرتهم على مجابهة متطلبات الحياة.
قبل هذا بلغت تكلفة مؤتمر شباب شرم الشيخ عام 2016 مبلغ 15 مليون جنيه من اجل اللقطة، أي مليون دولار لاستدعاء شباب والصرف عليه من أجل أن يمسك قائد الانقلاب الميكروفون ويهرتل كعادته، حتى أصبح ما يقوله مثال سخرية مواقع التواصل منه.
كما كشف دكتور حسن نافعة، قبل اعتقاله، عن أن مؤتمر شباب 2017 تكلَّف 30 مليون جنيه.
وكان أحد أبرز مظاهر الإسراف في أحد هذه المؤتمرات هو دعوة الممثلة الأمريكية الشهيرة "هيلين هانت" لإلقاء كلمة في افتتاح مؤتمر الشباب في مدينة شرم الشيخ نوفمبر 2017، قبل أن يكشف نشطاء مصريون أن الممثلة "تم استئجارها"، وأنها مسجلة على موقع speakers، أو "متحدثون" لحضور أي مؤتمر والكلام فيه مقابل 40 ألف دولار.
https://twitter.com/Zeinobia/status/927248431952859136
https://twitter.com/Monasosh/status/927260078243270656?s=09
عايز 20 تريليون!
والأعجب أن يقول السيسي في هرتلته المعتادة في المؤتمر الأخير: "عايز 20 تريليون دولار وأخلي مصر عروسة!"، والتريليون = مليون مليون=1000 مليار، أي أن السيسي يريد 20 ألف مليار دولار، أي 350 ألف مليار جنيه ليقوم بتحسين أوضاع المصريين، بينما هو أهدر المليارات على مشاريع فاشلة وجنرالاته ينهبون الاقتصاد ويتاجرون في كل شيء وتركوا أمر الجيش والدفاع عن مصر.
ويبرر إعلام الانقلاب هذه النفقات بأن هذه المؤتمرات تتم بتمويل من سبونسرز (عميل تجاري) ورجال أعمال وأصحاب الفنادق وبعض البنوك، وهو أمر غير صحيح، بدليل ما زعموه أن العاصمة الإدارية تنفق على نفسها بينما تنشر الصحف العطاءات الحكومية الممولة من موازنة الدولة.
وحتى لو كانت هذه الأموال يدفعها بنوك أو رجال أعمال. أليس الأولى أن تنفق على مشاريع تشغيل للشباب العاطل الذي ينتحر أو دعم الأسر الفقيرة وإصلاح المستشفيات التي تعاني؟
ويكذب قائد الانقلاب السيسي حين يأتي للحديث عن تفريطه في مياه مصر وفشله في منع سد النهضة يزعم أن "مصر لا تهدر مواردها في الاقتتال، في إشارة لاستبعاد الحل العسكري في أزمة سد النهضة، بينما هو يدعم الانقلابي حفتر بملايين الدولارات لكي يغزو طرابلس ويقتل المزيد من الليبيين.
وطبقًا لتقرير معهد أستوكهولم لأبحاث السلام فإن مصر استوردت في 4سنوات فقط منذ2014 وحتي2017 ما قيمته 6 مليارات دولار، والسؤال: لماذا تم إهدار أكثر من 100مليار جنيه مصري دون جدوى في بلد مثقلة بالديون؟
جدوى مؤتمرات شباب السيسي
تثير مؤتمرات السيسي أكثر من تساؤل وعلامة استفهام أبرزها:
الإصرار على استضافة أنصار السيسي فقط دون باق شباب مصر الذين يشكلون غالبية المعتقلين الـ60 ألفًا في سجون السيسي؛ ما يعني أنها مؤتمرات بلا قيمة سياسية فعلية، بدليل رد الشباب الحقيقيين على السيسي على مواقع التواصل عبر عدة هاشتاجات.
المؤتمرات تركز على فكرة "أسأل الرئيس"؛ ما يعني أنها ليست "ديالوج" أي حوار بين طرفين، وإنما "مونولوج" من طرف واحد والآخر يسأل فقط ويسمع دون أن تتاح له فرصة النقاش.
السيسي يصدر "خطاب الفقر والتسول" دائما للمصريين ويتحدث دائما عن التقشف، ويطالب المصريين بأكل وجبة واحدة، وأن ثلاجته ظلت فارغة 10 سنوات سوى من الماء، ورغم هذا تتكلف هذه المؤتمرات الملايين بلا جدوى حقيقية سوى الاستعراض السياسي، بحسب د. حسن نافعة الذي أشار للبذخ في استعدادات استقبال السيسي وعمل ثلاثة أطقم لتهذيب الأشجار والرصف ونصب خيام وبناء قاعات خشبية مكيفة، وأكد أن سأل خبير عن التكلفة فقال 30 مليون جنيه على الأقل، وهذا ليس سلوك دولة فقيرة تعيش أزمة اقتصادية.
كانت أهم توصيات المؤتمرات السابقة هي: "فحص موقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا"، وتم إطلاق عدة دفعات تبين أنهم ممن انتهت محكوميتهم تقريبا لم يبق لهم سوى شهر أو ثلاثة شهور لانتهاء عقوبات تقترب من 5 سنوات، وبينهم جنائيون وبلطجية (نخنوخ) ورجال أعمال متهمون بالقتل مثل "طلعت مصطفى" قاتل الممثلة سوزان تميم، و"مجدي طبيخة" الذي حُكم عليه نهائي بالحبس المؤبد لقتله أحد الشباب وأفرج عنه السيسي بعد سجنه بعفو بعد أسبوعين!
مؤتمرات الشباب كانت فرصة لتمرير تشريعات مكبلة للحريات والإعلام بدعاوى أنها "توصيات الشباب" مثل "التنسيق مع مجلس النواب للانتهاء من إصدار التشريعات المنظمة للإعلام"، التي نتج عنها قانونان للصحافة والإنترنت كبّلا حرية الكلام تمامًا للصحفيين والشعب، إضافة إلى قوانين الجمعيات الأهلية على العكس تم تجاهل توصيات مثل: "مشروع لتعديلات قانون التظاهر".
يراهن السيسي على إظهار انحيازه للشباب على اعتبار أن نسبتهم تتجاوز نحو 21.7% مليون نسمة من تعداد السكان، بحسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في منتصف أغسطس 2017، ولعبوا دورًا في ثورة يناير، ويخشى من مشاركتهم في ثورة ثانية ضده، ولكنه على العكس باعتقال آلاف الشباب وقتل آلاف آخرين، ما يؤجج غضب الشباب ضده.
برغم طرح المؤتمرات الخمسة السابقة توصيات ضخمة وصياغة برامج وخططًا امتلأت بها صفحات الصحف فلم يشعر الشباب بأي تغيير، وعلى العكس زادت المشكلات التي يعانون منها وخاصة البطالة والتضخم والوساطة والفساد بحسب أرقام رسمية.
وقد تحولت أغلب هذه المؤتمرات لحملات مضادة ضد السيسي؛ ردًّا على حملة أطلقتها مؤتمرات الشباب الداعمة لعبد الفتاح السيسي بعنوان "اسأل الرئيس"، إلى حملة موازية على مواقع التواصل بهاشتاج بعنوان (#اسال_الرييس)، أظهرت الانعزال التام بين مؤتمرات "شباب السيسي" وشباب مصر الفعليين، وعدم تحقيق هذه المؤتمرات أهدافها.
"امتي هاشتغل؟" و"هل وفيت بوعودك؟" و"ليه غليت علينا الأسعار؟، و"امتى هنرتاح منك؟"، ولماذا بعت تيران وصنافير؟"، و"لماذا لا نشعر بإنجازاتك التي تتكلم عنها"؟، كانت هذه بعض أبرز مطالب شبان مصريون من "السيسي" عبر هذا الهاشتاج على تويتر، ما دعا أنصار السيسي للدخول عليه والتعبير عن غضبهم بمطالبته بـ"افرم يا سيسي"!.
إسراف رغم البطالة
تحت رعاية السيسي، عقدت عدة مؤتمرات للشباب في المحافظات المختلفة؛ لمناقشة المشكلات التي تواجههم، لكن يبقى السؤال: ما التكلفة التي تتحملها الدولة في سبيل هذه المؤتمرات؟ وهل يتناسب هذا مع حالة البطالة التي يعاني منها الشباب؟ وهل تلب المؤتمرات والكلام المرسل طموح ما يقرب من 3.6 مليون شاب يواجهون أوضاعًا متردية وزيادة مزمنة للبطالة في ظل ارتفاع جنوني للمعيشة؟
وحين سئل الدبلوماسي المصري بوزارة الخارجية "عمرو عصام الدين"، والمُكلف بمهام المُنسق العام لمُنتدى شباب العالم، عن تكلفة منتدى شباب العالم في شرم الشيخ وما يتردد عن إنفاق 250 مليون جنيه علي تمويل المؤتمر فقال: "مش متابع"!.
ولكنه قال إن "المنتدى ككل لم يكن سحبًا أو تمويلاً من مصادر الدولة، وفيه رعاة وأطراف كثيرة حرصت على الإسهام فيه، عينيًا وماديًا ليسهم في تنشيط السياحة".
ومقابل هذا الإسراف تساءل شباب عبر مواقع التواصل عن إنفاق هذه الأموال على الشباب العاطل أفضل من استعراضات مؤتمرات الشباب.
وأظهرت إحصائيات للجهاز المركزي للتعبئة العامة في مصر أبريل 2018 أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 3.4 مليون شخص في 2017 مقابل 3.6 مليون شخص في 2016.
وقال جهاز الإحصاء: إن معدل البطالة كان 12.5% من الشباب عام 2016، وانخفض إلى 11.8% عام 2017، وأن نسبة البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-29 سنة بلغت 24.8%.