دعّموا الحوثيين.. هل ندمت السعودية والإمارات على تخريب الثورة اليمنية؟

- ‎فيتقارير

تدحرجت كرة الحرب في اليمن بشكل متسارع في الآونة الأخيرة، مخلّفة وراءها قضايا جديدة أكثر تعقيدًا، كشفت في المحصلة النهائية عن حجم العبث الذي يتورط فيه التحالف العسكري السعودي الإماراتي على الساحة اليمنية.

وصل هذا العبث إلى الحد الذي يمكن معه اليقين بأن أخطر التحديات التي اعترضت مسيرة اليمنيين نحو السلام والديمقراطية، كانت من صنع الرياض وأبو ظبي، وبغطاء وتفهم كاملين من جانب العواصم الغربية.

ويؤكد الخبراء والسياسيون أنه لولا الدعم السعودي والإماراتي لمليشيات الحوثيين الشيعية، في عام 2014، لما رُفعت صور “قاسم سليماني” وسط العاصمة اليمنية صنعاء، إذ لا أحد في المنطقة خدم أطماع إيران وسهّل لها نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان إلا السعودية والإمارات، وسياساتهما التخريبية لثورات الشعوب في الربيع العربي.

وتمرُّ أربع سنوات ونصف منذ بداية الحرب على الانقلاب في اليمن، وما زالت آلات الحرب تحصد المزيد من الأرواح، في ظل تخاذل كبير من قبل التحالف السعودي الإماراتي، إذ لم يلاحظ اليمنيون أي تغييرات في موازين القوى غير موازين القهر والاضطهاد، اللذين كانا من أبرز التحولات في المعادلة غير المنصفة على مدى أربعة أعوام ونصف من الفقر والجوع والمعاناة اللامتناهية؛ بسبب حرب لم تحقق أهدافها وفق المخطط الزمني الذي رسمته منذ نكتة “عاصفة الحزم” التي أطلقتها الرياض.

وفاض الكيل ببعض حلفاء السعودية في اليمن مثل عبد العزيز جباري، نائب رئيس البرلمان، ليتهمها والإمارات “بذبح الشرعية من الوريد إلى الوريد”، وليؤكد أن الحوثي “لم يفعل بالشرعية مثلما فعلتم”.

دولة مراهقة

وأضحت الوعود بالتحرير وعودة الدولة وهزيمة الانقلاب وما إلى ذلك، وعودا كاذبة ولم تكن سوى فقاعات إعلامية، يراد بها كسب ودَ وتعاطف الشعب اليمني المقهور المغلوب على أمره لغاية معينة، لم يكن الانقلاب الذي نفذه الحوثيون هو العقبة الوحيدة والمبرر الرخو لإطالة أمد الحرب، ولكنه صراع المشاريع ونزوات الغرور والكبرياء والأطماع، التي قسّمت الأدوار بين دولة مراهقة كالإمارات، تسرح وتمرح وتمارس الاستبداد والقهر في حق أبناء اليمن، الذي أتت لإنقاذهم كما تقول.

المحلل السياسي اليمني، عمر عياصرة، قال إن “السعودية لم تكن غافلة عن المشروع الإماراتي، بل كانت تعرف أن الإمارات ترعى الانفصاليين وتساندهم لقيام دولة جنوبية”.

أما عن المصلحة السعودية في هذه المؤامرة، وفقا لعياصرة، فهي أنها تريد يمنا ضعيفا منقسما يحتاجها في كثير من الأحيان، وهذا التواطؤ يؤكد أن هناك تنازلا صامتا للحوثيين ومحاربة لتكوين شرعية قوية تستطيع لملمة اليمن مرة أخرى.

وأضاف عياصرة أن الشرعية عليها أن تعتبر التحالف طرفا آخر لا يخدم مصالحها، فضلا عن ضرورة تحديد موقف الزمرة الموجودة في الرياض، ومعرفة إن كانت مسلوبة الإرادة أم تملك قرارها.

وشدد على أنه يجب التحرر من قرار الرياض حتى لا تظل الشرعية “مسجونة”، معتبرا أن صمت الشرعية سيؤدي إلى موتها، خاصة أن السعودية تحاول ترجمة هزيمتها في اليمن بإعادة إنتاج مقاربة جديدة لا مكان فيها للشرعية.

من جهته، اعتبر الكاتب والباحث السياسي خالد الآنسي، أنه لا وجود لأجندة سعودية وأخرى إماراتية، بل هي أجندة واحدة منذ العام 2011، وتبادل الأدوار بين البلدين ما هو إلا لعبة لخداع اليمنيين.

وشدد الآنسي على أن اليمنيين يواجهون ثورة مضادة للتخلص من الشرعية التي نتجت عن طريق الإرادة الشعبية، معتبرًا أن السعودية انتقلت إلى خانة اللعب المكشوف لأنها لم تتحرك بعد تلقيها معلومات من الشرعية، وهي التي أدارت ما جرى في اليمن.

واعتبر أن مشروع تمزيق اليمن وإغراقه في دائرة الفوضى يعطي إيحاء بأهداف المشروع السعودي الإماراتي، فالذين تعللوا بمواجهة إيران هم من عملوا على تقسيم اليمن وتمزيقه.

أما عن الخيارات المتاحة أمام الشرعية، فأكد الآنسي أنها تملك ورقة المشروعية في المقام الأول، فضلا عن إمكانية فضحها لمعلومات سرية، ولم يستبعد خيار العودة إلى مجلس الأمن ومحاسبة هذه الدول التي استغلت القرار الدولي ونفذت أجندة لا تخدم استقرار اليمن، مشددا على ضرورة اتخاذ موقف لفضح المؤامرة وعدم شرعنتها.

أجندة الإمارات والسعودية

جدير بالذكر أنه في نوفمبر 2017 سرّب الرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح، قبيل اغتياله بأسابيع، وثيقة يعود تاريخها إلى 27 ديسمبر 1966، تتضمن طلبًا موجَّها من الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ليندن جونسون، يطالبه فيها بدعم كيان العدو الصهيوني في شن حرب على مصر، والاستيلاء على الأماكن الحيوية فيها؛ لإرغامها على الانسحاب من اليمن.

وقال صالح، في الخطاب الذي توعّد فيه بالكشف عن الوثيقة، ونشرها بعد ذلك موقع حزبه الرسمي “المؤتمر.نت”: إنّ “السعودية تشن عدوانا على اليمن، ليس في عمليتها العسكرية الحالية فحسب، بل في الفترة التي أعقبت الثورة اليمنية في عام 1962 وحتى الانتصار على الملكيين المدعومين من السعودية عام 1970”.

ولم يكن من مصلحة السعودية أن تنجح الثورة التي أنهت حكم الأئمة في شمال اليمن؛ إذ كانت تخاف من استلهام النموذج الثوري، ومحاولة استنساخه، أو انتقال العدوى، بحسب تعبير الملك فيصل، وهذا ما أشارت له الوثيقة في إحدى نصوصها حين قالت “وإن تراب اليمن، من خطر السعودية الذي هو خطر أمريكا وبريطانيا”.

ألهمت الثورة في شمال اليمن الجنوبيين، فقاموا بثورة ضد الاستعمار الإنجليزي، في 14 أكتوبر 1963، أي بعد سنة واحدة فقط من قيام الثورة في الشمال، وهو الأمر الذي ضاعف مخاوف النظام السعودي، من انتقال العدوى الثورية في المنطقة، وكان الملك فيصل قد أشار في رسالته للرئيس الأمريكي جونسون إلى أن ذلك خطر على المصالح البريطانية مثلما هو خطر على المصالح السعودية.

وقفت السعودية أمام إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وبذلت جهودا كثيرة لعرقلة الجهود الرامية لإعادة تحقيق الوحدة، لكنها باءت بالفشل، في كتابه “السعودية تبتلع اليمن” كتب السعودي يوسف الهاجري: “قبل أكثر من ثلاثين عاما السعودية، الجارة الشمالية للبلدين -اليمن الشمالي والجنوبي- لا يعجبها أن ترى دولة قوية تنافسها في الجزيرة العربية”.

وتابع: “فعشرة ملايين نسمة في اليمن الشمالية ومليونان في الجنوبية ومساحة شاسعة تبلغ 533 ألف كيلو مترًا مربعًا للبلدين، وإطلالتها على مضيق هام كباب المندب، وشعب كادحٍ محاربٍ له حضارة عريقة كالشعب اليمني، يمكن إذا اتحد شطراه أن يشكّل القوة الرئيسية الأولى في الجزيرة العربية إذا ما توافر لها استقلال اقتصادي.. ولذلك فإن السعودية قد رمت بثقل كبير في اليمن الشمالية، وانفقت الأموال الطائلة على الوجوه المؤيدة لها والمعارضة للوحدة مع الجنوب”.

بحسب صحيفة “إندبندنت”، فإنّ أجندة الإمارات تتمثل في السيطرة على الموانئ والقواعد البحرية على طول الساحل الجنوبي الاستراتيجي لليمن، وعمليا تسيطر الإمارات على مضيق باب المندب، وأنشأت قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الواقعة في قلب المضيق، بالإضافة إلى سيطرتها الكلية على جزيرة سقطرى المحاذية للسواحل العمانية، والقريبة من مضيق هرمز.

هذه التحركات الإماراتية، تأتي في محاولة لتوسيع نفوذها الإقليمي وتحقيق طموحها المتنامي في المنطقة، كقوة صاعدة تطمح لها أبوظبي، وهذا الأمر لن يتحقق لها أو يستمر، كما تعتقد، إلا إذا تخفّفت من حمولة الشمال، وعملت على فصل جنوب اليمن عن شماله، بالإضافة إلى استمرارها في خلط المشهد وتكريس الفوضى، وتقويض سلطة الحكومة الشرعية.

معادية للإخوان

كان السعوديون ومعهم بقية دول الخليج يخشون هيمنة النفوذ الحوثي الموالي لإيران، ومن ناحية أخرى فإنهم يناصبون أكبر الأحزاب اليمنية وهو حزب الإصلاح العداء بسبب توجهاته الإسلامية المعتدلة، ولأنه يضم في صفوفه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

وفي مواجهة التعصب الطائفي الحوثي لم يكن هناك من هو قادر على لمّ شمل سُنة اليمن بقدر الإصلاح الذي كان الحزب الإسلامي الأقوى في اليمن، ولكن أجندة السعودية والإمارات المعادية للإخوان منذ اندلاع الربيع العربي أضعفت هذا الحزب، ولجأ التحالف وخاصة الإمارات للبحث عن أصدقاء آخرين، من بينهم جماعات سلفية متشددة والأسوأ جماعات الانفصاليين الجنوبيين الذين أصبحوا أصدقاء الإماراتيين المفضلين.

ودربت أبو ظبي نحو 90 ألفا من الانفصاليين الجنوبيين والذين تحركوا لإسقاط الحكومة الشرعية في عدن بعد انسحاب  أبوظبي، ليضيفوا فصلا مأساويا جديدا يعقد أزمة اليمن.