بعد ارتفاع معدل التضخم.. دولة العسكر تواصل طباعة النقود والمواطن يدفع الفاتورة

- ‎فيتقارير

حذَّر خبراء اقتصاديون من استمرار ارتفاع معدل التضخم فى مصر وتأثيره على الاقتصاد بصفة عامة، وعلى الأوضاع المعيشية للمصريين بصفة خاصة، مؤكدين أنَّ المواطن العادي هو الذى يدفع فاتورة التضخم.

وأرجع الخبراء ارتفاع معدل التضخم إلى قرارات حكومة العسكر المستمرة برفع الأسعار، وزيادة الرسوم، وفرض ضرائب جديدة، وطباعة النقود دون رصيد، مما يؤدى إلى هروب المستثمرين وتعثر الشركات وتراجع الإنتاج.

كان معدل التضخم السنوي قد ارتفع إلى 6.8 بالمائة خلال ديسمبر 2019، مقابل 2.7 بالمائة في الشهر السابق له.

وقال الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إن معدل التضخم الشهري سجل معدلًا سالبًا بنسبة 0.2 بالمائة في الشهر الماضي، مقارنة بنوفمبر الماضي، موضحًا أنّ معدل التضخم السنوي عاود الارتفاع مجددًا، بعد أن شهد تراجعًا خلال الشهور الخمسة الماضية.

تخفيض الفائدة 

وفي 14 نوفمبر الماضي، قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة بمقدار 1 بالمائة على الإيداع والإقراض إلى 12.25 بالمائة و13.25 بالمائة على التوالي، مسجلا رابع خفض خلال 2019.

وقال “المركزي”، في بيان آنذاك، إنه خفض أسعار الفائدة الرئيسية على الإيداع والإقراض 1 بالمائة، بفضل استمرار تراجع التضخم. ويستهدف البنك المركزي معدلًا للتضخم عند 9 في المائة (زائد أو ناقص ثلاث نقاط مئوية).

يشار إلى أن معدل التضخم يعبر عن زيادة مستوى الأسعار، محسوبا على أساس سلة من السلع والخدمات، وعندما ينخفض فإنه يعبر عن تراجع وتيرة زيادة الأسعار وليس انخفاضها.

وأرجع الخبراء وصول معدل التضخم لهذا المستوى إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها زيادات أسعار البنزين والكهرباء والمياه، وفشل الإدارة الاقتصادية لحكومة العسكر، فضلا عن الزيادة المفرطة في طباعة النقود بدون إنتاج حقيقي.

مؤشر خطير

من جانبه قال الخبير الاقتصادي الدكتور سرحان سليمان: إن السبب الرئيس في زيادة معدل التضخم هو زيادات اﻷسعار، خاصة بالنسبة للبنزين ثم الكهرباء ثم المياه. لافتا إلى أن تلك الزيادات تقود إلى ارتفاع كبير فى معدلات التضخم، وأن هذه المعدلات لا توجد في أي دولة مستقرة في العالم.

وأوضح أنه في حالة زيادة معدل التضخم عن 20%، فإن ذلك يعنى أن الدولة أصبحت ذات ظروف خاصة مثل الحروب والأوبئة، ولكننا في مصر لا نعانى من حروب أو أوبئة، ولذلك فإن هذه المعدلات ناتجة عن فشل الإدارة الاقتصادية. مشددا على أن وصول معدل التضخم إلى هذه النسبة مؤشر خطير على الاقتصاد المصري من وجهة نظر المستثمرين الأجانب؛ لأنهم يشعرون بأننا دولة ليس لديها نظام اقتصادي مستقر، وإدارة اقتصادية تضع قوانين وأدوات تكبح هذا المعدل.

واختتم بأن ارتفاع التضخم له انعكاسات خطيرة على مستوى المعيشة ومتوسطى الدخل؛ لأن ارتفاع الأسعار يعنى انخفاض الدخل، كما أن نسبة الفقراء ستزيد، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة نتيجة زيادة تكلفة الإنتاج.

طباعة النقود

من جانبها، قالت الدكتورة عالية المهدي، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: إنَّ معدل التضخم له آثار سلبية سيئة على معدلات الفقر.

وأضافت المهدي، في تصريحات صحفية، أن زيادة معدل التضخم إلى مستوياتها الحالية تعني تآكل نحو ثلث قيمة الجنيه المصري، وتراجع قيمة المدخرات بنفس المستوى، محذرة من تنامي معدل الفقر.

وكشفت عن أن زيادة معدل التضخم ناتجة عن مجموعة من الأسباب أبرزها، الزيادة المفرطة في طباعة النقود بدون إنتاج حقيقي ما أسهم في زيادة الأسعار، وزيادة المطروح من السيولة دون أن يقابله زيادة في الإنتاجية، إضافة إلى ثبات معدلات الإنتاج والاستثمار دون زيادة تسهم في إصلاح الوضع الاقتصادي.

وتابعت: معدل طباعة النقود ارتفع ليتراوح بين 70 و80 مليار جنيه سنويًّا، بعد أن كانت تتراوح بين 8 و12 مليار جنيه سنويًّا قبل 2011.”

مصيبة كبرى

وقال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن زيادات الأسعار إضافة إلى لجوء حكومات الانقلاب إلى الحلول السهلة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، هي التي أدت إلى زيادة معدل التضخم.

وأوضح عبده، فى تصريحات صحفية، أنه لا توجد دولة فى الكون معدل التضخم بها يصل إلى هذا الرقم المخيف، قائلا: “الدول اللى عندها معدل تضخم 5% بتلطم فما بالنا إحنا”.

وأكد أن ارتفاع التضخم سيؤثر بشكل سلبي على الاستثمار وزيادة معدلات البطالة وخفض الإنتاج .

وحول طرق خفض معدل التضخم قال عبده: “هناك 3 حلول لخفض معدلات التضخم يمكن استخدامها بسهولة إذا أرادت حكومة الانقلاب ذلك بالفعل”.

وأوضح أن هذه الحلول تتمثل فى السيطرة على انفلات الأسعار من جانب التجار الجشعين، وأيضا زيادة اﻹنتاج والسيطرة على اﻷسواق وارتفاع اﻷسعار والاهتمام بالصناعة المحلية والحد من طباعة البنكنوت، والحد أيضا من الاقتراض الحكومي محليًّا خاصة الموجَّه للإنفاق الجاري، كذلك تعاقد وزارة التموين مع الفلاحين مباشرة على الخضار والفاكهة، وطرحها فى اﻷسواق بالمناطق الشعبية للقضاء على دور الوسيط الجشع، وبالتالي تنخفض اﻷسعار.

وأشار عبده إلى أن ثالث هذه الحلول هو العمل على خفض سعر الدولار الذى نستورد به 70% من احتياجاتنا من الغذاء؛ لأن اعتمادنا على الخارج فى غذائنا مصيبة كبرى ويستنزف الموارد المالية الأجنبية للدولة.

تضخم بسبب ارتفاع الأسعار 

ويرى الدكتور مدحت نافع، أستاذ التمويل والاستثمار، أنه يمكن تخفيض معدل التضخم من خلال مجموعة من الحلول الاقتصادية، تتمثل فى شقين مهمين، أولهما، الشق الرقابى، والذى يحتاج من دولة العسكر- لكى تحتوى التضخم ومعدلاته المرتفعة- تفعيل دور الرقابة القانونية والمتمثلة فى جهازي حماية المستهلك وحماية المنافسة.

وقال نافع، في تصريحات صحفية: إن ارتفاع معدل التضخم يرجع لارتفاع الأسعار والذى يعود سببه لاحتكار السلع، خاصة السلع الاستهلاكية، والتي يعتمد عليها المواطن بشكل أساسى فى حياته اليومية، واقتصار إنتاج وبيع هذه السلع على مجموعة محددة من التجار تستهدف تحقيق الربح فقط، مما يؤدى لارتفاعها وهو ما يتسبب فى ارتفاع التضخم كنتيجة طبيعية لذلك.

وأضاف: ينبغى على دولة الانقلاب أيضا بجانب تنظيم وتفعيل الدور الرقابى وحماية المستهلك من الغش الذى يتعرض له فى الكم والنوع والسعر، أن تقوم بتنظيم العملية التنافسية، فيما تقوم أيضا بمنع الممارسات الاحتكارية خاصة فى السلع الاستراتيجية، كالأدوية وغيرها.

وأشار نافع إلى أن الشق الثانى الذى يجب على دولة العسكر مراعاته لاحتواء أزمة التضخم، يتمثل فى الجانب الفني، والمتعلق بالإجراءات القانونية التى تسهل دخول منتجين جدد فى الأسواق التجارية، وفتح أبواب المنافسة “المنظمة”، وهو ما يسهم فى خفض الأسعار وبالتالى تراجع التضخم.

وذكر أن الوقت المطلوب لتخفيض معدلات التضخم، لن يكون كبيرًا فى حال تنفيذ الحلول الاقتصادية المقترحة، وإسراع حكومة (العسكر) فى تنفيذ روشتات العلاج الموضوعة، خاصة أن تنفيذ معظم هذه الحلول لا يحتاج سوى إجراءات وخطوات بسيطة من قبل دولة العسكر، أهمها الشفافية مع المواطنين، وتحديد نظرة مستقبلية واضحة على المدى القريب.