بايدن والإخوان والثورات المضادة

- ‎فيمقالات

في ظل صخب الانتخابات الأمريكية وفرز أصواتها، وإعلان نتيجتها، ظهرت بقوة تميمة الإخوان، ليفسر بها البعض سر فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على منافسه ترامب، وكان من غرائب ما قيل في هذا الشأن أن معظم موظفي البريد الأمريكي وبعض نواب الكونجرس هم من أصول فلسطينية ومصرية وأفريقية، وأنهم أعضاء في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ولذلك فليس غريبا أن يحدث التلاعب لصالح بايدن لهزيمة ترامب!!

انعكاس نتائج الانتخابات الأمريكية، وخاصة فوز بايدن، على عودة الإخوان إلى المشهد السياسي كان هو العنصر الرئيسي في تحليلات القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية السعودية والإماراتية والمصرية التابعة لنظام السيسي طيلة الأيام الماضية.

حالة من الهلع والهستيريا لدى منابر وقنوات الثورات المضادة صاحبت عمليات عد الأصوات، تزداد مع كل تقدم لبايدن وتراجع لترامب. ظهر ذلك في قنوات العربية وسكاي نيوز، وكذا في القنوات التي تملكها وتديرها المخابرات المصرية، وعلى ألسنة محللين يحملون درجات علمية سياسية في بعض الأحيان.. عبّرت جميعها عن قلقها من إمكانية عودة الإخوان للمشهد السياسي مجددا مع وصول بايدن الديمقراطي إلى البيت الأبيض، حيث يعرف عن الديمقراطيين اهتمامهم النسبي بملفات حقوق الإنسان، والحريات العامة، والانتقال الديمقراطي، وهذا ما سيفيد الإخوان في معركتهم مع نظام السيسي، وإن كان بعض المحللين حاولوا تخفيف قلق أنصارهم من احتمالات عودة الإخوان، لكنهم قالوا كلاما ظهر منه أنهم أنفسهم يحملون نفس المخاوف التي أرادوا إزالتها من غيرهم.

لا شك في أن السياسة الأمريكية الخارجية لديها ثوابت لا يمكن اختراقها من أي حزب وأي مرشح، وعلى رأسها الدعم المطلق للكيان الصهيوني، فهذا تعهد قديم منذ تأسيس هذا الكيان، ولكن السياسة الأمريكية حتما ستشهد تغيرات في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات العامة، وهي الملفات التي سكتت عنها إدارة ترامب مقابل مئات المليارات التي دفعتها السعودية والإمارات، ومقابل مشاركة نظام السيسي في دعم خطة ترامب لتسوية القضية الفلسطينية في ما عرف باسم صفقة القرن، والتي كان أول من نطقها باللغة العربية وفي حضور ترامب هو عبد الفتاح السيسي.

لكن مسألة حماس بايدن للانتقال الديمقراطي في الشرق الأوسط ومصر في قلبه مسألة فيها نظر، فلن ننسى أن بايدن كان على رأس الفريق الرافض لتغيير المخلوع حسني مبارك في الأيام الأولى للثورة المصرية، وقد شاركته في هذا الرأي هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وتشاك هيجل وزير الدفاع، في مقابل فريق آخر من الشباب انحاز له الرئيس أوباما، وطالب مبارك بترك السلطة يوم 10 شباط/ فبراير 2011، وقد اضطر بايدن وهيلاري لمجاراة قرار أوباما لاحقا، حيث زارت هيلاري ميدان التحرير معبّرة عن سعادتها بما حققه الشعب المصري وشبابه، كما أن بايدن مع هذا الفريق المحافظ في إدارة أوباما هو الذي منع صدور إجراءات عملية ضد نظام السيسي ردا على مجزرة رابعة والنهضة.

ومع ذلك، فإننا لا يمكن أن نتجاهل أيضا أن التغييرات الكبرى التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط عقب ثورات الربيع العربي حدثت في عهد الديمقراطيين، ولا يمكن تجاهل الدور الذي قامت به إدارة أوباما في دعم ثورات الربيع العربي، وتحريك سفرائها في كل دول الربيع للتواصل مع القيادات الجديدة التي أنتجتها تلك الثورات، وقامت هيلاري كلينتون بتوجيه من أوباما بزيارة مصر واليمن وتونس.

ويمتاز الديمقراطيون بالعمل المؤسسي على خلاف ترامب الذي عمل بطريقة فردية وهمش المؤسسات بصورة كبيرة، وبالتالي فحتى لو كان لبايدن موقف خاص في مسألة معينة، فإنه سيترك المجال لبقية المؤسسات لتشاركه الرأي، وعلى الأرجح سيلتزم بالرأي الغالب لديها، وهذا ما يفتح الباب فعلا لتحريك قضايا الحريات وحقوق الإنسان في منطقتنا باعتبارها قضايا تقليدية للديمقراطيين. وقد سرت تكهنات بأن نظام السيسي أفرج خلال الأسبوع المضي عن حوالي 600 معتقل، كما أفرج عن خمسة من أقارب الناشط الحقوقي محمد سلطان كعمل استباقي لوصول بايدن للحكم، وقد يتكرر الأمر مع مجموعات جديدة خلال الأيام المقبلة.

تعاملت الإدارة الديمقراطية في عهد أوباما ونائبه بايدن مع الإخوان عقب ثورة يناير مباشرة، وهو ما ظهر في تسريبات بريد هيلاري كلينتون الأخيرة. كانت الإدارة الأمريكية تحاول فهم ما حدث ومثّل مفاجأة لها، وكانت تريد الاقتراب من الأطراف الفاعلة الجديدة في المشهد المصري. ولم تبد الإدارة الأمريكية "فيتو" على ترشيح الإخوان لمرشح رئاسي، وتعاملت مع الرئيس مرسي لاحقا بشكل إيجابي، واستقبلت بعض رجاله في واشنطن، كما تعاونت معه بشكل أساسي في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر 2012، وأجرى الرئيس أوباما سلسلة من الاتصالات في حينه بالرئيس مرسي، وأشادت هيلاري كلينتون بدور مرسي ووصفته بأنه رجل دولة حصيف. وظل تواصل الإدارة الأمريكية مع الرئيس مرسي حتى الأيام الأخيرة لحكمه، حيث قدم أوباما له نصائح بأن يحذو حذو مانيلا في التعامل مع خصومه السياسيين.

وانقسمت الإدارة الأمريكية مجددا حول الموقف من الانقلاب العسكري، لكن الخلاف حسم لصالح الفريق المحافظ والذي كان بايدن ضمنه، حيث لم تتخذ الإدارة الأمريكية موقفا صارما من الانقلاب كعادتها مع الانقلابات الأخرى، كما لم تتخذ موقفا صارما ضد المجازر التالية له.

يختلف بايدن عن ترامب في موقفه من الإسلام والمسلمين، فبينما وصف ترامب الإسلام بالإرهاب مناصرا لصديقه ماكرون، فإن بايدن عبر عن احترامه للإسلام، وحرص على استقطاب أصوات المسلمين، واستعان بحديث نبوي شريف (من رأى منكم منكرا فليغيره…)، ولذلك فقد كانت الكتلة الأكبر من مسلمي أمريكا داعمه له انتخابيا، وهذه الروح من بايدن ستنعكس بالتأكيد على علاقته بالعالم الإسلامي.

كما أن بايدن سيكون على خلاف ترامب الذي حاول ولكنه فشل في تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، وفاء بوعود انتخابية قطعها، أما بايدن فإنه قد يفتح أبوابا ولو خلفية للحوار مع الجماعة التي تعاملت معها الإدارة الديمقراطية السابقة والتي كان هو ضمنها، وبالتالي فإن ملف تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية لن يكون مطروحا على جدول أعمال بايدن.

وما يزيد من فرص الفهم الأفضل والحوار مع العالم الإسلامي هو فوز بعض المسلمين (عرب وأفارقة) بعضوية مجلسي النواب والشيوخ، بينهم النائبتان إلهان عمر ورشيدة طليب اللتان شن ترامب هجوما حادا عليهما بهدف منع وصولهما مجددا للكونجرس. وهذا العدد من النواب سيعطي زخما أكبر لمشاغل العالم الإسلامي، وسيكون دافعا في ملف الحريات وحقوق الإنسان عموما.

وسط هذا الموقف المعتدل تجاه العالم الإسلامي تبقى النقطة المثيرة للجدل هي علاقة بايدن بالرئيس أردوغان، حيث أظهر بايدن مرات عديدة كراهيته لأردوغان وتعهده بدعم المعارضة التركية، وربما تقديم دعم أكبر لليونان وحتى لأرمينيا في مواجهة أذربيجان. لكن مجددا، فإن الموقف الشخصي قد يجد موقفا مؤسسيا مختلفا يضطر بايدن للالتزام به، وحتى إذا لم يوجد هذا الموقف المؤسسي فإن تركيا لديها أوراقها التي تلاعبه بها، وخاصة على مستوى حلف الأطلسي الذي يسعى الديمقراطيون لتقويته.
——–
نقلاً عن "عربي21"