كتب- أحمدي البنهاوي:
تجاهلت إدارة جامعة القاهرة مكوناتها الأكاديمية في صنوف العلم، فضلاً عن استثناء مكونها الطلابي، ممثلاً في إتحاد طلاب الجامعة، في إصدار وثيقة "جامعة القاهرة" من 12 نقطة تركز على الثقافة و"التنوير" المصطلح الذي دأب مثقفو حظيرة فاروق حسني في عهد المخلوع مبارك على ترديده منذ أن كان جابر عصفور رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة، معتبرين أن العلمانية هي النظرة المستقبلية حتى فوجئ المثقفون في شوارع التحرير في 1 فبراير 2011 ب"عصفور" يقسم يمين وزارة الثقافة أمام مبارك، ثم وجدوه ثانية أمام "السيسي" يقسم يمينا في "حكومة" الببلاوي، وهي أيمان لغو –اعتادها- في الحالتين، ثم الآن هو أحد أساطين الوثيقة الجامعية.
وعبرت الروائية الراحلة رضوى عاشور حينها عن خيبة أملها من قبول من وصفته بالـ"مثقف جاد"، مهما كانت توجهاته السياسية، أن يدعم هذا المجرم؟ كيف يقبل أن يقف ضد شعبه وثورة هذا الشعب؟ هذه سقطة لا تغتفر كنت أتمنى ألا يقع فيها جابر عصفور".
وطن ضائع
ونشرت الصحفيون الحاضرون 12 نقطة بنود الوثيقة، يمكن تلخيصها في 4 نقاط رئيسية تحتاج من القارئ العادي إلى ترجمة المصطلح 1- دعوتها للنّظرة العقلانية المستقبليّة، و2- استحداث مناهج جديدة لتغيير طريقة تفكير الطالب، و3- والأخذ بالطالب نحو التفكير العقلانى النقدى والإبداعى، و4- وبناء شخصية مسؤولة واعية، من أجل نهضة حقيقية.
ولكن لسان حال الوثيقة يقول: "تعمل إيه وثيقة جامعة القاهرة في وطن ضيعه العسكر"، كما كان يقول "السيسي": "ويعمل إيه التعليم في وطن ضايع".
تعليم لا مجاني
وكشف عمرو أديب في برنامج على "أون تي في" نية السيسي واستعجاله تحويل التعليم الجامعي المجاني إلى مدفوع، وهو أحد الأجزاء التي تجاهلتها الوثيقة الثقافية التنويرية، رغم أن مراد وهبة كأحد رموز اليسار – أنصار المجانية- أحد أبرز الواضعين للوثيقة وفي مايو الماضي كشفت مصادر حكومية مصرية، عن خطة رسميّة أعدّها المجلس التخصصي للتعليم التابع لرئاسة الجمهورية، الذي كان يترأسه وزير التعليم الحالي طارق شوقي، تتضمّن تحويل الخدمات الجامعية الحكومية إلى خدمات مدفوعة بنسبة لا تقلّ عن 75% تدريجياً.
ولفتت المصادر إلى أنّ هذه الخطة التي أُعدّت على درجة عالية من السرية، عُرضت خلال الشهرين الماضيين على عدد من الخبراء التربويين ورؤساء الجامعات السابقين والحاليين وأكاديميين من مختلف التخصصات، غير أنّ الذين اطّلعوا عليها عارضوها بمعظمهم وبطريقة قاطعة. يُذكر أنّ ثمّة إرادة عليا من قبل السيسي شخصياً لتطبيقها في أقرب وقت ممكن.
الشو الإعلامي
ويبدو أن عناصر التنوير والثقافة والاستعراض الإعلامي ظهر من خلال حضور المؤتمر الصحفي الذي عقده محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة بحضور عدد من الشخصيات الثقافية والعامة من أعضاء مجلس الثقافة والتنوير بجامعة القاهرة، ومن بينهم الدكتور حسن الببلاوي، ومفيد فوزي، وعلاء ثابت رئيس تحرير جريدة الأهرام، ومحمود مسلم رئيس تحرير جريدة الوطن، والدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا المصرية، والدكتور مراد وهبه، والكاتب يوسف القعيد، والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والدكتور سامي عبدالعزيز الخبير الإعلامي، والدكتور مصطفى الفقي، والدكتورة ماريان عازر، والدكتورة رشا إسماعيل.
يشار إلى أن جامعة القاهرة قد أعلنت في منتصف شهر أغسطس الماضي عن تشكيل مجلس الثقافة والتنوير، والذي عقد أول اجتماع له لمناقشة المبادئ الأولية لوثيقة جامعة القاهرة للثقافة والتنوير التي تؤسس لهوية جامعة القاهرة وهوية مصر المستنيرة.

ممارسات وشعارات
ولا تخلو مبادئ الوثيقة من الشعارات التي يكذبها الواقع فلا حرية ولا عقلانية في الطرح بل يسود الاعتقال والاقصاء ومحاربة الفكر الإسلامي الذي اختفى تماما من منصة مجلس الثقافة والتنوير وتم الاكتفاء برموز العلمانية الموالين للسلطة الإنقلابية العسكرية الدموية التي اشترك مبشروها بأن السيسي أخرج المصريين من الظلمات كما قالها مراد وهبة وجابر عصفور وغيرهم.
ففي بند "هوية الجامعة" وتحدد مسارات عملها، هي: -جامعة القاهرة مدنية، عقلانية، والحرية مكون أصيل من مكوناتها، وتأكيد حق الاختلاف، وتنوع الفكر الخلاق فى إطار الدولة الوطنية.
ومن ثم عدم التعصب لتيار ضد تيار، وعدم التمييز بين منسوبيها اجتماعيا أو فكريًا أو دينيًا -تأكيد هوية مصر المستنيرة القائمة على قيم التعايش وتقبل الآخر، خصوصًا أن الجامعة شريك فى صياغة هذه الهوية.
تسويق أمني
وحتى تنال الوثيقة التسويق الإعلامي الأمني لابد من إحتوائها على مصطلح "الإرهاب" ولم يبذل أعضاء لجنة الثقافة والتنوير جهدا في تعريفه فكلهم شرحوا عداواتهم للإسلاميين على مختلف إنتماءاتهم.
داعية إلى تكوين خطاب ثقافى ودينى جديد يعتمد على التأويلات العقلانية المتعددة والقراءة العلمية للنصوص الدينية بوصفها البديل عن التفسير الواحد المغلق ووهم امتلاك الحقيقة المطلقة.
حيث دعا أحد البنود الـ12 إلى – تأسيس تيار عقلانى عربى مقاوم للإرهاب والتطرف والرجعية والأصوليات الجامدة التى تدعو إلى إبطال إعمال العقل فى فهم الواقع أو فى فهم النصوص الدينية.
– الانفتاح على تجارب التنوير الأخرى والتيارات العالمية وتاريخ الأفكار والفنون وتنوع مصادر المعلومات والتمكين التكنولوجى لكافة عناصر الجامعة من منظور المصلحة القومية.
– بناء نسق فكرى مفتوح ومتحرر ومتطور فى مواجهة النسق الفكرى المغلق والمحافظ والجامد، يقوم على التفكير الإبداعى الخلاق والوعى النقدى بعيدا عن القوالب الجاهزة التى تعيق الإبداع والتطور، وضد العقل السلبى القائم على الحفظ والتلقين والتسليم بالحقيقة الواحدة التى لا تقبل التغيير.
ثم يعود مناقضا ذاته ومناقضا الواقع اللاديمقراطي حيث الدعوة لعدم التمييز على أساس دينى أو عرقى أو اجتماعى أو سياسى أو غيره من أسس التمييز التى تتعارض مع فكرة المواطنة، فالجميع محكوم بمبدأ المواطنة، والجميع سواء أمام القانون، والكل متساوون بوصفهم مواطنين، والديموقراطية هى أكبر ضامن للسلام الاجتماعى وهى الأسلوب الأمثل فى إدارة الخلاف بين الجميع فى إطار الدولة الوطنية.
لذلك يفسر الديمقراطية بمزاج الإنقلاب فيرى أنها "لا يمكن أن تحقق الديموقراطية أغراضها دون نبذ العنف والإرهاب والتطرف وتفكيك الأصوليات المغلقة".
