أثار القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر 2025، ببدء إجراءات تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات “إرهابية”، جدلًا بين اتجاهين؛ يمثل أحدهما بعض الكُتّاب والباحثين الذين استعرضوا ما اعتبروه “مزايا” فصل العمل السياسي عن الدعوي، أو حتى حل الجماعة شكليًا أو تفكيكها إلى كيانات مدنية متعددة، باعتباره مخرجًا تنظيميًا وفكريًا.
أما الاتجاه الثاني، فيمثله مراقبون آخرون رأوا أن هذه الطروحات ليست سوى انعكاس لـ”الهزيمة النفسية”، وأنها لا تعالج جوهر الأزمة، بل تكرّس خطاب الانكسار وتبرير الاستهداف الخارجي والداخلي.
استند قرار ترامب إلى مزاعم بأن الجماعة تدعم أو تشجع هجمات ضد “إسرائيل” أو شركاء الولايات المتحدة، ففتح الباب أمام نقاشات متعددة حول مستقبل الجماعة، بين سيناريوهات العزل الكامل أو الحل الذاتي، وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وفكرية واجتماعية.
السياسي والحقوقي أسامة رشدي وصف الواقع القائم داخل التيار الإسلامي في مصر، حيث كانت الأحزاب والنقابات تُدار فعليًا من خلال الجماعة الأم (مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى)، أي أنه اعترف بوجود خلط فعلي بين الدعوي والسياسي. ومن جهة أخرى، دعا إلى ضرورة الفصل بين المجالين وإصلاح هذا الخلط عبر استقلال الأحزاب في قراراتها وتمويلها وانتخاب قياداتها، وفق المعايير العالمية المتعارف عليها.
وبرزت مداخلة رشدي حول ضرورة فصل العمل السياسي عن الدعوي داخل الجماعات الإسلامية، ورأى أن ذلك أضعف العمل السياسي وأضر بالدعوي. لكنه في الوقت نفسه دعا إلى مراجعات شجاعة تعيد الاعتبار لمعايير التنظيم الحزبي المستقل، بحيث تكون الكيانات السياسية منفصلة عن الجماعة الدعوية والخيرية. هذا الطرح يعكس مفارقة بين الاعتراف بالخلط كواقع قائم وبين الدعوة إلى إصلاحه، لكنه يوضح أن المخرج الحقيقي يكمن في الفصل لا في استمرار التداخل، وهو ما اعتبره شرطًا لإنقاذ التجربة الإسلامية من أزماتها المتكررة.
وأشار رشدي في منشور له عبر حساباته إلى أن قرار ترامب لا يستهدف الإخوان فقط، بل يستهدف الإسلام والوجود الإسلامي في الغرب. وأوضح أن الجماعة منهكة أصلًا بفعل سنوات من القمع والقتل والاعتقال والإخفاء القسري ومصادرة الممتلكات في الدول التي عاقبت أعضاءها لأنهم فازوا في انتخابات حرة وهددوا منظومة الاستبداد. وشدد على أن الهدف الحقيقي هو تجريم المجتمع المدني وتخويف الحركات الشعبية، وأن القرار يمثل محاولة لإعادة تعريف المعارضة السياسية على أنها “إرهاب”. وحذّر من خلط الاحتجاج السياسي بالإرهاب، معتبرًا أن ما يجري هو محاولة لإعادة إنتاج “حرب على الإرهاب” جديدة، هذه المرة ضد كل من يقول “لا للإبادة”.
https://x.com/OsamaRushdi/status/1993228626137907434
الحل لن ينهي الاستهداف
أما الكاتب والصحفي قطب العربي فاستعرض رأيه بأن الدعوات لحل الجماعة ليست جديدة، وأنها طُرحت في أزمات سابقة مثل التصنيف الأمريكي الأخير. وأكد أن الجماعة من الناحية القانونية منحلة منذ الخمسينات في مصر، وأن نشاطها كان قائمًا على الأمر الواقع. وأضاف أنه بعد ثورة يناير حاولت الجماعة تقنين وضعها عبر جمعية وحزب سياسي، لكن النظام بعد 2013 أعاد حلها وصنّفها إرهابية. واعتبر العربي أن قرار ترامب لن يكون له أثر كبير على إخوان مصر، لأن النظام المصري سبق وفعل ذلك عمليًا. وحلل سيناريو “لو حلت الجماعة نفسها”، مؤكدًا أن النظام سيكذّب الإعلان ويعتبره خدعة، وأن الإعلام سيحتفل بأنه أجبر الجماعة على الاستسلام، فيما ستواصل القوى السياسية المنافسة نفس الاتهامات. وأضاف أن التيار الإسلامي سيُصاب بصدمة لفقدان الجسم الأكبر فيه، وأن الأفراد سيتوزعون بين الانعزال أو الانخراط في جماعات أخرى أو تأسيس كيانات جديدة. كما أشار إلى أن القضية الفلسطينية والمقاومة ستكون أكبر المتضررين، وكذلك الأقليات المسلمة عالميًا.
التفكيك لا الحل؟
وعبر منشور على فيسبوك، طرح الباحث علاء سعد حميدة سؤالًا: “ماذا لو حلت الجماعة نفسها؟ هل يتبخر المنتسبون؟”. وأكد أن البشر لا يتبخرون، بل يحتفظون بالقيم والمبادئ التي تربوا عليها داخل الجماعة. ورأى أن الحل ليس ممكنًا بالمعنى المطلق، بل يمكن الحديث عن تفكيك تنظيمي ومراجعة فكرية. تنظيميًا، اقترح حميدة التحول إلى جمعيات مجتمع مدني متعددة (تربوية، خيرية، اجتماعية، توعوية، سياسية حزبية)، أو انخراط الأفراد في أحزاب قائمة. وفكريًا، دعا إلى مراجعة عميقة لأفكار مثل شمولية التنظيم، مفهوم الدولة الوطنية، المواطنة، وفقه السلطان، وهل العمل السياسي واجب عقائدي أم فقهي قابل للاجتهاد. وزعم أن النظام المحلي والإقليمي والدولي لن يقبل بسهولة بهذا التحول، وأن الأمر يحتاج إلى “جهاد قانوني وإعلامي وضغط شعبي ونخبوي طويل وشاق”. ويخلص إلى أن التغيير يجب أن يكون من داخل الجماعة كاقتراب من قيم الإسلام وتجديد في وسائل الدعوة، لا إرضاءً للأنظمة أو القوى الدولية.
أوقفوا جلد الذات
وعقب قرار ترامب في نوفمبر 2025 ببدء إجراءات تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين، كتب الأكاديمي المتخصص في الشريعة الإسلامية د. عطية عدلان مقالة انتقد فيها موجة التحليلات التي أعقبت القرار، واعتبرها تعبيرًا عن “روح الهزيمة النفسية” أكثر من كونها قراءة موضوعية. يرى عدلان أن كثيرًا من الأقلام حمّلت الجماعة مسئولية ما جرى، بزعم أنها جلبت ذلك على نفسها والتيار الإسلامي كله حين تقدمت للرئاسة دون أن تكون مؤهلة لها. لكنه يرفض هذا الطرح، معتبرًا أن الفشل لم يكن في إدارة الدولة بحد ذاتها، بل في إدارة الصراع مع المؤسسة العسكرية، وهو إخفاق جماعي شمل الإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء. ويؤكد أن المشكلة لم تكن في الجهل بعلم “العلاقات المدنية العسكرية”، بل في غياب أبجديات إدارة الصراع في مرحلة ما قبل المؤسسات المستقرة. وشدد على أن المطلوب اليوم هو طريقة جديدة في التفكير والتعاطي مع الأحداث، بعيدًا عن الأسلوب الانهزامي الذي يهوّن من شأن الإسلاميين ويضخّم من حجم السياسة والرئاسة. وقال: “إن الخطأ الحقيقي كان في ارتجالية القرارات، سواء في الترشح للرئاسة أو في مواجهة السلطة، دون أن تكون هذه الخطوات جزءًا من مشروع جامع تتفق عليه الأمة”. أما عن مواجهة القرار الأمريكي، فدعا عدلان الإخوان إلى التحرك عبر الوسائل القانونية، والتوحد واستعادة روح الجماعة، ومواصلة النضال من أجل استعادة دورهم. كما طالب بقية الجماعات الإسلامية بأن تعمل كل منها وفق استعداداتها، في إطار مشروع جامع له ميثاق واحد، ينهض بفروض الكفايات ويعيد تنظيم الصفوف. وخلص إلى أن مواجهة التحديات الراهنة لا تكون بالانسحاب أو جلد الذات، بل بالعمل المنظم والمراجعة الجادة، مع الحفاظ على روح المقاومة والتمسك بالحقوق المشروعة.
شهادة عملية
في رسالة مطولة نشرها إبراهيم فوده بعنوان حُرّاس السفينة، عرض تجربته الشخصية وقناعته بفكر جماعة الإخوان المسلمين بعد بحث طويل في التيارات الدينية. يرى أن منهج الجماعة وسطي، يجمع بين الدين والسياسة باعتبارهما جزءًا من منظومة الإسلام الشاملة التي مارسها النبي والخلفاء والتابعون. وطرح فوده تساؤلات حول الدعوات التي تطالب الإخوان باعتزال العمل السياسي والحزبي، متسائلًا: إذا انسحبوا من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فهل سيُسمح لهم بممارسة حقوقهم النقابية أو المهنية كأطباء أو مهندسين أو معلمين؟ وأكد أن الواقع يشير إلى أن السلطات تعتبر كل نشاط سياسي أو نقابي جزءًا من “الحزمة الكاملة”، وبالتالي تمنع حتى الممارسات الطبيعية. واستشهد بتجربته الشخصية حين مُنع من ممارسة التدريس بالأزهر رغم تعيينه رسميًا، وتم تحويله إلى وظيفة إدارية بقرار من أمن الدولة، ثم فُصل نهائيًا من عمله فقط بسبب حمله لفكر الإخوان، دون أي إثبات أو بطاقة عضوية. وخلص فوده إلى أن اعتزال السياسة لن يحمي الإخوان أو أفرادهم من الملاحقة، بل سيُستخدم ذريعة لمزيد من التضييق، معتبرًا أن التنازل عن العمل السياسي أو المقاومة يقود إلى تنازلات أكبر تمس الكرامة والحقوق. ويرى أن الحرب على الجماعة هي جزء من حرب أوسع على الإسلام والمسلمين، وأن الاستهداف لن يتوقف عند حدود السياسة.
https://www.facebook.com/reel/4281751155446997
شهادة دولية
أما حساب Mina Harb فقد أشار إلى أن الإخوان المسلمين جماعة مطاردة من قبل الغرب، نتيجة ضغوط دول عربية إسلامية بعينها لإدراجها ضمن قوائم الإرهاب. وأضاف أن بريطانيا كانت من بين هذه الدول لكنها لم تذهب إلى حد حظر الجماعة، ولم تذعن للضغوط ولا للتهديدات بسحب الاستثمارات التي مارستها عليها دولة خليجية. وأوضح أنه في عهد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون تقرر إجراء مراجعة من قبل لجنة الشئون الخارجية في البرلمان، التي كان يترأسها حينذاك النائب المحافظ كريسبن بلانت. وأشار إلى أنه التقى النائب عام 2016، وقال له بالحرف إن ما يعرف بالإسلام السياسي لا يتبنى العنف، وإن جماعة الإخوان ليست كما يزعم معارضوها بأنها تمارس الإرهاب. ولذلك خرجت اللجنة البرلمانية بتوصيات أهمها: دعوة الحكومة البريطانية للتواصل المباشر مع الجماعة لفهمها بشكل أفضل، كونها ليست منظمة إرهابية محظورة في المملكة المتحدة. كما خلص التقرير إلى أن “الإسلام السياسي” مصطلح غامض، وأن وزارة الخارجية بحاجة إلى أساس أوضح للتواصل مع مختلف الجماعات التي تندرج تحت هذه المظلة، داعيًا إلى اتباع نهج دقيق يُقرّ بأن معظم الإسلاميين السياسيين لا يشاركون في أعمال عنف.
