“إيش تعمل الماشطة في الوش العكر!”.. تغييرات إعلامية وإقالة “مكرم” بعد فشل مشروع السيسي

- ‎فيتقارير

حالة من التخبط تسود بين الانقلابيين لمحاولة إصلاح ملفات الإعلام والصحافة والفضائيات التي أفسدوها بعد الانقلاب، بتطبيق رؤية قائد الانقلاب بتوحيد صوت الإعلام ليكون مثل العهد الناصري، وتغييب أي صوت معارض، بدأت بإقالة مسئولين عن هذا الملف في المخابرات وأمن الدولة وإعادة آخرين، منهم صهر السيسي للإشراف على الملف، ثم تعيين وزير إعلامٍ بالمخالفة لدستور السيسي.

وقالت صحف ومواقع موالية للانقلاب، إنه سيتم، خلال أيام، إعادة تشكيل الهيئات الصحفية والإعلامية الثلاث، وهي: الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بعد ساعات من تعيين أسامة هيكل، وزيرًا للدولة للإعلام، وشهور من الترقب والتكهن داخل الأوساط السياسية والإعلامية حول تلك التغييرات.

وهناك حديث عن تصعيد كرم جبر من منصب رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ليتولى منصب رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، خلفًا لمكرم محمد أحمد الذي سيُحال للمعاش بعدما ساند الانقلاب ووأد الصحافة.

ويبدو أن تصريحات مكرم المعادية لمرشح العسكر والمتحدث باسمهم، أسامة هيكل، ستُعجّل برحليه خصوصًا مع كبر سنه.

كما سيتم ترشيح مزيد من الموالين للانقلاب في الهيئات الحكومية الإعلامية، مثل نشأت الديهي رئيس قناة "تن"، وعمرو عبد الحميد المدلل لدى الإمارات، لإرضائها بعدما أغلقت قناة "تن" الموالية للانقلاب مقابل إعادة تمويلها واستمرارها.

ومن المتوقع أن يصدر قرار من السيسي بتحديد اختصاصات ومهام وزارة الإعلام التي أعلن عن عودتها في التعديل الوزاري، الذي أُعلن عنه الأحد الماضي، وفقا لما قالته مصادر لجريدة الأهرام.

وبحسب مصادر، ربما يصدر قرار تنظيمي خلال أيام بتولي أسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، الإشراف على الهيئات الإعلامية. والهدف من القرار منع تضارب الاختصاصات، ومنح هيكل صلاحيات أكبر لتمكينه مما يسمونه "تطوير المنظومة الإعلامية!".

وسيكون دور هيكل الرئيسي تنسيق سياسات الدولة الإعلامية، وتحديد آليات عرض سياسات الحكومة وخطواتها إعلاميًا، فضلًا عن أنه أصبح المتحدث الرسمي الأول باسم الدولة المصرية.

مواجهة نجاح الإعلام المعارض

من الواضح أن التغييرات الحالية والقادمة تستهدف أمرين:

الأول: إبعاد قادة المخابرات والجيش عن المشهد المباشر في إدارتهم لملف الإعلام والإشراف على ما تنشره الصحف والفضائيات، بعدما أصبح معروفًا لكل المصريين من هم الضباط الذين يُصدرون التعليمات للصحفيين والفضائيات، وتعيين وجوه مدنية تتلقى التعليمات من نفس المصادر العسكرية والمخابراتية كنوع من التغيير الشكلي.

الثاني: السعي للتغلب على إعلام المعارضة، بإنعاش إعلام السلطة الساقط الذي أثبت فشله؛ لتكرار نفس المواضيع التي يتم إملاؤها عليهم من المخابرات، ومنعهم من القيام بعمل إعلامي حقيقي وإخفاء الفساد، وهو أمر اعترف به إعلاميو الانقلاب، مؤكدين أن إعلام المعارضة والإخوان في الخارج ناجح وعليه إقبال من المصريين أكثر من فضائيات الانقلاب.

لهذا فالتعيينات المتوقعة هي محاولة لإصلاح إعلام الانقلاب؛ ليواجه إعلام المعارضة في الخارج.

وكشف قرار الانقلاب بإعادة إحياء وزارة الإعلام- ولو في شكل وزير دولة، أي وزير بلا حقيبة- عن تخبط جديد في إدارة المنظومة الإعلامية في مصر، وأن النظام لم يستقر بعد على الشكل النهائي لإدارة هذه المنظومة، حتى وإن كانت الرؤية العامة لديه واضحة في ضرورة تعزيز الهيمنة التامة على وسائل الإعلام جميعها؛ تطبيقًا لحلم عبد الفتاح السيسي الذي عبّر عنه يومًا بإعجابه بإعلام عبد الناصر.

فلم تُقصر الهيئات الإعلامية الثلاث (المجلس الأعلى والهيئتان الوطنيتان) ومعها الهيئة العامة للاستعلامات وكذلك نقابتا الصحفيين والإعلاميين في تنفيذ رغبات السيسي، كما يقول إعلاميون معارضون، ولكن السيسي يتخبّط.

فمهما فعل الانقلابيون فهي تغييرات في الأشخاص والسياسات، بينما سيظل "موبيل سامسونج" ومجموعات "واتس اب" تُرسل الأوامر للصحفيين والإعلاميين، وسيظل إعلام الانقلاب فاشل؛ لأنه إعلام السيسي الموحد الذي لا يوجد صوت معارض يظهر فيه.

ويقول الصحفي قطب العربي، الذي تولّى خلال الحكم الديمقراطي لمصر منصب الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة: إن نظام السيسي يتوهم أن وجود وزير للإعلام سيسهم في تحسين الأداء الإعلامي، ويعيد الهيبة للإعلام المصري، ويعيد إليه جمهور القراء والمشاهدين الذين انصرفوا إلى غيره من قنوات ومواقع المعارضة في الخارج أو القنوات العربية والدولية.

ويقول: هذا هو "حلم إبليس بالجنة"، فما فشل فيه مكرم محمد أحمد وضياء رشوان وغيرهما من رجال النظام الحاليين، لن يستطيع تحقيقه أسامة هيكل الأقل كفاءة مهنية وسياسية منهم، والذي كان تعيينه محض "حاجة في نفس السيسي قضاها بعودة وزارة الإعلام دون قدرة على إحداث أي تغيير في المشهد الإعلامي الذي سينتقل من السيئ إلى الأسوأ؛ بسبب تكالب القيود السلطوية عليه، والتي لا تتيح له أي قدر من العمل والمنافسة.

صحف وفضائيات الانقلاب تغلق أبوابها

وتشهد الصحف والفضائيات المصرية، عقب شراء أجهزة المخابرات الحربية (الجيش) والعامة للعديد منها، أجواء عاصفة تتمثل في موجة إغلاقات لصحف ومواقع أو دمج إدارتها، وغلق فضائيات أبرزها "دي إم سي نيوز" التي كان يجري إعدادها لتكون منافسًا لقناة الجزيرة.

لا يكاد يمر شهر إلا ويتم الإعلان عن غلق صحف وفضائيات، وتسريح عشرات الصحفيين والمذيعين، بعدما انتهى الشق الأخير من خطة أعدها عبد الفتاح السيسي للسيطرة على "الكلمة والصورة"، بعدما اشتكى من النقد الإعلامي.

وقال عضوان بمجلس نقابة الصحفيين: إن ما يحدث هو توفير للنفقات بعدما تم "تأميم" الصحافة والإعلام بقوانين أو بشرائها، وأصبحت الأخبار شبه موحدة وتُملى على الجميع من ضباط المخابرات، وانتهت حرية الإعلام.

ورغم امتلاك مصر وكالة أنباء إقليمية (أنباء الشرق الأوسط)، ومدينة إنتاج إعلامي، و65 قناة فضائية و250 صحيفة، منها 55 مملوكة للدولة، ونحو 500 موقع إلكتروني إخباري، يشكو المسئولون من عدم قدرتهم على منافسة قنوات معارضة بالخارج أو الجزيرة.

أيضًا ارتفع عدد القنوات التي يتم بثها في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011 من بضع قنوات إلى ما يزيد على 124 قناة فضائية، منها 23 مملوكة للدولة، و101 فضائية خاصة، تراجعت لقرابة 65 حاليًا بفعل القيود على الحريات.

وفي مؤتمر الشباب السابع، يوليه الماضي، وخلال سرده لرؤيته لمستقبل صناعة الإعلام، قال السيسي: إن الإعلام يكلف الدولة سنويًّا نحو 6 مليارات جنيه، ولا يحقق من الأنشطة التي يقوم بتنفيذها سوى 2.3 مليار جنيه، بمحتوى متواضع.

وفي أبريل 2018، اشتكى السيسي- خلال حوار معه- من أن مقدمي البرامج "يتحدثون 5 ساعات يوميًّا لحد ما المواضيع تخلص ويضطروا يلجئوا للفضائح والإساءة للدولة".

وتملك شركة «دي ميديا»، التابعة لمخابرات الجيش (الحربية)، شبكة «دي إم سي»، وراديو «9090»، وموقع «مبتدأ»، فيما تملك «إعلام المصريين» التابعة للمخابرات العامة، قنوات «أون»، و«الحياة» وموقعي «دوت مصر»، و«اليوم السابع»، وجريدة «صوت الأمة» و"الدستور".

ويتولّى جروب "واتس آب"- أمنى جرى تشكيله بين قيادات أمنية واستخبارية وكافة المسئولين عن التلفزيونات المصرية ورؤساء ومديري التحرير والقيادات الإعلامية- فرض ما ينشر على الصحف والفضائيات المصرية.

وسبق أن كشف تقرير أخير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" حول ملكية وسائل الإعلام في مصر، عن أن جُل المنابر الإعلامية "باتت خاضعة مباشرة لسلطة الدولة أو أجهزة المخابرات أو في ملكية أثرياء مقربين من الحكومة".