“ميدل إيست آي”: التباعد الاجتماعي ترفٌ لا يستطيع الفقراء في مصر تحمّل ثمنه

- ‎فيتقارير

نشرت صحيفة “ميدل إيست آي” تقريرًا حول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار فيروس كورونا على العمالة غير المنتظمة في مصر، وسط مطالبات بفرض الحظر الكامل في المنزل والتباعد الاجتماعي.

واستطلع التقرير الذي ترجمته “الحرية والعدالة”، آراء عدد من الباعة الجائلين حول الآثار المترتبة على كورونا والبدائل المطروحة أمامهم حال تطبيق الحظر الكامل.

والتقت الصحيفة بائعة خضار تدعى “سميرة قوت”، ٤٦ عاما، وهي من محافظة المنوفية وتتنقل يوميا مسافة ٩٠ كيلومترا من المنوفية إلى القاهرة، في مؤخرة شاحنة مزدحمة بـ١٥ شخصا آخرين، بالمخالفة لإرشادات التباعد الاجتماعي بسبب فيروس كورونا.

ومثل ملايين المصريين الآخرين، فإن بقاء سميرة قوت في المنزل، وهي أم أرملة ولديها أربعة أطفال، ليس خيارا مطروحا، وإذا فعلت ذلك فلن تتمكن عائلتها من توفير الطعام والملابس والمأوى لعائلتها.

وفرضت حكومة الانقلاب، الشهر الماضي، حظرا للتجوال في جميع أنحاء البلاد، كما أغلقت المدارس والجامعات والمقاهي والملاهي وأماكن الترفيه، وذلك ردا على انتشار فيروس كورونا، كما حظرت حركة الأفراد، بما في ذلك استخدام وسائل النقل العام والمركبات الخاصة، على جميع الطرق العامة من الثامنة مساء إلى السادسة صباحا يوميا.

ولم تكن مصر صارمة دوما في استجابتها لمخاطر انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى رفض الخطر باعتباره مشكلة تواجهها بلدان أخرى.

ولكن في وقت لاحق ومع تزايد أعداد الإصابات، بدأت الحكومة إلقاء اللوم على المواطنين في انتشار المرض، في حين لم توفر السبل اللازمة للنأي الاجتماعي والحد الأدنى من الضمان الاجتماعي. وقد سجلت مصر حتى الآن ٢٥٠٥ حالات إصابة بفيروس كورونا و١٨٣ حالة وفاة.

ومع ذلك، فقد تسببت القيود في معاناة اقتصادية لملايين المصريين الذين يعانون من الفقر أصلا، بمن فيهم أولئك الذين يعتمدون على العمالة غير الرسمية التي تشكل ٣٠ في المائة من القوى العاملة في البلاد.

وفي أحدث تقرير نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر (المقدر بنحو ٧٣٥.٥ جنيه مصري، أي ما يعادل ٤٦.٦ دولار شهريا) من ٢٧.٨ في المائة من إجمالي السكان في عام ٢٠١٥ إلى ٣٢.٥ في المائة في عام ٢٠١٥ ١٧-١٨.

وفى نفس الوقت ازداد معدل الجوع أو الفقر المدقع من ٥.٣ فى المائة إلى ٦.٢ فى المائة فى نفس الفترة.

وتبيع “سميرة قوت” معظم منتجاتها إلى زبائن الشوارع والنساء الذين يعملون في وزارة الزراعة في منطقة الدقي المزدحمة بالجيزة، حيث تعرض إنتاجها، مضيفة: “إذا لم أقْدم إلى القاهرة ليوم واحد، لن أتمكن من توفير الطعام والادخار مقابل رسوم الإيجار والمدارس”.

وتضيف سميرة قوت “لا ألبس قناعًا أو قفازات، وأخالط أكثر من ١٢٠ شخصا مختلفا، وفقا لتقديراتها، بما في ذلك زبائنها، مضيفة: “إذا أصبت بالفيروس سأموت، وإذا لم أعمل سيموت أطفالي أيضا من الجوع، لذا فهي نفس الشيء”.

وأضافت سميرة قوت، في قرى المنوفية، وهي محافظة تقع في دلتا النيل شمال غرب القاهرة، لا يوجد ما يسمى بحظر التجول، ولا تزال ورش العمل والمصانع ومواقع التشييد وغيرها من أماكن العمل تعمل على تحمل الخسائر الناجمة عن انخفاض المبيعات، مضيفة أنها في الأيام التي لا تستطيع فيها المجيء إلى القاهرة لبيع إنتاجها، تعمل كمنظفة منزل لتعويض النقص.

والتقت الصحيفة بائعا آخر في منطقة عين شمس من الطبقة العاملة يدعى، زين عوض، (٥٦ عاما) أخبرها أنه لم يسمع أو يلاحظ حملات عن كيفية التعامل مع الفيروس، ولا يستطيع الوصول إلى الإنترنت أو التلفزيون، لكن الأصدقاء نصحوه بعدم تدخين الشيشة.

ويحتمي عواد من الشمس الحارقة تحت شجرة، ينتظر الزبائن الذين يشترون منه العسل والفطائر، مضيفا: “البقاء في المنزل هو للأغنياء، لن أكون قادرا على تحمل هذا الثمن أبدا”.

وأشار عواد إلى عدد من الباعة الجائلين الآخرين وتجمعٍ آخر من الناس ينتظرون في مؤسسة حكومية، قائلا: “لولا الفقر والجوع، لكان هؤلاء الناس قد بقوا في بيوتهم بسلام”.

وتابع التقرير: “في مدينة نصر بالقاهرة، يجلس العشرات من عمال البناء، معظمهم من مناطق الصعيد الفقيرة، مع أدواتهم”.

والتقت الصحيفة أحدهم ويدعى أشرف، ٣٦ عاما، من سوهاج، يعيش في إسطبل للخيول مع ٢٠ شخصا آخرين، معظمهم من البنائين، الباعة، المشردين، عمال التنظيف.

ويقول “أستيقظ يوميا حوالي الساعة الرابعة صباحا، وأذهب إلى المكان (مدينة نصر)، حيث يأتي إلينا مقاول أو مالك منزل ويطلب منا أن نعمل أو نبني شيئا”.

ويتابع: “كنت أعتقد أن الصحة هي الأصل الوحيد لدي، ولكن الآن أنا على استعداد للتخلي عنها من أجل الأكل وإعالة عائلتي”، مضيفا أنه لم يتمكن من العثور على عمل لمدة أسبوعين على الأقل.

ويستطرد: الكثير من الناس الذين أعرفهم [الذين كانوا يعملون في البناء] ذهبوا لجمع القمامة وبيعها، بينما بدأ آخرون بالتسول في الشوارع، مضيفا: “ليس لدي مال لأرسله إلى أمي وأبي، ناهيك عن شراء قناع وقفاز”.

وتعهدت حكومة الانقلاب بتقديم بعض الدعم للعمالة غير المنتظمة، قائلة إنها ستوزع ٥٠٠ جنيه (حوالي ٣٣ دولارا) على العمال اعتبارا من ١٣ أبريل إذا سجلوا قبل ٩ أبريل، وسيتم توزيع المساعدات على مكاتب البريد في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن فروع البنك الزراعي المصري التابع للدولة.

وحاولت “ميدل إيست آي” الاتصال بمحمد لمعرفة ما إذا كان قد تقدم بطلب للحصول على المساعدة، ولكن أصدقاء محمد زعموا أنه قد قبض عليه أثناء عودته من عمله بسبب كسر حظر التجول، ولم يشاهد من جديد.

مساعدات الدولة

ونقلت الصحيفة عن مواطن يدعى أحمد عبد الله، في قرية كرداسة بالجيزة، يعمل بوابًا، قوله إنه تقدم بطلب المساعدة، ولكنه اضطر لدفع رشوة ١٠٠ جنيه للموظف الحكومي لمساعدته في إدخال بياناته على الكمبيوتر.

وتواصلت الصحيفة مع شخصين آخرين تقدموا بطلبات للحصول على المساعدة، وأكد كل منهما أنه كان يتعين عليهما تقديم رشوة إما إلى حارس أمن مكتب البريد أو الموظف لمساعدتهما في إدخال بياناتهما، مضيفين: “معظم هؤلاء الناس لا يعرفون القراءة والكتابة بشكل صحيح، فكيف يمكنهم استخدام الحاسوب عبر الإنترنت؟

ومن بين الأشخاص الذين لا يستطيعون ممارسة التباعد الاجتماعي ويعيشون في ظروف قاسية لا تطاق، المجندون في قوات الأمن.

وقال مجند من الشرطة في أسيوط، يخدم في مديرية أمن السويس، إن ضباط الشرطة التابعين له الكبار قدموا له ولجميع من في وحدته قناعا واحدا وقفازا واحد لكل واحد منهم، وأنهم سيضطرون إلى إبقائهم لمدة ٤٠ يوما، مضيفا أنه اضطر هو وأصدقاؤه إلى استخدام الأوشحة والأقمشة لتغطية وجوههم عند الخروج من الخدمة، بل وحتى صنع أقنعة بالورق المقوى والبلاستيك.

وقال المجند الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الضباط طلبوا منهم أن يبقوا أيديهم نظيفة و”أن يتعاملوا مع هذا الفيروس وكأنه بارد”، لكنه أشار إلى أنه و٣٩ آخرين ينامون عن قرب في غرفة واحدة، وهم غير قادرين على غسل أيديهم لأن معظم خدماتهم تستتبع أن يقفوا حراسا في مكان معين لمدة ست أو ثماني ساعات في كل مرة، وعادة لا يجدون ماء، مضيفا: كنا نستخدم الحمام في أقرب مسجد أو مستشفى أو مقهى محلي، لكن كل هذه الآن مغلقة.

وتابع: “لا أستطيع حقا أن أقول لا أو أسأل لماذا. هذا هو الجيش. إنك تفعل ما يقال لك.

ويقول مجند آخر في مديرية أمن الجيزة يعمل سائقا لأحد ضباط الشرطة رفيعي المستوى، إنه هو وثمانية من زملائه يقيمون في غرفة واحدة صغيرة دون أي احتمال للتباعد اجتماعيا، حيث إن جميعهم يحتاجون إلى قسط من النوم قبل القيام بواجبهم في اليوم التالي.

ويقول السائق إنه وزميل آخر فقط تسلما قفازات حتى الآن، حيث يتعاملان مباشرة مع ضباط كبار، مضيفا: “بقية الأولاد لم يحصلوا على أي شيء، علينا أن نطعم أنفسنا من راتبنا الخاص، لذا فنحن لا نتوقع منهم أن يعطونا هذه المعدات الوقائية”.

ونقلت عن مجند عسكري يعمل كطبيب في معسكر تدريب في الجيزة قوله: إن “المجندين المتميزين قادرون على شراء الأقنعة والمطهرات، ولكنّ الآخرين لا يستطيعون”.

وأضاف أن ازدحام المرافق هو أكبر مشكلة قد يواجهها الجيش، فضلا عن نقص التدريب، للتعامل مع أزمة مثل الوباء، مضيفا: “هناك ما بين ٣٠٠ إلى ٥٠٠ شخص في كل مبنى، وهم يدخلون ويخرجون، تخيل لو أن شخصا واحدا فقط مصاب.

للاطلاع على التقرير:

https://www.middleeasteye.net/news/coronavirus-egypt-social-distancing-poor-cannot-afford